جدلية الصراع بين السلطة والدولة في العراق بعد عام 2003 (1)

د. فاخر جاسم

مقدمة

موضوعنا، موسوماً بجدلية الصراع بين السلطة والدولة في العراق بعد 2003، بناء على مفهوم الدولة القانونية المعاصرة، وهي الدولة الخاضعة للقانون الذي يكون الناظم لعلاقة الدولة، بالمؤسسات القائمة ـ السلطة، الأحزاب السياسية، منظمات المجتمع المدني، او علاقة الدولة بالأفراد، وعلاقة الأفراد فيما بينهم. ولتوضيح طبيعة الدولة القانونية، نشير إلى ان لها مقومات أساسية أربع ” وجود دستور، تدرج القواعد القانوينة، خضوع الإدارة للقانون، الاعتراف بالحقوق والحريات الفردية”. ومن أجل خضوع الدولة للقانون، لا بد من وجود ضمانات تراقب خضوع الدولة للقانون، تتمثل، أولا، الفصل بين السلطات، ثانياً، وجود رقابة قضائية، ثالثاً، تطبيق النظام الديمقراطي (1).

إن عدم توفر هذه الضمانات، يعني إمكانية تغول، احدى مؤسسات الدولة وإخضاع الدولة لإرادتها الخاصة، كأن تكون السلطة/ الحكومة، تحت ذريعة الأمتياز الذي حصلت عليه في الانتخابات، أو الحركة الإنقلابية التي تقوم بها المؤسسة العسكرية، أو النخب السياسية وأحزابها.

ولأجل القاء الضوء على العلاقة الجدلية بين السلطة والدولة في العراق بعد الاحتلال الأمريكي لا بد من الرجوع إلى طبيعة الدولة التي حددها دستور العراق لعام 2005 بكونها ” دولة ديمقراطية اتحادية” وشكلها برلماني، وتستند على القانون في ممارسة سيادتها وسلطتها على المجتمع (2 ). سيتم تناول جدلية الصراع بين السلطة والدولة من خلال ثلاث محاور:

1. العلاقة بين الدولة والسلطة

2. دورالاحتلال الأمريكي في أعادة بناء الدولة العراقية

3. أسباب تعزيز دور السلطة على حساب الدولة.

المحور الأول. العلاقة بين الدولة والسلطة بعد عام 2003

نتطرق في هذا المحور إلى تعريف الدولة والسلطة وأسباب الالتباس الذي يحصل، في أغلب الاحيان، بين المفهومين، وكيف يستغل هذا الالتباس المتعمد، من النخب المتنفذة التي تسعى إلى الدمج بين السلطة والدولة.

أولا. تعريف الدولة

الدولة هي كيان قانوني أجتماعي، يتميز بثبات نسبي، يضم مجموعة من المكونات الاجتماعية التي تعيش في اقليم جغرافي محدد، تشكل بمجموعها مواطني الدولة، وظيفتها الدفاع عن مواطنيها وتلبية مصالحهم

” باعتبارها جهازاً للحكم يبسط سيادته على إقليم جغرافي محدد، ويحظى باحتكار وسائل العنف المشروع”(3).

شروط وجود الدولة: للدولة المعاصرة مجموعة من العناصر الأساسية (السكان، الأرض ، السلطة، والسيادة). ولكي تكون هذه الدولة قابلة للتطور وفق معطيات التطور البشري وما يفرزه من تطور حقوق الإنسان الأساسية، السياسية والاجتماعية، لا بد من توفر عدة مستلزمات منها:

1. القانون اساس الدولة الحديثة: إن القانون هو الذي يميز الدولة الحديثة عن الدولة القديمة التي كانت تخضع لإدارة الحاكم فعن طريق القانون يجري تحديد وسائل وحدود مباشرة الدولة لنشاطها وكذلك تحدد مجالات نشاط الفرد(4). وقد تطور دور القانون في وجود الدولة، إلى ظهور مفهوم الدولة القانونية المعاصرة التي تعني التزام كافة السلطات ” التنفيذية والتشريعية والقضائية” وكذلك كافة أجهزة الدولة الأخرى بتطبيق القانون، وأصبح هذا المبدأ أساس وجود الدولة، وهو القاعدة الأساسية التي تميز بين السلطة والدولة، حيث أن الإخلال بها يؤدي إلى الدمج بين السلطة والدولة، بحيث تصبح السلطة حرة، او بعبارة أخرى، انتقالية بتطبيق القانون رغم وجوده .

2. القدرة على فرض السيادة على المحيط الداخلي والخارجي، وخضوع كافة المواطنين لهذه السيادة

3. وجود جهاز إداري مستقر لا يتبدل بسبب تغير الحكومات أثر الانتخابات، مفتوح أمام كافة المواطنين، بدون تميز عرقي ، مذهبي، ديني أو فكري ـ سياسي.

4. تعتبر القوات المسلحة، احد أهم مقومات الدولة الحديثة، لذلك تبنى المؤسسة العسكرية( الجيش والشرطة وجهاز الأمن) على أسس وطنية، يكون الإنتساب لها وفق معيار المواطنة، وليس على أساس التمييز الإثني ـ الديني، أو على أساس المحاصصة الإثنية ـ المذهبية، الطائفية

5. وجود اقتصاد السوق، يعزز الروابط الاجتماعية بين الأفراد على أساس المصالح الاقتصادية والإنتماء الاجتماعي، وليس على أساس روابط أخرى.

6. جهاز قضائي يطبق القانون بعدالة على المواطنين وعلى العلاقة بين الدولة ومؤسساتها.

