لماذا ينتحر الشباب التركي بهذا العدد الضخم ؟

عماد علي

نقلت جريدة الشرق الاوسط خبرا عن الاعلام و الاحصاءات التركية نفسها، بين فيه النسبة العالية من الانتحارات بين شباب تركيا خلال الاعوام الثلاثة الاخيرة. اننا هنا لا نريد ان نكشف هدف الجريدة لنشر هذا الخبر و ما يحتويه من الاهداف السياسية اكثر منها انسانية في هذا الوقت الذي يعلم الجميع العلاقة المتردية بين السعودية و تركيا، و انما يمكننا ان نبحث عن فحوى الخبر و ما يحمله، فيبدو ان عدد المنتحرين وفق احدث الاحصائيات غير مسبوقة في تاريخ تركيا و حتى ابان اعقد المراحل التي مرت بها تركيا في مراحل سلطة اتاتورك و ما افرز منه من الاسباب الاكثر تاثيرا على ياس الشباب التركي و منها انبثاق الحركة الكوردية و استمرار الخلافت و الحروب الداخلية التي اثرت على حياة الشعب التركي . فهل السبب و العامل الرئيسي لياس الشاب في المقتبل العمر الذي يشكل النسبة الاكبر من المنتحرين هو الاقتصاد المتردي فقط كما هو الحال ام سياسات اردوغان الخاصة هي التي اثرت بشكل مباشر على حياة المجتمع و الشباب الذي يشكل نسبة كبيرة منهم من جهة، و ارتفاع نسبة البطالة و تضييق مساحة الحرية مع توسع و انتشار نسبة وسائل الترفيه الدافع الى توجه الشباب الى المغامرة من اجل توفير ما يؤهله للعيش باقل نسبة دخل له و ان لم يتمتع بحياته من الرفاهية و الفشل الذي ينتظرهم كثيرا في هذا الامر . و عند وصول نسبة كبيرة من معيشة الى تحت خط الفقر و ما يُعلن هو اقل من الرقم المخيف المغطى، و ادعاء السلطة بتحكم على الحالة و الوعود برفع الدخل دون ان توفي بوعودها و من حمل الشاب بعد نفاذ صبره الى المغامرات التي قد تؤدي الى وقوعه في المستقعات الخطيرة و منها ادمانه على المخدرات فلم يبق امامه الا الانتحار.

و لكن السؤال المنطقي هو؛ لماذا ينتحرون ان كانت الاكثرية تنتمي الى حزب العدالة و التنمية ذات التوجه الاسلامي و ان كان الانتماء سطحيا و مصلحيا دون اي اقتناع، و اول ما يحرمه هذا الحزب و مثبت في فلسفته هو تحريم قتل النفس و الانتحار، و هذا ما يؤشر الى ان المنهج الاسلامي الذي يتبعه هذا الحزب لم يعد ينفع الشباب حتى داخل حزب العدالة و لم يقتنع به، و ان توفر لدينا معلومات عن نسبة المنتحرين من بين الشباب اعضاء حزب السلطة و خارجه لتمكنا من بيان الاسباب بشكل اوضح و ادق .

النظام التركي في هذين العقدين لم يعد علمانيا و لا اسلاميا فيمكن لاي باحث ان يمد يده الى البحث فيه بشكل علمي اكاديمي، انه نظام حزبي براغماتي حزبي قح بغلاف اسلامي، او من الاصح ان ما وصل الى ان يكون النظام اردوغانيا ان صح التعبير عنه، لانه ليس له شبيه في اية زاوية من العالم من جهة، و لم تتوضح فيه الفلسفة و المنهج المتبع في ادارة الحكم منة جهة اخرى عدا ما يذكر من اسلاميته لفظا. و عليه فان التحولات التي تحصل و ما تحدث من المفاجات نتيجة عدم استقرار النظام الحالي على نظام خاص معلوم المباديء و القيم و المنهج و الاعمدة الذي يمكن تحديد ملامحه طالما كان المنفذ و الحاكم الاوحد مزاج شخصي و مصلحة خاصة فقط.

وبعد الانتعاش الاقتصادي المعتبر على يد باباجان و بنسبة ملحوظة و من ثم الاطماع الشخصية الاردوغانية التي اودت به قبرت الحالة من مهدها و وضعت العراقيل امام تحقيق الخطة التي اعتمدها باباجان لعقد تقريبا، نتيجة التغييرات السياسية و انفراد اردوغان في السلطة و اسناده القطاع الاقتصادي و وزارته الى صهره و ما جعل الحكم عائليا اكثر من كونه مؤسساتيا.

ان الشباب التركي يعيش بين فكي كماشتين ما يفرضه العقيدة الاسلامية الحزبية و اتباع الطرق لخضوع و خنوع الشباب الذي يحاول هذا الحزب ان تتقاطع افكارهم مع موروثات التاريخ العلماني لتركيا مع عدم توفر الامكانية المادية و المعنوية لاكثرية الشباب في الحياة الحرة البسيطة. و من ثم لم يصل الحزب الاسلامي المسيطر الى حالة تتمكن فيها من السيطرة على عقول الشباب سواء بتخرفات او تاجيل الحياة الانسانية الى الغيبيات بشكل كامل، و ما يمكنه من اي يفرض هذا الى تاجيل العيش برفاه و سلام الى الاخرة. و مع عدم توفر العيش في هذه الحياة مما يجبر الشباب على الخوض في تلك التناقضات الفكرية و الوصول الى الياس من الوضع المتردي امامه فانه يتخبط و يتجه الى الانتحار.

اي ان الشاب التركي عندما لم يجد منفذا لحالته و معيشته و فكره في هذا الوقت و تنعدام الامل لتحسين وضعه، فهذا ما يدفعه الى ان يفكر و يدخل في الحالة النفسية المعقدة و كما قيل منذ اشهر بان الانعزال و التقوقع فرض نفسه على نسبة كبيرة من شباب تركيا، و المعلوم نهاية التقوقع و الكآبة و الكبت هو اللجوء الى الانتحار.

و هذا ما يدلنا بشكل واضح الى ان العامل الرئيسي الى ما يقدم اليه الشاب التركي الى الانتحار هو ضياعه فكريا و عدم توفر الطريق الصحيح لتوجيهه و فقدان الثقافة الخاصة له و التي اعتمدها الاجيال السابقة ابان الاتاتوركية اضافة الى الاحلة الاقتصادية المزرية التي تفرض حالات اجتماعية و نفسية متدهورة على الناس.

و من المنتظر ان تزداد نسبة الانتحار في حالة الفوضى التي تعيشه تركيا جراء التخبطات السياسية التي تحدث على ايدي اردوغان و مراوغته و اصراره على التكتيكات و المناورات السياسية بين الشرق و الغرب عسى و لعل يمكن ان يجد فجوة في المعادلات السياسية التي تمكنه من عبور المرحلة بسلام و لم يجدها لحد الساعة، و عليه لم يستقر على سياسة و منهج معين لحد الان، و ما يجعل هذه البلاد مهتزة وما تفرضه تداهعات هذه السياسات والاستمرار على عدم النوجه علىالحل لقضايا المصيرية التي تفرض نفسها على تركيا و ما يدعها بذلك ان تتارجح بين الشرق و الغرب لمدة اطول، و من يدفع الثمن هم الشباب اكثر من غيرهم.

تنويه: جميع المقالات المنشورة تمثل رأي كتابها فقط
Read our Privacy Policy by clicking here