طريق الشباب (حلقة ثقافية) في الرابعة والتسعين

* د. رضا العطار

يبلغ الفيلسوف الانكليزي برنارد شو من العمر 94 عاما، وليست العبرة في بلوغه هذه السن، ولكنها في محافظته على صحة عقله وسلامة جسمه، فإن هناك كثيرون بلغوا هذه السن ولكنهم التزموا السرير واستقالوا من الحياة، ام هم يعانون الحياة اكثر من مما يستمتعون بها. ولكن برنارد شو لا يزال نشيطا يؤلف ويوجًه ويُعلم، وقد علم اربعة اجيال وهو يأمل ان بعلم الجيل الخامس. وهو يقول: ان الموت ليس طبيعيا.

لقد اتخذ برنارد شو اسلوبا في العيش، يجدر بنا جميعا ان نعرفه وان لم نمارسه، فهو قد انقطع من اللحم منذ ان كان شابا، وهو يأكل الخبز الاسمر، وينام مع ترك النافذة مفتوحة حتى في فصل الشتاء، وشتاء انكلترا هو شتاء قطبي. وهو لا يدخن ولا يشرب الخمور، كما انه يفكر هذه الايام ان يصوم يوما كاملا كل اسبوع.

وبرنارد شو كثير التفكير في التعمير ويقول : ان اعمارنا المألوفة قصبرة، واننا نترك الدنيا اطفالا، لمًا نتعلم ولما نستمتع ولما نصل الى الحكمة. واننا على الاقل يجب ان نعيش ثلاث مئة سنة، نقضي المئة الاولى في التعليم والمئة الثانية والثالثة في الاستمتاع والتفكير الناجح، كما انه يرى ان الانسان عندما يحقق هذه السن سوف يسعى الى اصلاح هذه الدنيا واحالتها الى فردوس. لان اقامته المديدة عليها ستضطره الى ذلك حتى يهنأ بعيشه ولا يسأمها.

ولكن الميزة الاولى لبرنارد شو انه لا يزال يعيش في عنفوان الحياة الذهنية، والسبب في ذلك انه احترف الادب والفهم والتفكير، وكلمات اللغة موفورة عنده، وهي تحمل المعاني التي يدأب الدماغ في استنباطها وتوليدها، ومن هنا حيوية ذهنه التي تسمو على حيوية جسمه.
فهذه الحياة الذهنية القوية التي يحياها برنارد شو، وهب التب تغمر كيانه وتجدد شبابه وتحفزه على التفكير في المستقبل بدلا من الحنين الى الذكريات القدبمة كما هو شان المسنيين العاديين. وهب التب تملؤه تفاؤلا على الرغم من الكوارث العالمية المحيطة.
فلتكن لكل شاب عبرة في حياة برنارد شو الروحية كما في نظام معيشته المادية.

* مقتبس من كتاب طريق المجد للشباب للعلامة سلامة موسى.

تنويه: جميع المقالات المنشورة تمثل رأي كتابها فقط
Read our Privacy Policy by clicking here