لقد عملت ايران على اشعال الطائفية والقتل والاغتيال وتدمير الاقتصاد العراقي…

لقد عملت ايران على اشعال الطائفية والقتل والاغتيال وتدمير الاقتصاد العراقي والحكومات المتتالية الكارتونية والمبرقعة بالذل كالصنم بل اتعس
د.كرار حيدر الموسوي

يغض الغرب النظر عما تفعله الميليشيات الإيرانية في الأراضي العراقية المحررة من «داعش» وقتل وتهجير السكان السُنة في سياسة إحلال طائفي وعرقي,وما يجب أن تستوعبه الحكومة العراقية أن إيران لا تزال أكبر تهديد أمني للعراق.. كما أن أُخوة المذهب ليست أغلى من أخوة الدم والأرض والمصير المشترك حتى وإن كان بعض القيادات العراقية ذا أصول فارسية، حيث يبدو الشارع الشيعي العراقي منقسماً بين مقته التاريخي للفرس وبين ما يدور في ذهنه من إرث مذهبي وأقوال وآراء ترددها بعض المراجع الشيعية في بلده بصورة معلنة أو مبطنه عن أهمية الوجود الإيراني في العراق لتمكين الطائفة الشيعية من السيطرة على زمام الأمور وكسر شوكة الخطر السُني على طموح إنشاء الأمة الشيعية الموحدة في المنطقة.وليس من مصلحة طهران وجود عراق قوي موحد كجار لها، وليس من مصلحتها أيضاً وجود حكومة عراقية غير موالية لها، لا تقع تحت هيمنتها المباشرة، أو عدم تشكيل تكتل شيعي ضد تركيا والسعودية والعالم العربي. ولذلك هي لن تتوقف عن محاولة فرض سيطرتها على الحياة السياسية في لبنان كذلك وتحريك المياه الراكدة بين الأقليات الشيعية في الدول العربية وتشييع أكبر قدر من الشعوب العربية التي تعاني الفقر والبطالة، وشراء ذمم بعض الرؤساء والمنظومات السياسية العربية لمحاصرة العالم السُني وضربه من الداخل، ضمن سياسة فرّق تسد.
ومن جهة أخرى هناك بعض المصالح الأساسية الأخرى الإيرانية في العراق تتمحور حول الجانب الاقتصادي والبيئي والضغط على تركيا بخصوص بناء السدود على الفرات، وبالتالي تجفيف الأراضي، وتفاقم مشكلة التصحر في إيران، وحل معضلة الأمن المائي الإيراني، حيث لم تنقطع الإجراءات الإيرانية المنفردة بشأن قطع الروافد المائية (الدولية)، التي تغذي نهر دجلة في الأراضي العراقية منذ الخمسينات وما زالت، مما أدى إلى انخفاض المياه الواردة إلى الأراضي العراقية بنسبة 60 – 70%. والجدير بالذكر هنا أن أمن الأنهار الحدودية التي تنبع من إيران بين العراق وإيران كنهر «قره تو» أو نهر «الوند» ونهر «كنجان جم» ونهر «كارون»..إلخ، هو مسألة حيوية للجانب الإيراني، ولذلك مصالح إيران في العراق ليست مجرد مصادر طاقة ومذهب والحصول على الحصة الأكبر من السوق العراقي والتعاون في مجال النقل والطاقة والقلق حول مستقبل المقدسات الشيعية في العراق، حيث إن الحكومية الإيرانية هي حكومة «قومية» بالمقام الأول، ولن تتوقف عن مساعيها الرامية لتحويل الخليج العربي إلى خليج فارسي وفق مخططها الأكبر للسيطرة على المنطقة، وتحديد الفاصل بين أن تصبح إيران قوة إقليمية أحادية، أو مجرد قوة إقليمية، وشرعنة تدخلها في شؤون المنطقة سياسياً.
وهناك صراع خفي في العراق بين الولايات المتحدة وإيران حول الحكومة المركزية العراقية، فأميركا تريد حكومة علمانية موالية لها، وإيران تريد حكومة طائفية، وتسعى لتهميش السُنة، وكبت المصالح الوطنية العراقية، وجعل خريطة وبوصلة التوجه السياسي العراقي أصولية مذهبية، ولهذا ستستمر مكائد طهران التي تهدف إلى إجبار بغداد كي تقع مباشرة تحت نفوذها، والمضي قدماً في حلم «الهلال الشيعي» بأي ثمن,ويبدو أن الوقت قد حان للضغط من قبل دول التحالف العربي على الولايات المتحدة لبدء حوار شامل وجاد مع إيران وجميع الأطراف حول العراق بعد أن بلغت الفوضى ذروتها جراء التدخل متعدد الاتجاهات وخاصة من الجانب الإيراني عسكرياً وسياسياً في احتلال مؤقت للبرلمان وإضعاف الاقتصاد العراقي، وتسريع تفكك البلاد، على أن يشارك في تلك المحادثات الجادة آية الله السيستاني، حتى لا تؤدي الأزمة إلى انهيار النظام السياسي العراقي برمته، وضياع حق «عراقية» العراق بمعاول الطائفية والقومية العرقية وسطوة المصالح الأجنبية

العراق اليوم عراق دموي مخضب تختلط فيه الأشلاء والدماء: تفجيرات يذهب ضحيتها العشرات ولا تترك مدينة سواء في الشمال أو الجنوب فضلا عن وسط العراق إلا وقد نالها نصيب من هذه الأعمال الدموية التي لا ترحم، اغتيالات تخلف قتلى من جميع الطوائف والأعراق: علماء دين، رجال شرطة، قضاة، مسؤولين في الحكم، أبرياء ليس لهم أثر في شيء؛ بالإضافة إلى جنود الجيش الصفوى التابع للحكومة التي تديرها إيران.والأطراف المتحاربة والمتصارعة لا يبدو أنها تملك أفقا سياسيا للحل، وتصر على الوصول إلى أقصى درجات القوة للحسم دون النظر إلى مآلات الأمور وحجم الخسائر والأضرار التي لحقت بهذا البلد. وفي هذا الخضم المائج تطل علينا الرأس الإيرانية تريد أن تضع قدما لها في هذه الأرض المستباحة تساعدها في ذلك عوامل كثيرة على الساحة الإقليمية والدولية والمحلية. وللبحث في الدور الإيراني الذي تلعبه في العراق لا بد من تتبع حقيقة ما تريده إيران وتسعى لتحقيقه في العراق وإستراتيجيتها للوصول إلى ما تسعى له، و رصد المتغيرات المؤثرة على تلك الإستراتيجية، ومن أولويات ما يشغل تفكير دوائر صنع القرار الإيراني وتسعى له:

