دور المؤسسة الدينية المصرية في مواجهة الإرهاب

الجامع الأزهر.                    

تقع المؤسسة الدينية في قلب المواجهة الفكرية للإرهاب في مصر بعد المؤسستين الثقافية والتعليمية، غير أن دورها مازال غير ملموس ومهمشاً لأسباب نرصد بعضها في السطور التالية، بينما نحاول الإجابة عن سؤال مهم يتعلق بطريقة ترميم دور هذه المؤسسة التي لا يمكن الاستغناء عنها في المعركة ضد الإرهاب. فغض الطرف عن دور المؤسسة الدينية في هذه المعركة يزيد من توحش ظاهرة التطرف التي تعتبر البيئة الحاضنة للإرهاب في مصر والعالم، كما أنه يُعد استغناءً عن سلاح ناجع في الوقوف أمام موجات الانضمام للتنظيمات المتطرفة. ولذلك من المهم أن يُدرك قادة المؤسسة الدينية في مصر أهمية مواجهة ظاهرة التطرف، وأن يكونوا على اقتناع بهذه الإرادة، بل لا بد أن تتوافر هذه الإرادة أولاً، إرادة تجديد الفكر الديني وليس مجرد تجديد الخطاب الديني. هذه الإرادة لا بد أن تكون دافعاً لتنقية التراث الديني المليء بالمغالطات التي يستخدمها «أمراء» التنظيمات المتطرفة في قتال خصومهم، فكتب التراث ليست مقدسة وهي اجتهاد بشري يُقبل منها ما يتسق مع القراءة الصحيحة للدين، بينما تنحى جانباً أي قراءات أخرى بعيدة مِن روح الإسلام. كثير من أبناء المؤسسة الدينية في مصر لا يؤمنون بأهمية تجديد الخطاب الديني، فضلاً عن أنهم لا يؤمنون بتجديد الفكر الديني، وغير جادين في تجديد التراث الذي يحوي نصوصاً لا علاقة لها بحقيقة الإسلام. ولذلك إذا حدَّثتَ أحدهم عن تجديد الخطاب الديني باغتك بقوله إن المؤسسة الدينية تعمل على تأصيل الخطاب الديني، وهو معنى مغاير تماماً لأفكار التجديد. ولذلك فإن كثيراً من أبناء المؤسسة الدينية من علماء ومشايخ كبار غير مدركين لأهمية هذا التجديد، بل الأدهى أن يرى البعض أن المجددين سوف يأتون بدين جديد! ولذلك يقفون أمام أي دعوات بهذا الشكل، ويصفون أصحابها من طرف خفي بأنهم علمانيون، فيرفضون دعوتهم ويقفون أمامها.

القيادة السياسية في مصر تُدرك أهمية المؤسسة الدينية في معركتها مع الإرهاب والتطرف، ولذلك وجهت لوماً مرة بعد الأخرى للأزهر الشريف وشيخه حتى يكون هناك تحرك في الاتجاه الصحيح ينتهي بتفكيك الأفكار المؤسسة للإرهاب والتي يستند أصحابها على نصوص دينية وقراءات خاطئة لهذه النصوص. هؤلاء لا يمكن أن نواجههم فقط أمنياً وعسكرياً بينما تظل المؤسسة الدينية على حيادها في هذه المعركة الحساسة.

تحرك المؤسسة الدينية في مصر في اتجاه تفكيك الأفكار التي يعتمد عليها المتطرفون يحتاج إلى تحرك ذاتي يؤمن بضرورة هذا الدور، غير أن حساسية إرشاد القائمين على هذه المؤسسة يخلق أزمة لدى العاملين فيها، بخاصة إذا كان ذلك من قبل المؤسسة السياسية أو الأمنية. وهذه الحساسية منشأها الأساسي أن القائمين على المؤسسة الدينية يؤمنون بأنهم أعلم من غيرهم بما ينبغي أن تكون عليه المؤسسة الدينية ودورها الحقيقي، وهنا مكمن الخطر وسبب تراجع المؤسسة عن دورها الذي ينبغي أن تقوم به. المؤسسة الدينية تتألف من الأزهر ودار الإفتاء ووزارة الأوقاف، والخلافات بينها لا يجهلها باحث في الحقل الإسلامي. والأمر باختصار شديد أن مراقبين كانوا يرون ضرورة أن يُعرج شيخ الجامع الأزهر، أحمد الطيب في كلمته التي ألقاها بحضور الرئيس عبد الفتاح السيسي؛ خلال الاحتفال بذكرى المولد النببوي؛ على القضايا الأكثر إلحاحاً على المجتمع مثل تجديد الخطاب الديني، وليس قضايا مثل حجية السنة النبوية. والانتقادات التي وجهت لشيخ الأزهر في هذا الصدد؛ دفعت وزارة الأوقاف لإعلان التضامن معه عبر بيان أعطت من خلاله إيحاء بأن هناك معركة تستهدف المؤسسة الدينية في مصر. وهي قراءة خاطئة هي الأخرى بعد محاولات استنهاض دور المؤسسة الدينية والأزهر الشريف على وجه التحديد.

وهنا لا بد من ضخ وجوه جديدة داخل المؤسسة الدينية يكون لديها رؤية تجاه قضية تجديد الفكر الديني، ودعم الوجوه الداعية لهذا التجديد داخل هذه المؤسسة بفروعها الثلاث، وأن يكون هناك تخطيط لآلية عمل المجددين داخل هذه المؤسسة حتى تكون هناك نتائج ملموسة في قضية التجديد حتى نقطع الطريق أمام تيارات العنف والتطرف وتجنيد أتباع جدد لهذه التنظيمات.

لا يمكن مواجهة ظاهرة التطرف الديني في مصر ولا غيرها من دول العالم إلا من خلال المؤسسة الدينية في مصر، ولا يمكن لهذه المؤسسة أن تقول بدورها إلا إذا كانت مهيأة لذلك، لا بد أن يكون لديها الإرادة لهذه المواجهة بشكل عملي، وأن يقدم لها الدعم المادي والمعنوي من القيادة السياسية، وهذا يستلزم ترميم هذه المؤسسة الوسطية، والإيمان بضرورة وجودها في قلب معركة مواجهة الإرهاب وليس على هامشها حتى يُصبح دورها ملموساً في مواجهة ظاهرة التطرف.

* كاتب مصري.

تنويه: جميع المقالات المنشورة تمثل رأي كتابها فقط
Read our Privacy Policy by clicking here