7. وعي شعبي يحترم هيبة الدولة وسيادتها ويفرق بين السلطة/ الحكومة والدولة، وبنفس الوقت يكون محركاً لنشاط المواطنين وفعاليتهم السياسية للدفاع عن الحقوق والحريات الأساسية.

وبالرجوع إلى أهمية مبدأ السيادة في بناء الدولة، نشير إلى ان الانتقاص منها كان له تأثيرات بالغة الأهمية على إعادة بناء الدولة في العراق في الظروف الراهنة بناء على المعطيات التالية:ـ

ـ لا توجد سيادة فعلية للدولة العراقية الراهنة لسببين، الاول، عدم وجود سيادة للدولة في علاقاتها الخارجية، والسبب الثاني، وجود قوى طائفية ـ إثنية تنازع الدولة في سلطتها الداخلية.

ـ عدم قدرة الدولة على فرض احترام المواطنين للقانون؛

ـ تعدد المليشيات المسلحة التي تشارك الدولة في سيادتها على القوة؛

ـ انعدام قدرة الدولة على توفير الامن الذاتي للمواطنين.

ثانياً. ماهية السلطة

السلطة هي الجهاز الذي يقوم بالأعمال التنفيذية والإدارية الضرورية لتحقيق سياسة الدول والمحافظة على استمرار وجودها على الصعيد الداخلي والخارجي وذلك من خلال السياسات التي تضعها والقرارات والمراسيم التي تصدرها من خلال وضعها موضع التطبيق للقوانين التي تصدرها السلطة التشريعية”(5).

وبناء على هذا المفهوم لطبيعة السلطة/ الحكومة، يجري تحديد الوظائف التي يجب أن تقوم بها، نجملها بالنقاط التالية: ـ

1. تلبية الحاجات الضرورية للشعب من خلال وضع البرامج لذلك ومتابعة تنفيذها.

2. توفير الحماية والامن للمواطنين.

3. المحافظة على وحدة الدولة والدفاع عنها ضد التهديد ات الخارجية.

4. المحافظة على مصالح المجتمع في علاقاتها الخارجية مع الدول الأخرى.

5. تشكل الحكومة على ضوء الحصول على الاغلبية في الانتخابات البرلمانية.

6. الشاور مع المعارضة ومنظمات المجتمع المدني للتوصل إلى أفضل السبل لتحقيق البرامج الاجتماعية التي تلبي حاجات المواطنين التعليمية والثقافية والاجتماعية والخدمية الأخرى.

ثالثاً. شرعية السلطة

تحصل السلطة على الشرعية الشعبية وفق المعايير الديمقراطية بناء على الأغلبية التي تفوز بها في الانتخابات. وهذه الشرعية محددة زمنياً وفق الدستور، ولكنها غير مطلقة، وتبقى سارية وفق معايير وغايات محددة، في حالة الاخلال بها تفقد السلطة شرعيتها، يمكن تحديد المعايير التي تفقد السلطة شرعيتها بالنقاط التالية:

أولاً، إذا قامت بتعديل أو عرقلة التداول السلمي للسلطة حسب الفترات الدستورية، على سبيل، تمديد عمل البرلمان أو تعديل قانون الانتخابات بهدف منع الأحزاب والحركات السياسية المعارضة لسياسة النخب المحاكمة، من الفوز بمقاعد في السلطة التشريعية، لضمان اعادة انتخاب ممثليها مرة أخرى.

ثانياً، إنشاء منظمات مسلحة أو شبه مسلحة تابعة لأحزاب السلطة، وأضفاء الشرعية عليهاعن طريق الأغلبية البرلمانية التي تمثلها. بحيث تكون هذه المنظمات أدوات أستقواء في النشاط السياسي، حتى في حالة عدم وجود النخب وأحزابها في السلطة.

ثالثاً، تشريع أو إصدار القوانين التي تضيق على الحريات الشخصية والعامة، منها على سبيل المثال الحد من حرية التجمع والتظاهر، الحد من ممارسة حرية النشر، التضييق على حرية الاعلام وحجب المعلومات عن المواطنين ووسائل الإعلام، عرقلة ممارسة الشعائر الدينية.

رابعاً، استعمال العنف المادي والمعنوي، للتضييق على حرية نشاط المعارضة في ممارسة دورها في المراقبة ونقد سياسات السلطة.

خامساً، إذا لم تنفذ البرامج التي فازت على أساسها في الانتخابات.

تكثيفاً، أشير إلى وجود فرق بين الدولة والحكومة من حيث أن الدولة لها أركان ثابتة لا تتغير (الأرض، الشعب، السلطة السياسية ـ تتكون من ثلاث سلطات قضائية وتشريعية وتنفيذية) بينما السلطة/ الحكومة هي جزء من السلطة التنفيذية، في حالة تقاسم السلطة بين الحكومة ورئيس الجمهورية في النظام الرئاسي، أو كل السلطة التنفيذية إذا كان النظام برلمانياً. وهي متغيرة وفق الفترات الزمنية التي يحددها الدستور. كما أن السلطة هي الإدارة التي تنفذ سياسة الدولة في إطار القانون والتشريعات التي تصدر عن البرلمان وتحصل على شرعيتها عن طريق التداول السلمي للسلطة الذي يتم عن طريق الانتخابات الدورية وفق فترات زمنية محددة دستورياً.

يتبع

تنويه: جميع المقالات المنشورة تمثل رأي كتابها فقط
Read our Privacy Policy by clicking here