1 – بوابة مهمة لتحقيق الحلم الفارسي بإقامة إمبراطورية شيعية في العالم الإسلامي؛ هذا الهدف الذي يمثل حلم إيران الشيعية منذ حدوث ما يعرف بثورة الآيات.وفي وثيقة في عهد خاتمي نفسه أوضحت الغاية العظمى لهذه الدولة الشيعية؛ فقد أرسل مجلس شورى الثورة الثقافية الإيرانية رسالة إلى المحافظين في الولايات الإيرانية، وكتب عليها: (سري للغاية)، كان مما جاء فيها: «الآن بفضل الله، وتضحية أمة الإمام الباسلة قامت دولة الإثني عشرية في إيران بعد عقود عديدة، ولذلك فنحن وبناء على إرشادات الزعماء الشيعة المبجلين نحمل واجبا خطيرا وثقيلا وهو تصدير الثورة؛ وعلينا أن نعترف أن حكومتنا فضلا عن مهمتها في حفظ استقلال البلاد وحقوق الشعب فهي حكومة مذهبية، ويجب أن نجعل تصدير الثورة على رأس الأولويات. لكن نظرا للوضع العالمي الحالي والقوانين الدولية كما اصطلح على تسميتها لا يمكن تصدير الثورة، بل ربما اقترن ذلك بأخطار جسيمة مدمرة. ولهذا فإننا من خلال ثلاث جلسات وبآراء شبه إجماعية من المشاركين وأعضاء اللجان وضعنا خطة خمسينية تشمل خمس مراحل، ومدة كل مرحلة عشر سنوات لنقوم بتصدير الثورة الإسلامية إلى جميع الدول، ونوحد الإسلام أولا؛ لأن الخطر الذي يواجهنا من الحكام الوهابيين وذوي الأصول السنية أكبر بكثير من الخطر الذي يواجهنا من الشرق والغرب؛ لأن هؤلاء (أهل السنة والوهابيين) يناهضون حركتنا، وهم الأعداء الأصليون لولاية الفقيه والأئمة المعصومين، حتى إنهم يعدون اعتماد المذهب الشيعي مذهبا رسميا ودستورا للبلاد أمرا مخالفا للشرع والعرف.

وإن سيطرتنا على هذه الدول تعني السيطرة على نصف العالم، ولإجراء هذه الخطة الخمسينية يجب علينا بادئ ذي بدء أن نحسن علاقاتنا مع دول الجوار، ويجب أن يكون هناك احترام متبادل وعلاقة وثيقة وصداقة بيننا وبينهم حتى إننا سوف نحسن علاقتنا مع العراق بعد الحرب؛ وذلك أن إسقاط ألف صديق أهون من إسقاط عدو واحد. إن الهدف هو فقط تصدير الثورة؛ وعندئذ نستطيع رفع لواء هذا الدين الإلهي وأن نظهر قيامنا في جميع الدول، وسنتقدم إلى عالم الكفر بقوة أكبر، ونزين العالم بنور الإسلام والتشيع حتى ظهور المهدي الموعود ».

ويعترف الباحث الشيعي اللبناني هاني فحص بأن التوجهات الإيرانية ذات أفق يتعدى جغرافيتها الوطنية. هذا الهدف كامن في جميع تصرفات القيادات الإيرانية، وهم لا يعلنون عنه، ويخططون له ويرسمون الاستراتيجيات لتحقيقه كما تدل الوثيقة السابقة، وتدل عليه أيضا ممارساتهم عندما استدعت الضرورة إظهاره كما يحدث في تحديد موعد المظاهرات في يوم واحد واختيار مظاهرات الأكفان، كما حصل بالتوازي في مظاهرة حزب الله في لبنان ومظاهرة المعارضة الشيعية في البحرين فإنهما رسالة مكشوفة بأن كلمة السر جاءت من طهران وتحديدا من المرشد علي خامنئي.

وثمة معلومات عن أن فحوى الخطب التي ألقيت والصور التي رفعت في المظاهرات ومنها «صورتا المرجع الشيعي العراقي السيستاني و آية الله الخميني» كانت من ضمن خطة معدة سلفا بكل تفاصيلها، وإلا فكيف يمكن فهم التوافق المفاجئ لشيعة إيران ولبنان والبحرين و باكستان على تحديد ذلك اليوم ؟

2 – مخزن نفطي هام يضاف للثروة النفطية الإيرانية لتصبح الحصيلة ثروة هائلة في أيدي الإيرانيين؛ حيث يبلغ احتياطي نفط العراق ما يقارب 112.5 مليار برميل مكتشف حتى الآن، ويتوقع أن يوجد خزين آخر يقدر ب 250 مليار برميل غير مكتشف. ويقول رعد القادري المتخصص في الشؤون العراقية في مؤسسة (بتروليوم فاينانس): «النفط العراقي كنز القرن الميلادي الحادي والعشرين». وهو لا يعني بطبيعة الحال إنتاج العراق حاليا من النفط الخام، وقد أصبح دون 4٪ من مبيعات السوق العالمية، إنما يعني الاحتياطي النفطي العراقي الذي يحتل المرتبة الثانية بعد السعودية، ويمثل زهاء 12٪ من الاحتياطي العالمي المعروف، وسترتفع هذه النسبة وإن لم يتم اكتشاف المزيد من الحقول النفطية العراقية؛ ذلك أن الاحتياطي الموجود حاليا في مناطق أخرى غير منطقة الخليج آخذ في النضوب تدريجيا، ومن المتوقع أن ينتهي كلية خلال فترة لا تتجاوز 15 عاما، ويسري هذا بالترتيب على النفط الأمريكي فالأوروبي، ولا يتوقع أن يبقى الاحتياطي النفطي في منطقة بحر قزوين فترة زمنية أطول.

