معصومية الفساد و الفاسدين في المؤسسات ” المقدسة ”  *

بقلم مهدي قاسم

بعد قيام الإدارة الأمريكية ” البوشية ” الغازية  بتسليم مقاليد السلطة والحكم في العراق للأحزاب الإسلامية ــ الشيعية الموالية و السنية الأخوانجيةـــ  بهدف تفكيك الدولة العراقية و تحطيم العراق كيانا و مجتمعا ، أصبح كل من هب و دب ، بل أصبح كل شيء في العراق ” مقدسا ” قدوسا  سواء كان بشرا أو جمادا أو حيوانا ، يضاهي بقدسيته الزائفة حتى الذات الإلهية في بعض الأحيان ، بحيث لا يمكن المساس به حتى لو أضحى في منتهى الفساد ، ناشرا  الفساد على طول البلاد و عرضها ..

و في أثناء ذلك برزت في العراق عائلات و أسر ” مقدسة ” متنفذة أو إقطاعية مميزة و مهيمنة ، أصبحت متخمة ب” نعمة ” المال والجاه لحد الإغراق ، و ذلك  بفضل الإيغال والاسترخاء في مستنقع الفساد و الانغماس فيه حتى الركبة نهبا وسرقة للمال العام ، ولم تترك مظاهر الفساد هذه حزبا و تنظيما أو مؤسسة و جهة إلا و تغلغلت فيها و استقرت كأمر واقع قائم ، جرى و يجري الحديث  عنه على كل مستويات رسمية و شعبية و دينية و حتى بات ظاهرة شاخصة بحد ذاتها ، و لا مفر من القبول و الإقرار به ، ولو على سخط ومضض ، ولم تكن المؤسسات الدينية في العراق بمنجى عن مظاهر الفساد هذه ، وعلى الرغم من إن روائح الفساد أخذت في هذه المؤسسات تزكم الأنوف  وتطعن القلوب ، وصلت لحد المحاكم التي اضطرت بسبب كثرة و فداحة هذا الفساد أن تدين بعض المسؤولين الكبار في هذه المؤسسات الدينية ولو حكما قراقوزيا و شكليا و مضحكا * تجنبا للإحراج و ذر الرماد في العيون ، أكثر من إحقاق العدل بالقسطاط ، إذ أن الضغوط والمساومات و الصفقات السياسية من نوع ” شيلني حتى أشيلك ” بين هذه الأحزاب الإسىلامية الشيعية و الأخوانجية ــ  كانت واقفة بالمرصاد للتدّخل و الطمطمة واللفلفة ، بغية غض النظر عن هكذا فساد في هكذا مؤسسات حساسة ، بحجة الحفاظ على سمعة و ” قدسية ” هذه المؤسسات الدينية والمذهبية و كذلك على سمعة ” القائمين عليها من رجال دين ” مقدسين ” !! ، الذين كان و لا زال ينظر بعض منهم إلى المال العام على أن صاحبه ” مجهول ” و بالتالي يحق نهبه وفرهدته بكل راحة ضمير كامل ومطلق !، إذ أن التداخل الوطيد بين رجال سياسة ورجال  دين في مزاولة أمور السياسة ومقاليد السلطة ، قد سهّل أمر الفساد وانتشاره على نطاق واسع حتى في المؤسسات الدينية والمذهبية و شكّل تغطية سياسية وقضائية لهم ليوغلوا بالفساد عميقا دون أي خوف أو وجل ، و إذا انكشف أمر أحدهم من هؤلاء” المقدسين ” بسبب جشعه وطمعه المفرطين ، فما كان كل عقوبته سوى تقديم الاستقالة من منصبه أو دفع غرامة لا يتجاوز ربع دولار !!، و من ثم جمع ما سرقه من ملايين ليغادر العراق إلى وطنه الثاني والحامي !!، ولكن الملفت أن بعضا مسؤولين دينيين فاسدين ” سنة ” قد طالتهم ” يد العدالة ”  الرحيمة و الرؤوفة لتواطؤهم السياسي مع الأحزاب الشيعية و تأييدهم للنظام الإيراني !!، بينما رجال دين شيعة فاسدين لم تطالهم حتى هذه العدالة الرحيمة و الرؤوفة و المتجسدة بغرامة ربع دولار !!، بسبب الهيمنة السلطوية المطلقة والحماية الكاملة لهم من قبل الأحزاب الشيعية المتحكمة، فضلا عن تهديد ومعاقبة كل من يسوّل له نفسه بالحديث عن الفساد القائم في المؤسسات الدينية ” الشيعية ” المختلفة ..

إذ أن بعض” المظلومين المقموعين ” السابقين قد انتهوا اليوم ظالمين وقمعيين يهددون بالقتل كل من يقول عن مقدسيهم الفاسدين أنهم فاسدون !..

ففي النهاية أن أحزاب الإسلام السياسي  ــ الشيعية و الأخوانجية السنية ــ قد اتفقت فيما بينها ، ضمن المحاصصة الطائفية ، على توفير مثل هذه التغطية والحماية لنفسها و للمؤسسات الدينية الواقفة خلفها دعما وتأييدا ..

وقد جاء برنامج ” الحرة” ليزيح الغطاء عن ” بلوعة ” الفساد الضارب أطنابه عميقا في هذه المؤسسات الدينية و المذهبية ، وكانت مبادرة ممتازة ولفتة بارعة لفضح ما هو غير مقدس يُعد نفسه مقدسا  لا يُمس حتى لو كان فاسدا حتى النخاع .

غيرأن الفاسد سيبقى فاسدا مهما تخّيل نفسه مقدسا أو معصوما ولابد أن يأتي يوم لينفضح أمره ، إذا ليس الآن فربما بعد عشر سنوات أو بعدين عشرين عاما ..

رابط فيديو لقناة الحرة حول الفساد الديني في العراق :

تنويه: جميع المقالات المنشورة تمثل رأي كتابها فقط
,
Read our Privacy Policy by clicking here