السلطان مظفرالدين زين الدين علي الكوجك…

Image preview

رحلة رجل دولة عظيم من (اق-سراي) في الموصل الى السراي في قلعة اربل (1154 – 1233م)

خسرو بيربال القصاب

حكم السلطان مظفرالدين زين الدين علي الكوجك( مظفرالدين كوكبورو) ، أمير قلعة أربيل وحاكمها وقائد امارتها لمدة 45 عاما. كان حاكما عادلا ورشيدا ونزيها وتعتبر فترة حكمه على امارة اربيل من اروع حقبها التأريخية التي سوف تكتب صفحاتها بمداد الذهب.

وكان اميرا لمدينة حاران, بعد الاستيلاء عليها في زمن سلطان صلاح الدين الايوبي . بعد وفاة اخوه في اربيل , يصبح اميرا و سلطانا في اربل و سهل شهرزور.

بعد مضي 866 عاما على ولادته وانتهاء حكمه على هذه الامارة العريقة، اكتشفنا معلومات جديدة ووثائق قيمة ومتنوعة عن مكان ولادته وحياته وممتلكاته وحتى وفاته. ترقد الان جثمانه الطاهرة داخل اراضي مدينة اربيل، واصبح مرقده مزارا للزوار.

نذكر هنا بعضا من الاعمال الخيرية والمشاريع الكبيرة التي اقامها السلطان ابان حكمه لامارة اربل وسهل شهرزور.

من خلال البحث والتقصي وجدنا وثائق تأريخية مهمة حول مشروع سحب مياه الشرب وانشاء خزان ماء كبير لتوفير المياه الصالحة للشرب في الديار المقدسة وعلى (جبل عرفة) في المكة المكرمة خدمة لزوار العتبات المقدسة والحجاج الكرام.

ولادة أمارة

ولد السلطان مظفرالدين الكوكبورو( الذئب الازرق) سنة 1154م في قلعة موصل داخل قصر واسع (سراي) كانت تسمى (اق -سراى) أي القصر الابيض وتغير الاسم الى (قرة -سراى) أي القصر الاسود وذلك بعد ان تم الاستيلاء عليها وحرقها من قبل المغول عند دخولهم العراق. فكانت السراي عبارة عن حي كبير طويل تضم عددا كبيرا من البيوت الواسعة يقطنها السلطان والامراء, كانت تسمى دار الحكم – دار الدولة.

أمضى السلطان مظفرالدين معظم سني طفولته في هذه البيوت في الموصل، ثم انتقل مع عائلته من الموصل الى قلعة اربيل مع ( بدرالدين لوءلوء) صاحب الموصل وذلك بعد ان تفاقمت الاوضاع وكثرت المشاكل وهاجم المغول مدينة الموصل واستولوا عليها وحرقوا مبانيها فاصبحت خرابا.

في الوقت الحاضر تقع بقايا القصر على ضفاف نهر دجلة، بينما كانت في حينها بعيدة عن النهر ولكن، وللاسف الشديد، ما تبقى منها عبارة عن جزء صغير وهي ايضا معرضة للسقوط والانهيار التام في اية لحظة.

السلطان مظفرالدين كان متزوجا من رابيعة خاتون الايوبي اخت السلطان صلاح الدين الايوبي , وكان له بنتان( صاحيبة- و عاصية).

غروب شمس امارة اربل وموت السلطان مظفرالدين الكوكبورو:

ولد السلطان مظفرالدين الكوكبور في اق- سراي (قرة سراي) بمدينة موصل (كما جاء اعلاه) وتوفي في مدينة اربيل سنة 1233م في المنطقة التي كانت تسمى ب(الربض)، والتي تقع اليوم داخل عاصمة اقليم كوردستان العراق في (محلة العرب) القديمة، وتبعد عن جامع المظفرية حوالي 10 دقائق مشيا على الاقدام، وكانت تسمى الجامع في ذلك الزمن الجامع الاكبر – المسجد العتيق. هذا الجامع الذي تأكدنا من خلال البحوث والتنقيبات التي قمنا بها واستنادا الى كتابات الدكتور محسن محمد حسين الحمرا، عضو اكاديمية كوردستان والمتخصص في التاريخ و الاثار الاسلامية، بان السلطان مظفرالدين كان يصلي صلاة الجمعة في هذا الجامع القريب من مسكنه، بينما في الايام الاخرى الاعتيادية كان يقضي صلاته في جامع القلعة، حيث كانت الصلاة تقام يوميا هناك، لكن المسجد الجامع كان مخصصا فقط لخطبة الجمعة والاعياد والمناسبات الدينية. ولازالت منارة هذا الجامع باقية في مدينة اربيل وهي تشهد لعظمة هذا الامير القائد.