ويقول الباحث نبيل شبيب: إن البئر العراقية كانت وما تزال تعطي من النفط الخام يوميا أكثر من 13 ألف برميل في غالب الحالات، أي ما يعادل ما تعطيه 900 بئر أمريكية، وأضعاف ما تعطيه الآبار السعودية والكويتية والإيرانية بنسب تتراوح بين 50 و 600٪. وتنتج إيران حاليا ما يزيد قليلا عن 4 ملايين برميل يوميا في حين بدأ إنتاجها يتناقص سنويا بمعدل 250 ألفا إلى 300 ألف برميل.

وتحتل إيران المركز الثالث في احتياطي النفط (90 بليون برميل)، ويتراوح الإنتاج الإيراني بين (3 5 و 4) ملايين برميل يوميا.

3 – عمق استراتيجي طبيعي لإيران، وخط دفاع أول ضد اجتياحها أو احتوائها ومحاولة تغيير نظامها. وعلى مدى التاريخ كان العراق الباب الرئيسي للحملات العسكرية التي اجتاحت إيران (بلاد فارس)، وزاد من خطورة هذه الجبهة حديثا أن الثروة النفطية الإيرانية بمجملها تتركز على الحدود العراقية الغربية والجنوبية. وجاءت الحرب العراقية ضد إيران غداة انتصار ما أطلق عليه ثورة الخميني لتؤكد الأهمية الاستراتيجية لهذا الهدف.

4 – ورقة سياسية في سوق المساومات على الساحة الدولية: فإيران لها مشروعها النووي الطموح، ولها مشروعها الإمبراطوري، ولن تتخلى عنهما بسهولة؛ ولذلك تسعى إيران بكل قوة لامتلاك أوراق على الساحة الدولية تقايض بها استمرارها في هذين المشروعين. ومنذ الاحتلال الأمريكي للعراق في أبريل 2003 م لعبت إيران دورا انتهازيا في المسألة العراقية، وسعت بانتظام إلى اعتبار دعمها للمحتلين الأمريكيين، ودورها هناك ورقة للمساومة مع الأمريكيين وخاصة السعي لامتلاك السلاح النووي؛ فالمسألة النووية الإيرانية لم تعد تحتمل كثيرا من التأجيل. أو كما قالت واشنطن تايمز الناطقة باسم المحافظين الأمريكيين المتطرفين: (الوضع لم يعد يطاق).ومن أوراقها أيضا إرسالها للانتحاريين؛ فقد ذكرت مصادر إيرانية أن الاجتماع الأول لمنظمة تكريم الاستشهاديين في إيران أنهى أعماله بقرار يقضي بإيفاد المئات من الانتحاريين إلى العراق وبعض الدول العربية لتنفيذ عمليات انتحارية ضد المواطنين الغربيين إضافة إلى أصدقاء أميركا حسب قول أحد مسؤولي المنظمة. كل هذا يشغل تفكير دوائر صنع القرار الايراني وبالتحديد قاسم سليماني الذي يمتلك أعلى نفوذ في حكومة نوري المالكي، والتي تريد لحق العراق بإيران وتخضعه لولاية الفقيه، وجعل العراق الحديقة الخلفية لإيران تستخدمه كساحة لتصفية حساباتها مع خصومها متى شاءت.

