حديث المؤامرة ومتاهات المغامرة!!*

نشرت العديد من المقالات حول ” المؤامرة” , وتجاوب معها عدد من الأخوة , وأكثرهم كان ينكرها ويدينها على أنها إسطوانة قديمة , وقد حفزني مؤخرا على إعادة نشر بعض تلك المقالات الأستاذ عبد الرضا حمد جاسم , وقد فرحت كثيرا بأن التفاعل مع مفهوم المؤامرة قد تطور وبلغ ذروته الإدراكية والمعرفية , ويسرني أن أقرأ ما تفضل به الدكتور حسين سرمك حسن والدكتور أحمد مغير.

وهذا إقتراب من وجهة نظر سلوكية بحتة , أن المخلوقات كافة تتآمر على بعضها البعض , أي أنها تريد النيل من غيرها في دائرة البقاء المفرغة , والدافع الأساسي هو الحصول على الطاقة اللازمة للقوة والحياة , إبتداءً من الطعام إلى مصادر الطاقة الأخرى بأنواعها ومسمياتها.

ولكي تنال ما تريده من الآخر فلابد من التآمر عليه , أي أن تجد الأساليب والوسائل اللازمة للقبض على مصيره أو تسخيره لما تريد وتهدف.

وفي المجتمعات البشرية خصوصا لا يمكن للمؤامرة أن تنجح وتتواصل إلا بتضافر جهود مفردات وعناصر الهدف معها , أي أن المجتمع المُستهدَف من قوة خارجية لا يمكنه أن يكون صيدا لها من غير تفاعل عدد من أبنائه مع القوة الساعية لإمتلاكه.

فلكي تغنم ما تريد عليك أن تجد مَن يستفيد مما تريد لتملكه بما تريد.

ولو نظرنا في الأهداف التي تم القبض عليها في الواقع العربي , لتبين أن القوى داخل الهدف وما حوله قد تعاونت وتفاعلت مع القوة الساعية لأخذه.

فعلى سبيل المثال , ما حصل للعراق لم يكن ليُنجَز بهذه السهولة والطريقة لولا تعاون قوى داخلية وإقليمية , وتفاعلها بآليات تآمرية مع القوة المندفعة نحوه لتدميره والهيمنة على مصيره.

ووفقا لذلك فالقوى التي تريد هدفا ما تقوم بشق صفوفه وكما تعودنا سماع ” فرّق تسد” , والتفرقة يمكن أن تتحقق بما لا يحصى من الأساليب والإقترابات التفريقية , كما هو حاصل في الواقع العربي , حيث يتأكد إستعمال الدين لتمزيق المجتمع وإصعاف الهدف , وتحويله إلى طاقة فاعلة لتحقيق إرادة القوة الطامعة به.

فالمشكلة ليست بالمؤامرة , وإنما بالمغامرة التي تنزلق إليها الشعوب والمجتمعات وتندحر فيها , فلا يمكن نفي القول بأن ما حصل للعراق يوم نكبة الملكية , وما نجم عنها من سلوكيات فتاكة هو مؤامرة بكل ما تعني الكلمة , فبها وبعدها إنخرط الشعب في متوالية هندسية من الأحداث الدامية , التي وفرت في الهدف ما يساهم من التمكن منه والقبض الدائم عليه.

ولا تزال ذات الآلية فاعلة في الواقع , مما تسببت بإرهاقه وتدميره ودفعه بعيدا إلى الوراء وعلى جميع المستويات , حتى صار الفساد فيه هو الدستور والعصابة هي القانون.

إذن هي مؤامرة أوصلت المجتمع إلى دوامة المغامرات التآمرية الدامية الحامية , التي لا تعرف السكون والخروج إلى موانئ الأمان والحياة المعاصرة.

إنها دائرة مفرغة من الويلات , وهذا أقصى ما تطمح إليه المؤامرة , أن تبدأ وتدفع الهدف بتعجيل متزايد إلى حيث تتحقق أهدافها وتطلعاتها وتتأكد مشاريعها.

فالعيب الحقيقي يكمن في الهدف المتآمَر عليه وليس في المؤامرة , فكم من المؤامرات حيكت ضد فيتنام والصين والكوريتين واليابان وألمانيا وغيرها من الدول , لكن الهدف أدرك مفردات المؤامرة وعناصرها , وابتكر مهارات المواجهة والرد بالتآمر المقابل الرادع لأية مؤامرة عليه.

وتلك حقيقة وطبيعة التفاعلات القائمة ما بين المجتمعات والشعوب منذ الأزل.

فهل نجيد مهارات مواجهة المؤامرة , أم أننا مهرة في التآمر على بعضنا وعلى بلداننا وننادي بنكران المؤامرة , ونتهم القائلين بالمؤامرة على أنهم يفسرون الماء بعد الجهد بالماء؟!!

*هذه قراءة سلوكية مركزة , قد يغضب منها مَن يغضب , لكنها لا علاقة لها بموقف أو رأي , إنها قراءة مجردة وخالية من الميل والإنحياز.

د-صادق السامرائي

تنويه: جميع المقالات المنشورة تمثل رأي كتابها فقط
Read our Privacy Policy by clicking here