بعد 45 عاما من حكم وقيادة الامارة، توفي السلطان مظفرالدين ودفن في قلعة اربيل اولا، ثم تم نقل جثمانه الى مرقده الحالي الواقع اسفل القلعة، واليوم اصبح مكان دفنه مزارا لاهالي اربيل خاصة يوم الاربعاء ( يوم وفاة السلطان) ، حيث يزورونه ويقدرونه كرجل دين ودولة.

يقع مرقده الحالي قرب بناية محافظة اربيل، في بداية شارع ( سلطان مظفرالدين الكوكبورو) او شارع المظفرية المسمى باسمه، تعظيما له وتثمينا لدوره الكبير في حفظ وبقاء وتطوير المدينة. وهذا مؤكد ولا يقبل ادنى شك بأن جثمانه ترقد داخل هذا المرقد وليس في مكان اخر.

حسب تحقيقاتنا ومراجعة المصادر التاريخية الخاصة باعمال هذا الرجل، فقد تبين لنا بانه عندما رأى النبي المصطفى (ص) في منامه، زاد حبه له وولعه به، فوصى بان يدفن بعد موته بجوار حبيبه الرسول الكريم، ولكن كون فترة وفاته صادفت شهر رمضان يو 14 من الشهر الرمضان ( يوم الاربعاء) كان يوما القائض وشديد الحرارة في جنوب العراق والحجاز، علاوة على وجود فتنة ومناوشات وقتال ومشاكل اخرى كثيرة في الجنوب، يصعب المرور بها والوصول الى الحجاز بسلام، فتقرر التخلي عن تنفيذ الوصية وعادوا ادراجهم ومعهم جثمان القائد ووري الثرى في اربيل عاصمة اقليم كوردستان الحالي.

وتؤكد المصادر التاريخية بان والده، والد السلطان المعظم مظفرالدين، دفن في اربيل ايضا وفي مقبرة القلعة، وان المرقد والمزار الموجود اسفل القلعة هو للسلطان مظفرالدين نفسه وليس لغيره.

اعماله الخيرية والاجتماعية للسلطان مظفرالدين الكوكبورو :

كما كان السلطان قد عاهد الله وحدث المقربين له من قبل، بما سوف يقوم به ان اصبح صاحبا واميرا للامارة، فقد نفذ وعده وقام بتنفيذ برامجه الخيرية والاجتماعية بدقة وادى هذه الاعمال الى تغيير جذري في طبيعة مجتمع وسكان اربيل وسهل شهرزور حيث كانت تحت امرته.

يعتبر السلطان مظفرالدين، ابو سعيد مظفرالدين التركماني (كما يسميه ابن خلكان، المؤرخ الذي عاصر حكمه)، اول من اقترح واقام الاحتفال بالمولد النبوي الشريف في ارجاء الدولة الاسلامية واول من جلب الى امارته الموسيقى والمنشدين الدينيين حيث كانت الموسيقى تعتبر محرما قبل ذلك.