هذا ما تريده إيران في العراق وفي المنطقة-أغلب الظن، وليس بعضه، أن دافع العملية الإرهابية الأخيرة، التي استهدفت أحد مراكز الحدود السعودية مع العراق، ودافع اغتيال أئمة مدينة البصرة العرب السنة، هو الضغط على الرياض لحملها على مراجعة قرارها الحصيف والصحيح بإعادة فتح سفارتها في بغداد، والتي بقيت مغلقة منذ غزو صدام حسين للكويت في بداية عقد تسعينات القرن الماضي.
فالواضح والمؤكد، أن متشددي النظام الإيراني لا يريدون أي وجود عربي في العراق، وبخاصة للمملكة العربية السعودية، فهم عملوا – وما زالوا يعملون – على الاستفراد بهذا البلد العربي وأهله وجعل الخيار الوحيد للشيعة منهم هو المزيد من التبعية والالتصاق بطهران وقم، وهو أن يتحولوا إلى مجرد جالية إيرانية خاضعة لتوجيهات و«أوامر» قائد فيلق القدس في الحرس الثوري قاسم سليماني الذي غدا بمثابة المندوب السامي لبلاده في بلاد الرافدين وفي سوريا ولبنان، وأيضا في جزء من إقليم كردستان العراقي، وهو الجزء الذي يخضع عمليا لحزب جلال طالباني، والذي تعتبر مدينة السليمانية التاريخية عاصمة له.
إن إيران المتشددة، وربما المعتدلة أيضا، لا تريد أن تبادر المملكة العربية السعودية بإعادة فتح سفارتها في بغداد بعد نحو ربع قرن من الإغلاق. فالمطلوب، حتى بالنسبة للولي الفقيه علي خامنئي، ألا يشعر العراقيون – الشيعة منهم والسنة – بأنهم عرب بالأساس، بغض النظر عن الطائفة التي ينتمون إليها، ولذلك فإن ما لا شك فيه أن عملية الحدود الإرهابية يوم الأحد الماضي هدفها، مثلها مثل جريمة استهداف أئمة البصرة الآنفة الذكر، دفع الرياض إلى مراجعة قرار إعادة فتح سفارتها في العاصمة العراقية، وهنا فإنه غير مستبعد أن تكون هناك عملية أو عمليات أخرى أكثر دموية، وذلك من قبيل المزيد من الضغط لإلغاء هذا القرار.
إن المعروف أنه حتى رئيس الوزراء العراقي حيدر العبادي، الذي لا يزال موضع رهان المملكة العربية السعودية لطي صفحة سلفه إلى الأبد، قد دأب على إطلاق التصريحات المتعاقبة بأنه لا يريد أن يرى أي وجود عسكري عربي لا على أرض بلاده ولا في أجوائها، وكل هذا مع أن عددا من كبار المسؤولين الإيرانيين يواصلون التأكيد أن قواتهم تشارك مشاركة رئيسية في القتال المحتدم على الأرض العراقية، والدليل أنهم خسروا أحد كبار جنرالاتهم من قدماء المحاربين، في حرب الثمانية أعوام، في المواجهات مع قوات «داعش» في أطراف مدينة سامراء التي يعتبرها الإيرانيون مدينة إيرانية مقدسة (مثلها مثل «قم»، ومثلها مثل «مشهد»، وأيضا مثلها مثل النجف وكربلاء و«الكاظمية»).
والسؤال هنا هو: كيف يعقل يا ترى أن يتبارى كبار المسؤولين العراقيين في الإصرار على رفض أي وجود عسكري عربي في الأجواء وعلى الأرض العراقية، بينما الثابت وبشهادة تصريحات كبار المسؤولين الإيرانيين، المعممين وغير المعممين، أن هناك جيوشا إيرانية جرارة في بلاد الرافدين.. وهذا غير الميليشيات المذهبية المستوردة من إيران والميليشيات الطائفية التي تتبع تنظيمات ومنظمات من المفترض أنها عراقية، لكنها في حقيقة الأمر تتبع «فيلق القدس» التابع للحرس الثوري الإيراني بقيادة الجنرال قاسم سليماني الذي بات يتصرف على أنه: «سوبرمان» هذه المنطقة
الآن، تجري في العراق، رغم كل ما يقال عكس هذا، عمليات تطهير طائفية ومذهبية في معظم الأراضي العراقية، إن ليس كلها، فمدينة البصرة على سبيل المثال، التي كانت تعتبر مدينة سنية، ومعها بعض البلدات المجاورة كبلدة «الزبير» قد تحولت بدءا بعهد بول بريمر واستمرارا حتى الآن إلى مدينة إيرانية: «ترى الفتى العربي فيها.. غريب الوجه واليد واللسان»، فالعملة المتداولة هي العملة الإيرانية والبضائع إيرانية.. والأغاني التي تبث إيرانية، ومستخرجات الحليب والألبان هي إيرانية أيضا.
وكذلك وفوق هذا كله فإننا قد سمعنا سابقا ولاحقا وعلى ألسنة كبار المسؤولين الإيرانيين، المعممين وغير المعممين، أن «أربع عواصم عربية: بغداد ودمشق وبيروت وصنعاء أصبحت تدور في فلك طهران»، وكذلك فإننا كنا قد سمعنا أيضا وعلى ألسنة كبار المسؤولين الإيرانيين، معممين وغير معممين، أن لإيران قوات في ثلاث دول عربية هي «العراق وسوريا واليمن» أعدادها تزيد على أعداد جيوش «حزب الله» اللبناني.. ثم وإننا قد سمعنا أيضا وأيضا، أن إيران بدأت بتشكيل «حزب الله» آخر في سوريا على غرار «حزب الله» اللبناني، والغريب أن الإيرانيين لا يتورعون عن التأكيد أن «حزب الله» هذا السوري المشار إليه يتشكّل، بالإضافة إلى السوريين من الطائفة المعروفة، من مجموعات أفغانية وإيرانية وعراقية ويمنية.. ومن كل حدب وصوب
قبل أيام قليلة قام رئيس مجلس الشورى الإيراني علي لاريجاني، الذي يعتقد أنه من مواليد العراق، بجولة شملت العراق وسوريا، بالطبع، ولبنان وانتهت في صلاح الدين الكردستانية الواقعة إلى الغرب من مدينة أربيل عاصمة إقليم كردستان، وهناك أصرَّ، أي لاريجاني، على أن يقوم رئيس هذا الإقليم مسعود بارزاني بزيارة إلى دمشق للقاء بشار الأسد، لكن بارزاني رفض هذا الطلب رفضا قاطعا ما دام الرئيس السوري لم يتصالح مع شعبه، وهو كان قد رفض في بدايات انفجار الأزمة السورية طلبا إيرانيا آخر هو إعطاء الإيرانيين ممرا بريا يكون بمثابة الـ«كاريدور» الأرضي للتواصل العسكري بين إيران وسوريا.
وهنا وحسب المعلومات المؤكدة، فإن الإيرانيين منزعجون جدا من انفتاح مسعود بارزاني على العرب السنة العراقيين ومن تنامي علاقات إقليم كردستان العراق مع بعض الدول العربية، وحسب التقديرات وهي تقديرات صحيحة، على أي حال، فإن إيران هي التي ترفض تسليح العشائر والقبائل العربية، والسبب أنها تسعى وبالنتيجة إلى إنهاء الوجود العربي والسني في بلاد الرافدين بصورة نهائية، ولذلك فإنه غير مستبعد أن يكون هناك افتعال لمشكلة لاحقة لإغلاق أبواب كل السفارات العربية في بغداد.. باستثناء السفارة السورية والسفارة اليمنية والسفارة السودانية.. وربما أيضا السفارة اللبنانية.
إن كل هذه الحقائق لا بد من أخذها بعين الاعتبار والاهتمام بها، وإن من بين هذه الحقائق هو أن إيران مثلها مثل نظام بشار الأسد لا تريد انتصارا سريعا على «داعش»، فهي أولا تريد تحت وطأة الخوف مزيدا من التصاق شيعة العراق، بل والشيعة في كل مكان بها، وهي ثانيا تريد استمرار الحرب على هذا النظام الإرهابي لتواصل دفع العرب السنة إلى مغادرة بلادهم، بلاد الرافدين، وهي ثالثا تسعى إلى دخول هذه الحرب وبطلب أميركي واضح ومعلن لتؤكد ما بقي يقوله الرئيس الأميركي باراك أوباما، وهو أن بإمكان الجمهورية الإسلامية أن تصبح رقما رئيسيا وفاعلا في المعادلة الشرق أوسطية الجديدة.
ثم ومرة أخرى، فإن هذا هو ما تريده إيران، وهو ما تسعى إليه، ولذلك فإن المؤكد أن المملكة العربية السعودية لن تتردد إطلاقا في تنفيذ قرار إعادة فتح أبواب سفارتها في بغداد، وأن العرب «المعنيين» سيواصلون محاولات تثبيت العرب السنة في وطنهم العراق، وهذا بالإضافة إلى الضغط المتواصل على الولايات المتحدة تحديدا لتسليح هؤلاء، وهم، أي العرب، سيواصلون المزيد من الانفتاح على إقليم كردستان العراق وعلى رئيسه مسعود بارزاني الذي يقوم الآن بدور رئيسي يشكر عليه في مجال إلا يطرأ أي خلل على المعادلة المذهبية والقومية العراقية المتوارثة تاريخيا والمستمرة منذ عشرينات القرن الماضي وإلى الآن.
هل تقوم إيران باستخدام العراق في حربها مع الولايات المتحدة الأمريكية؟لم يكن النظام الإيراني يحلم مجرد الحلم بالنتيجة التي وصل إليها في العراق اليوم، فهو يتحكم الآن بكل مفاصل الدولة العراقية، بدءً من سياسة هذا البلد ومرورًا بإدارة ملفه الاقتصادي لما يعود بالنفع على طهران، وليس انتهاءً بتسخير كل مقدرات العراق وزجه في الحروب الإقليمية بالمنطقة بغية توسيع النفوذ الإيراني، حتى وصل الأمر بالإسفتادة من العراق كعامل قوة وخط مواجهة متقدم في وجه الضغط الأمريكي، إثر انسحاب الولايات المتحدة الأمريكية من الاتفاقية النووية المبرمة بين إيران من جهة وباقي الدول الغربية ضمنها الولايات المتحدة من جهة أخرى.
حرص النظام الإيراني الذي خاض مع العراق حربًا طويلة دامت لثمانية أعوام، على أن يبقى العراق ضعيفاً لا يشكل خطراً عسكرياً عليه، وكانت الفرصة سانحة لذلك بعد الاحتلال الأمريكي للعراق عام 2003، وفي هذا يقول موفق الربيعي، وهو مستشار أمني قومي سابق: “تلك ندبة دائمة في ذهنهم، إنهم مهووسون بالبعث وصدام والحرب الإيرانية – العراقية”. الأمر الذي يوضح لنا، كم أن النظام الإيراني حريص على إبقاء سيطرته الواسعة على العراق لأسباب تتعلق بمنعه أن يكرر تجربة حرب الثمانينات خلال المستقبل، بالإضافة لإزاحته من طريقه وهو يمضي بتوسعة نفوذه غرباً تجاه المنطقة العربية.بعد مرور 15 سنة من سقوط النظام العراقي السابق، ارتفع سقف الطموحات الإيرانية إلى المرحلة التي تجعل العراق ليس فقط لا يشكل خطراً عليها، إنما أداة يستفاد منها في ربطه بأجندتها وتوظيفه كيفما تشاء، سياسيًا وعسكريًا واقتصاديًا. نرى ذلك جليًا حينما استفادت إيران من العراق بتشكيل مليشيات متعددة من أبنائه، ضمنت من خلالها السيطرة على العراق تجاه أي تغير محتمل الوقوع، بالإضافة إلى انها تقاتل بهم في سوريا، ومن المرجح أنها تقوم بإرسال بعضهم للقتال إلى جانب مليشيات الحوثي في اليمن. ومن يعلم ربما يأتي الوقت للاستفادة من تلك المليشيات بتهديد دول خليجية، منها المملكة السعودية التي يدخل النظام الإيراني معها في صراع وجودي، ويعتبرها العدو الأول لنظامه حالياً.

