ضرورة تكثيف واختزال في عصر السرعة المذهلة

بقلم مهدي قاسم

أصبح إنسان العصر مدللا بفضل كثرة و تنوع وسائل إعلامية
و ثقافية و فنية مختلفة و التي تقدم له ، وهو جالس في بيته محتارا أيا منها يختار و يقرأ راضيا و مرتاحا ، ولكي يتطلع على مزيد من معلومات ومعارف علمية وثقافية وفنية نجده يتصفح عشرات مواقع بسرعة و يقرأ بسرعة و ينتقل من موقع إلى أخر بسرعة أيضا ، ومثلما أسلفنا فإن
المعروض كثير جدا و متنوع جدا ، بحيث لا يتسع الوقت لقراءة كل المواضيع و المواد المطروحة التي يُمر عليها مرور كرام ، أو يتوقف قليلا وهو يقرأ جوهر ما موجود في المنشور ، طبعا إذا عجبه هذا الموضوع أو ذاك ، بعدما يكون قد وجده شيقا ، أو مثيرا لأهتمامه ، و من ثم
جديرا بالقراءة ، وهو الأمر الذي يتطلب منه تضحية ببعض الوقت توقفا عابرا ، بطبيعة الحال لا يحتاج المرء هنا إلى التأكيد على إن هذا النوع من القراء لا تستهويهم منشورات أو مدونات ومقالات طويلة ، مثقلة بإسهاب مضجر ، و بإضافات بلا نهاية !! ، سيما إذا كانت معادة
ومتكررة ، و تاليا مدعاة ملل ونفور ، بحيث أن القارئ يتوقف حالا عن إتمام القراءة بعد عدة فقرات فحسب .

فمن هنا هذا الميل الجديد و القوي عند بعض الكّتاب نحو
اختزال و تكثيف قدر الإمكان ، و الذين يأخذون بالدرجة الأولى وقت القارئ ، وكذلك وتائر العصر السريعة ، بنظر الاعتبار والأهمية ، فيسعون إلى كتابة مقالات قصيرة ومختزلة ، ومتنوعة بمواضيعها ، ولكن مكثفة معنى و طرح و رؤية أو معالجة أو كشف و نقد ، و غير ذلك من أمور
و مستجدات أخرى ، قد تشغل ذهن الكاتب والقارئ في آن واحد ، و على نفس المستوى من الأهمية ..

أقول كل هذا لأنني أعتقد بأن ن كل كاتب عندما ينوي الكتابة
يحدوه أمل و رغبة في أن يقرأ ما يكتبه كثير من القراء ، , ذلك من أجل توصيل أفكاره ورؤيته ومواقفه الفكرية و السياسية أو الاجتماعية إلى أوسع نطاق ممكن ، و عند أعداد كثيرة من الناس ، ولكن ينبغي عليه ــ حسبما أظن ــ أن يفعل ذلك دون إثارة مللهم أو نفورهم من خلال
استطرادات طويلة و بإطناب و إسهاب مضجرين ، فهو إذا فعل ذلك فمن المحتمل أن يخسر كثيرا من القراء الذين ، ربما ، سوف لن يقرأوا بعد ذلك ما يكتبه غير عناوين مقالاته ومنشوراته المسهبة !، بحيث تذهب جهوده كلها هباءا منثورا بعد أن يكون اسمه موجودا في أذهان القراء ككاتب
مسهب و مضجِر أو هذّار مخرف .

تنويه: جميع المقالات المنشورة تمثل رأي كتابها فقط
Read our Privacy Policy by clicking here