كان للاحتفال بالمولد النبوي سنويا، صدى كبيرا بين السكان والمناطق المجاورة للامارة، حيث كانت الاحتفالات تستمر لمدة ثلاثة اشهر كل سنة، وباشراف مباشر ومباركة السلطان نفسه، تتخللها الاستعراضات العسكرية والمسيرات الحاشدة والتجمعات الدينية واقامة مجالس الذكر والتسبيح، ومباراة للشعر وكان الضيوف يتوافدون على المدينة من كل حدب وصوب، طمعا فيما يبذله السلطان بسخاء من المال والملبس والمطعم لكل زائر وعابر سبيل… فكان الصوفي والدرويش والفقيه وقاريء المقام… يقوم باحياء مجالس للتغني بصفات وفضائل النبي والترحم على الصحابة والخلفاء وبمصاحبة الموسيقى الهادئة من فرق اتية من البلاد المجاورة، واستعمال الدف والقيام بحركات تنم عن ذوق رفيع تليق بهذه المناسبة المباركة..

كتابة و نشر اول – مولودنامة بلغة التركمانية-

كان السلطان محبا للثقافة وشغوفا بالتاريخ ومتذوقا للادب والشعر وملما باللغة العربية، فكان يبذل بسخاء لمن يمدح النبي ويتغنى به بقصائد، فكان السلطان نفسه هو اول من شجع على تاليف المنقبة النبوية باللغة التركمانية ( مولودنامة ) والتي كانت عبارة عن قصائدة طويلة تتغنى بالنبي الكريم وتذكر سيرته العطرة من ولادته وحتى وفاته، وامر بطبع هذه المناقب باعداد كبيرة ونشرها بين الناس. ولازالت بعض هذه المناقب موجودة وتقام سنويا احتفالات وتقراء هذه المناقب في المدن الكبيرة كاربيل وكركوك وطوز و تلعفر وغيرها.

مشروع بناء مدرسة و سحب ماء الشرب الى جبل عرفة وبناء خزان ماء للحجاج على جبل عرفة :

زار السلطان مظفرالدين الديار المقدسة مررا، وحج بيت الله عدة مرات، ويبدو انه انتبه الى وجود مشكلة الحصول على الماء الصالح للشرب من قبل الحجاج واهالي مكة، وبالاخص في مواسم الحج وذلك لشحة المياه في الحجاز، فامر بانشاء مشروع ضخم لسحب مياه صالحة للشرب الى مكة والى جبل عرفة عبر باب – بازان -. واقامة خزان كبير لحفظ هذه المياه وذلك خدمة لزوار بيت الحرام. فجلب الخبراء والمهندسين والعمال معه الى الديار المقدسة وقام بتنفيذ المشروع على حسابه الخاص، وكان يرسل سنويا المال اللازم لادامة وصيانة المشروع. ولازال اثار واسم المشروع باقية في السعودية، هذا ما يؤكده الخبير بالاثار الدينية الاسلامية والكاتب السعودى الدكتور ناصر الحارثي .

اضافة الى مشروع الماء، فقد بنى السلطان في مكة مدرسة وجامع ولليوم شواهدهما باقية. وكمثال هناك كتابة نقشت على الحجر يقع على باب (بازان) قرب جامع مكة تم اكتشافه من قبل الدكتور ناصر الحارثي.

كانت للسلطان مظفر خدمات جليلة لمدينة اربيل، حيث اصبحت اربيل موئل العلماء والفقهاء في عهده. كان في نفس الوقت شديد الهيبة، عظيم السياسة. يحمي الضعفاء ويخافه الاقوياء.

عمر البلاد واشاع الامن والاستقرار، فكان الناس في زمانه بانعم العيش…

على الجيل الحالي ان يتذكره ويفتخر به ويقتدي بهذا القائد الفذ في ادارة الدولة وخدمة الشعب.

اقام السلطان مظفرالدين الكوكبورو مقومات امارة قوية و اسس دولة بمعنى الكلمة و ان له اعمال جليلة و الادارة ناجحة لادارة الامور القلعة اربل و سهل شهرزور.

وسوف نقوم، ان شاء الله، بالمزيد من البحث والتمحيص والتحقيق لكشف ما تخفيه غبار الزمان من معالم حضارية واعمال عظيمة قامت على يد هذا السلطان العظيم خدمة لامتنا مدينتنا العظيمة .

خسرو بيربال القصاب

اربيل –

[email protected]Image previewImage previewImage preview

تنويه: جميع المقالات المنشورة تمثل رأي كتابها فقط
Read our Privacy Policy by clicking here