استطاع النظام الإيراني الاستفادة من العراق والنظام الحاكم فيه، وقام بدعم المليشيات الموالية له سواء كانت في سوريا أم في لبنان، فالممر البري الذي يربط إيران بكل من سوريا ولبنان هو العراق، وكان له الأثر العظيم في ذلك بالنسبة لطهران,كما استفاد النظام الإيراني من العراق طيلة سنوات الحصار التي فرضها الغرب عليه قبل توقيع الاتفاقية النووية في سنوات التسعينات، وكانت الحدود الطويلة بين البلدين عاملاً مخففاً لهذا النظام من وطأة تلك العقوبات الاقتصادية، وصدَّرت إيران منتجاتها سواء النفطية وغير النفطية من خلال العراق، ساعدها في ذلك غض النظر الأمريكي في عهد أوباما، لأن الأخير كان بحاجة لتعاون إيران في الملف العراقي الذي لم تستطع الولايات المتحدة الامريكية السيطرة عليه بمفردها.

لكن القرار الأخير لترامب بالإيعاز للدول الحليفة له بإيقاف استيراد النفط الإيراني مثَّل تحدياً كبيراً للنظام الإيراني، لأن تصدير النفط الخام يوفر ما يفوق ال 60% من وارداته بالعملة الصعبة، وجاءت تصريحات الرئيس الإيراني حسن روحاني لتدلل على مدى استفزاز هذا النظام إزاء هذا القرار، إذ قال: “زعم الأمريكيون أنهم يريدون وقف صادرات النفط ‏الإيرانية بالكامل. إنهم لا يفهمون معنى هذا التصريح، لأنه لا معنى لعدم تصدير النفط الإيراني بينما يجري تصدير نفط ‏المنطقة.” وأضاف ” إذا كنتم (أيها الأمريكيون) تستطيعون، فافعلوا وسترون نتيجة ذلك”‏. وتحمل هذه التصريحات تهديداً واضحًا بوقف صادرات الدول العربية الخليجية النفطية للعالم، الأمر الذي ينذر بدخول العالم بفوضى اقتصادية كبرى وتهديد خطير للسلم العالمي.

استطاع النظام الإيراني الاستفادة من العراق والنظام الحاكم فيه، وقام بدعم المليشيات الموالية له سواء كانت في سوريا أم في لبنان، فالممر البري الذي يربط إيران بكل من سوريا ولبنان هو العراق، وكان له الأثر العظيم في ذلك بالنسبة لطهران,وأمر أخر استفاد منه النظام الإيراني من العراق، بجعله ممراً للمخدرات القادمة سواء من أفغانستان أو إيران، وبسبب المراقبة الضعيفة من الجانب العراقي للحدود العراقية الإيرانية أصبح من السهل مرور تلك الممنوعات وبكميات كبيرة، لتجد لها رواجاً ضخمًا في العراق، إضافة لتحويل العراق كممر آمن لتلك الممنوعات وهي في طريقها لدول الخليج.

كما وفَّر العراق سوقاً كبيرة للبضائع الإيرانية سيئة الجودة، للحد الذي وصل التبادل التجاري بين العراق وإيران إلى ما قيمته 13 مليار دولار سنوياً لصالح إيران، وتطمح إيران لرفعِ مستوى التبادل التجاري بين البلدين الى 20 مليارا في المستقبل القريب كما جاء ذلك على لسان وزير التجارة الايراني. ويعتبر العراق أكبر مستورد للبضائع الإيرانية غير النفطية، وعملت إيران من خلالها الطبقة السياسية الموالية لها في العراق على منع وإيقاف أية صناعة محلية يمكن أن تكون منافسة للبضائع الإيرانية، لكي يبقى العراق معتمداً بشكل كامل على استيراداته من دولة الجوار إيران.

أمر آخر استفاد منه النظام الإيراني من العراق، بجعله ممراً للمخدرات القادمة سواء من أفغانستان أو المنتجة في إيران، وبسبب المراقبة الضعيفة من الجانب العراقي للحدود العراقية الإيرانية أصبح من السهل مرور تلك الممنوعات وبكميات كبيرة، لتجد لها رواجاً في العراق، إضافة لتحويل العراق كممر آمن لتلك الممنوعات وهي في طريقها لدول الخليج. هذه التجارة غير الشرعية تدر أرباحاً كبيرة للنظام الإيراني تتجاوز قيمتها ملايين الدولارات لكن التغير الواضح الذي طرأ على أولويات الإدارة الامريكية في عهد ترامب عن سابقتها في عهد أوباما، جعل النظام الإيراني يشعر بالتعرض لتحدي حقيقي من الولايات المتحدة. وتبتغي الإدارة الأمريكية من التعامل الجديد مع إيران، إجبارها على تغير سلوكياتها، ليس فيما يخص الملف النووي وضمان عدم حصوله على السلاح النووي فحسب، إنما تغير سلوكها في المنطقة المعتمد على توسعة بنفوذها على حساب حلفاء أمريكا في المنطقة سواء دولة الاحتلال الإسرائيلي أو الدول الخليجية.وعند النظر إلى الإجراءات الحالية والإجراءات المزمع اتخاذها من قبل الإدارة الأمريكية، يتبين لنا أن الولايات المتحدة جادة في طريقها لتقليم أظافر النمر الإيراني. لكن بالتأكيد دون التسبب في انهيار ذلك النظام، ذلك ما عبرت عنه صراحة وزارة الخارجية الأمريكية حينما قال المتحدث باسمها، إن “الولايات المتحدة لا تبتغي في إجراءاتها العقابية ضد النظام الإيراني إسقاط النظام، إنما إجباره على تغير سلوكياته في المنطقة”، بحسب وصفها.قد لاحظنا بوادر تأزم في العلاقة بين المليشيات العراقية من جهة، وبين حكومة العبادي التي تتهمها تلك المليشيات بأنها ذات هوى أمريكي، بالأخص بعد الضربة الأمريكية (أو الضربة الإسرائيلية) لمليشيات الحشد الشعبي المتمركزة في الجانب السوري من الحدود العراقية السورية

لكن النظام الإيراني لا يطمئن لتلك التصريحات، ويعتبرها مهددة لنظامه بشكل مباشر، والحقيقة أن تغير سلوكيات النظام الإيراني في المنطقة عملياً يعتبر نهايةَ لذلك النظام، ذلك لان هذا النظام نشأ على العقلية التي تعتقد أن تصدير الثورة (حسب تعبيرهم) هو أساس وجود نظامهم، وبالتالي هو يتصرف إزاء الإجراءات الامريكية كإعلان حرب حقيقة ضد نظامه. لكن النظام الإيراني وبعد الحرب العراقية الإيرانية، رسم لنفسه استراتيجية بعدم الدخول في حرب مواجهة أبداً مع أي عدو خارجي، لذلك فمن المؤكد أنه سوف يستخدم حلفائه بالمنطقة من أحزاب ومليشيات لخوض حرب بديلة نيابة عنه ضد أمريكا. ومن أفضل الساحات لخوض تلك الحرب هي الساحة العراقية. وبحسب مجلة “ناشيونال إنترست” الأمريكية، يمتلك النظام الإيراني القدرة على الضغط على الولايات المتحدة ‏الأمريكية في العراق وأفغانستان عن طريق حروب الوكالة، نظراً لتواجد مليشيات موالية له في هذين البلدين,وقد لاحظنا بوادر تأزم في العلاقة بين المليشيات العراقية من جهة، وبين حكومة العبادي التي تتهمها تلك المليشيات بأنها ذات هوى أمريكي، بالأخص بعد الضربة الأمريكية (أو الضربة الإسرائيلية) لمليشيات الحشد الشعبي المتمركزة في الجانب السوري من الحدود العراقية السورية، والتي لم يصدر عن حكومة العبادي أية إدانة لها، بل أن العبادي تبرأ من أن تكون للعراق قوات في تلك المنطقة. تعرض بعدها العبادي لانتقادات شديدة من بعض المليشيات العراقية، إضافة إلى تصريحات قوية من أبو مهدي المهندس نائب رئيس هيئة الحشد الشعبي والقائد الفعلي لها، ارتقت لتكون تحدي للعبادي ومن يقف خلفه. ولأننا نعرف أن تلك المليشيات لا يمكنها التصريح بأي موقف سياسي حقيقي دون الرجوع الى المرجعية الإيرانية، يتبين لنا طبيعة رد الفعل الإيراني في الأيام القادمة.

المعركة الحقيقية يمكن أن تكون بين الأطراف الشيعية المنقسمة على نفسها بين موالٍ للأمريكيين وبين موالٍ للإيرانيين,بعد الانتخابات النيابية العراقية التي شابها الكثير من شبهات التزوير، بدأ تحرك يقوده السفير الأمريكي في بغداد لإرجاع شخصيات بارزة تم اقصائها لتأخذ دورها البارز في العملية السياسية، ذلك لأن الولايات المتحدة وهي تريد الضغط على النظام الإيراني، يتطلب منها حربًا أخرى لتغيير النظام الحاكم في بغداد حتى تكون واشنطن قادرة على حشد قوات ‏عسكرية كبيرة داخل أراضيه قبل تكثيف الضغط على إيران.ذلك لان العراق كان في عهد نظام صدام السابق عامل توازن مع إيران، منعها عملياً من توسيع نفوذها غرباً بشكل فاعل. فتجد إيران الآن أن نفوذها يتقوض بالعراق، إذا ما استمر الحال كذلك. ومن المرجح أن تعمل على تحريك أدواتها في العراق ضد التحركات الأمريكية، ليس بالإيعاز لميليشياتها بضرب القوات الامريكية، إنما بضرب كل من يسير بركب السياسة الأمريكية في العراق، سواء حكومة العبادي أو القيادات السنية والكردية التي تحتمي بالنفوذ الأمريكي.لكن المعركة الحقيقية يمكن أن تكون بين الأطراف الشيعية المنقسمة على نفسها بين موالِ للأمريكيين وبين موالِ للإيرانيين. وتبتغي إيران من خلال حرب الوكالة هذه، إنهاك الجانب الأمريكي وتعطيل هجومه المباشر عليها. لكن الذي لم تتوقعه هو التأثير السريع للعقوبات الاقتصادية التي فرضتها الولايات المتحدة على النظام الإيراني، والذي ترجم إلى تفجير الوضع الشعبي الإيراني، حيث أثرت تلك العقوبات على خروج الآلاف من الإيرانيين بتظاهرات ضد الوضع الاقتصادي الصعب الذي تعيشه إيران، وانخفاض عملتها إلى نحو 40% من قيمتها منذ إعلان الرئيس الأمريكي ترامب انسحابه من الاتفاقية النووية، سرعان ما تحولت إلى مطالبات بتغير النظام والدعوة لموت الخامنئي,وهذا العامل الجديد جعل خيارات النظام الإيراني قليلة، وأصبح لزامًا عليه إعادة رسم خططه، فإما الاستسلام لما تريده أمريكا وتنفيذ كل مطالبها والنجاة من السقوط، أو الثبات على مواقفه والتعرض لخطر السقوط. ومع علمنا أن النظام الإيراني يمتاز بالبرغماتية فإنه ليس من المستبعد أن يقوم النظام الإيراني بالانحناء للعاصفة الترامبية، وليس مستغرباً أن يقوم السياسيون العراقيون الموالون لإيران، بدعم إيران مالياً لتجاوز أزمتها الاقتصادية، وسيبقى النظام الإيراني يناور وينتظر فرص أخرى لإكمال ما بدأه منذ سنين بعيدة.

ماذا تريد إيران من رجالها في العراق-منذ الاحتلال الأمريكي للعراق عام 2003 وحتى قضية الاتفاقية الأمنية بين العراق وواشنطن والصراع المعلن على توقيعها بين الولايات المتحدة الامريكيه والحكومة العراقية مستمر كان موقف ايران واضح وجلي من خلال تأييدها للعملية السياسية ودعمها الكامل للأحزاب الاسلاميه التي وصلت على ظهور الدبابات الامريكيه إلى العراق, فإيران أول دوله اقليميه فتحت سفارتها في قلب بغداد في أحلك الظروف التي فجرت بها سفارات أخرى وقتل سفراء وجرح آخرون. الزيارات ألمكوكيه المتبادلة بين الطرفين حتى أصبحت طهران وبغداد مزارات للوفود والوزراء ورؤساء الحكومات وغيرهم, لقاءت مباشرة لاول مرة بين الشيطان الولايات المتحدة “الشيطان الاكبر” وايران على الارض العراقية وبرعاية عراقية,
فرق الموت والمليشيات الطائفية التي غصت بها شوارع بغداد بعد تفجير سامراء المدبر والمدروس زمانا ومكانا وليس خفيا إن ايران كانت هي الداعم الاساسي والموول بالخطط والتوجيهات والسلاح والمال,وإيران دفعت بالسيد مقتدى الصدر الى الخوض في مواجهة امريكيه قصيره ثم دفعته للتوقف ثم الدخول في العمليه السياسيه, فأيران تحرك الموالين لها حسب مصالحها القومية وعندما تعارضت مصالحها مع المصالح الامريكيه في العراق لاول مرة بعد ان عاثت المليشيات الفساد في الارض وأمتلاءت ارصفة بغداد بالجثث التي ووضعت القيادة الامريكيه بموضع الحرج امام الرأي العالمي قامت بسحب مقتدى الصدر الى قم الايرانية ومن هناك وجه السيد الصدر اوامره لجيشه , أي جيش المهدي بالتوقف ومن هنا بدأت الصوره تتكشف في بغداد وانخفضت نسب القتل والجثث المجهوله الهوية بعد ان اعلن الجيش الامريكي انه دعم قواته وخصوصا في بغداد التي شهدت اسوء موجات العنف في تاريخ البشريه وكان واضحا وجليا التعاون بين المليشيات والقوات الامريكيه والا فكيف تتحرك هذه القوات المسلحة بسياراتها لتجوب شوارع بغداد دون ان تستوقفها دوريه امريكيه وفي نفس الوقت لايستطع فرد عراقي واحد ان يمر في أي شارع دون التوقف في حاجز تفتيش!!!!. وسواء كان جيش المهدي وراء كل ماجرى ام شاركته مليشيات اخرى كبدر والبشمركة الكردية فأن التهمة قد وقعت على جيش المهدي وهذا مانقلته كل وسائل الاعلام التي اكدت على ان جيش المهدي ومن خلال تغلغل رجالة في الداخلية استطاع ان ينفذ الى السجون فيقتل ويقوم برمي الجثث في الليل, ولكن السؤال كيف استطاع ان يقوم بذلك ولم يواجه بأي شكل من اشكال المعارضة من قبل مليشيات بدر التابعة للمجلس الاعلى والمليشيات الكردية
تدرك ايران ان الشارع الشيعي ليس مواليا لها وأنها بعد ان انكشف الأمر وأصبح جليا للقاصي والداني أنها تدعم احتلال “أجنبي كافر لبلد مسلم” وان معاداتها لأمريكا أصبحت حبرا على ورق, ولكي لاتخسر سمعتها “ألدينيه” في الشارع الشيعي قامت بدفع التيار الصدري الى الوقوف ضد ألاتفاقيه الامنيه عن طريق خطب الجمعة وبعض المظاهرات في المحافظات ألجنوبيه وفي بغداد, في نفس الوقت فالمحادثات جاريه بشأن ألاتفاقيه وتوقيعها وأعضاء التيار الصدري على علم بها ولكن لم تصل الأمور بين الصدريين والعملية السياسيه الى درجة القطيعه التي كان يتوقعها الجميع اذا كان التيار الصدري يعتبر التوقيع خيانه للوطن والدين.
لقد استخدمت ايران اسم التيار الصدري للقيام بتصفية كل من لاترغب به في العراق ثم قامت بتجميده, ثم عادت فحركته ثانية ضد توقيع الاتفاقيه ولكن بهدوء هذه المرة وبدون صخب ورصاص ودم!!!. أيران على علم بأن الحكومة العراقية قد وافقت على الاتفاقية ومابقي الا التوقيع على الورق, يضاف الى ذلك أن ايران عملت منذ اشهر على تعديل الاتفاقية بما يلائم مصالحها وليس مصلحة العراق وما موقف السيستاني ببعيد عن الرأي الايراني والا فكيف يوافق مرجع ديني كبير مثل السيستاني على اتفاقية امنية بين العراق وامريكا والعراق قد احتل من قبل امريكا واصبح تحت الانتداب منذ اكثر من 5 سنوات !!!!!!!!!!!. أما أيران فكان للقاءاها المباشر مع كبار المسؤولين الامريكان على الارض العراقية لمؤشر واضح على اتفاقها مع الشيطان الاكبر وقد قدمت العراق ارضا وشعبا ومؤسسات دينية وسياسيه للامريكان, لان ايران ومنذ الازل تهمها مصالحها القومية فقط وانها استخدمت الدين كعباءه لتمرير مشاريع شريره من اجل السيطره والنفوذ والتوسع.أدركت ايران ان ماتقوم به لعب في صلب الدين الاسلامي الذي لايسمح بأي شكل من الاشكال بعقد اتفاقية والوطن في حالة احتلال وهي اليوم تحرك بعض اذنابها محاولة منها لابقاء صورتها “الاسلامية” امام الرأي العام الشيعي مدركة ان هذه الاخطاء الاستراتيجيه لاتغتفر بل استخدمت عباءه المرجع الاعلى وهي المرة الاولى في التاريخ الاسلامي ان يقوم رجل دين كبير بدعم وتأييد لمثل هذه الاتفاقية..
ان تصريحات السيد مقتدى الصدر من الاراضي الايرانيه ضد الاتفاقية لدليل واضح على دعم ايران له ودفعه لذلك ايضا ولكن القيادة الايرانية استطاعت مرة اخرى ان تستخدم التيار الصدري من اجل مصالحها, أما موقفها من المجلس الاعلى وحزب الدعوة فثابت لم يتغير منذ اول يوم للاحتلال وحتى اليوم, وبهذا توضح ايران بما لايقبل الجدل كيف تلعب بالاوراق حفاظا على مصالحها القومية,ولم يختلف موقف ايران تجاه الاكراد كثيرا عن التيار الصدري ولكن الاكراد يحضون بدعم امريكي في المرحلة الراهنه يجعل اللعب بورقتهم بأيدي ايرانيه امرا اصعب بكثير من غيرهم,لقد بدأت تظهر على السطح لهيب نار ازليه كانت تعيش تحت الرماد منذ زمن, فالتعاون الإيراني الكردي لم يكن خفيا طيلة الحرب العراقية الايرانيه حينما كانت القيادات الكرديه تعسكر في الاراضي الايرانيه طيلة فترة الحرب والحدود العراقيه الشمالية المحاذية لايران كانت تشهد التعاون بين الطرفين, لكن هذا لايعني ان الود سيستمر الى الابد وكما عودنا التاريخ الذي يشهد كيف ان تضارب المصالح يغير بوصلة السياسة!! وان حرق الاوراق يصبح هو الحل الامثل وسوف نرى كيف يواجه الاكراد الكتلة الشيعية بعد ان حسمت قضيه الاتفاقيه بالموافقة والتي طبل الاكراد لها وزمروا حتى قبل ان يقرأوها او ان يعرفوا ماجاء بها مادام قد كتبها “الحبيب الامريكي”.
الصراع القادم ربما سيكون كرديا _شيعيا ان جاز القول وسيكون لامريكا وايران لعبة اخرى على الساحة العراقيه وربما ستكون هي الاخيرة, بعدها لابد ان تنكشف الحقيقة امام الشعب العراقي بكل اطيافه واعراقه الذي خسر الغالي والنفيس امام لعبة قذره على ارضه هي الطائفيه والعرقية المقيته, فالشعب العراقي قد مرت عليه الكثير من الازمات والمصائب ولكنه تخطاها رغم الدم والالم ليبقى شامخا يأبى الذل ويأبى التبعيه والتقزيم, وبعدها لاينفع توقيع الاتفاقيات وسيحولها العراقيون الى حبرا على ورق كسابقاتها, فأن كان لايهم دول الجوار الا مصالحها حينئذ لايبقى امام العراقيون الا مصلحة واحدة هي العراق واحدا موحدا ارضا وشعبا وليحترق كل من سولت له نفسه بتدنيس ارض الرافدين المقدسة

تنويه: جميع المقالات المنشورة تمثل رأي كتابها فقط
Read our Privacy Policy by clicking here