أوتار حزينة في المجموعة الشعرية ( على اثير الجليد ) الشاعر عبدالستار نور علي

شاعر متمكن من موهبته الشعرية الفذة. يبحر في الحروف الشعرية الجميلة، في لغته الرشيقة. والعميقة في الصياغة الصور الشعرية البليغة في مدلولاتها. يطوف بقيثارته الشعرية، المحطات والمرافئ، وارصفة المنفى والتشريد والتهجير. انه سندباد الشعر في الهموم الغربة ومحطات المنافي، بلا كلل ولا وهن. طالما الحنين والشوق يهزه من اعماق وجدانه. من اعماق المعاناة الانسانية. من معاناة العراقي، الذي اصبح حقيبة سفر، في التشرد والغربة، ويخوض اعماق محنته الى المنافي الغربة. لكنه يأخذه الشوق والحلم، أنه شاعر حالم رغم المحنة التي تغلي وتفور في الضلوع. أنه حالم رغم لوعة الالم. يتنفس بشوق وحنين رائحة العراق. أنه يحمل العراق في اعماق وجدانه. ولا يكف عن حب العراق، طالما يتنفس هواء الحياة، يحمل معاناة العراق في شعره ووجدانه، لذلك يعزف في الناي والربابة، ليثبت انه عراقي المنشأ والاصل، عراقي يلبس ثوب نخل العراق.. لذلك يجد الشعر وسيلة للدفاع عن صرح العراق، ويعلن للملاء محنة العراق، إلا بقيثارة الشعر وايقاعها الرنان. يسهر الليالي بأرق العراق. ويحلم من السحب والغيوم الكثيفة، ان تمطر لو مرة واحدة، لتغسل احزان العراق. تنشف دموع المعذبين والمعدومين. هكذا يصهل بكلمات الشعر، بالحب المقتول والمغدور، كالحلاج الذي صلبته الكلمة الشريفة والنزيه، صلبه العشق والحب والهوى للناس والحياة، لم يهادن محاكم التفتيش. لم يغازل الاغنياء والسلاطين، ودافع عن شرف الكلمة ونقاوتها، من ان تتلوث بالسواد. هكذا صدحت المجموعة الشعرية (على أثير الجليد). بما تحمل من عذاب ومحنة. لكنها في نفس الوقت تحمل الحلم بالغرض النبيل. يضعها في صفاء الذهن والرؤية. يضعها في خمرة الشعر بحلاوته الجميلة. يحمل عالمه الصغير (العائلة) وعالمه الكبير الاكبر (الوطن / العراق). لذا فأن قلبه مشطوراً الى نصفين، ولكن يغطيهما بالحلم الاتي بالغد. هذه المديات الجمالية، سكبت حروفها على أثير الجليد والثلج في البرد والهجير. ليتدفئ بنار الشوق والحنين. عسى ان يطل باب الفرح. بعدما طفح الكيل. لكن انطلقت صفارة الانذار، لتكسر سارية الفرح.. في دورة الظلام ليذوب في شعابها الفرح
دقَّ طفل مشرقي بابَ الفرحْ

لم يجبه أحد،

تزاحم الخيول

تنتظر السباق نحو ساحة الفرحْ

فأنطلقت صفارة الانذار

قد كسرت سارية الفرحْ
فمالت الزهرة فوق راحة العشبِ
تشرب من برودة الندى
تدفق النور رقيقاً موقظاً حرارة العشبِ
فأستيقظ الفرح
لكنه سرعان ماغاب
ودارت دورة الظلام
فذاب في شعابها الفرح
لذلك لم يبق له وسيلة، سوى العزف على الناي، ليسكب اوجاع القلب بلحن حزين، الذي لم ينام، ولا يتعب من الترحال والتجول في محطات التهجير، وارصفة الغربة، وفي عز البرد والجليد. من معاناة الهجير والترحال. يستيقظ حادي عازف الربابة، يعدو، يصرخ لكن صوته يضيع ويتيه بين الرمال والكثبان. . يا عذاب هذا القلب من الترحال والتهجير . ماذا يبغي من هذه المعاناة بعد ذلك
يا أيها القلب الذي ما نام

من كثرة الترحال…..

والتجوال…

والتهجير !

ما تبتغي

من بعد هذا البرد والهجير ؟

————

أستيقظ الحادي

يعدو على رجليه

يصرخ خلف الريع والركبان

وصوته يتيه بين الرمل

والكثبان

ويأخذه ويهزه الشوق والحنين الى الوطن الراقد في اعماق الروح والقلب. يتقاسمه خبز الحنين. يمسد نبض الوطن المكلوم، في لوعة ولهب وشجن ووحشة، والاشتياق يهزه من الاعماق. حين يشم ريح الوطن البعيدة، والقريبة من جدران القلب , للوطن النائم في الروح
المطر الهامس يبكي

يزحف

والقلب غريق في الرهبة

في الوحشة
في الأنس القادم
عبر رنين الصوت الحالم
– ألو بيروت !

ألو بغداد !

ألو …. ألو …….. !
يأكل الوطن النائم في الروح
لوع.. شوق… لهب..

شجن…. يقفز.. يقتربُ

من بين خزائن جرح نار تلتهبُ

يهبط الثلج فوق سور الليل، في صمت وشجون، ليشعل نار الشوق. مصلوباً على شمس الغد، او ما بعد الغد، برودة أمل تسري على اوتار القيثار بدون حد

الثلج يهبط فوق سور الليل

والشجر المسجى غصنها في الصمت

والشوق الحزين

تسبح في الشمس غداً ؟
أم بعد غدْ ؟
برودة تسري على القيثار دون حد

تمضي السنون وتتساقط الاوراق والفصول. والعراق في غابات الادغال الوحشية. يحمل مأساته، كصخرة سيزيف، يحملها على ظهره في معاناة الهجرة والتهجير والترحال. كأنه حقيبة سفر بين المحطات وارصفة الغربة. اصابه وباء التشرد والتهجير. ويطوف في المحطات الصغيرة والكبيرة ، في الزمن الصعب , تتجرد فيه الاشجار , وتهوي الخيول بين مدن المنفى . وتمضي السنون حالكة يلوكها الزمن الصعب . وتسقط في الرحيل الصعب ,
تمضي السنون
تتساقط الاوراق واحدة …..
فواحدة
وتغفو في محاجرها العيون
تمضي السنون
تتجرد الاشجار ….. تعرى ..
والجليد هو الفصول
تحكي الفصول
قصصاًعن الرايات لوتها الرياح
وارختها بين غابات الرحيل
أوآهِ من هذا الرحيل الصعب !
يا زمن البديل الصعب
خيل هوت بين المدائن

هكذا اصبح العراقي حلاج جديد، يطارده الموت والصلب. اينما وجد، واينما صهل بخيول الشعر، تنادي بالحب والعشق، وبأسمه يدعو الى منازلة الاغنياء والسلاطين، الذين سدوا هواء الحياة وحرموا الفقراء من رغيف الحياة. ولم يعرف للخوف طريقاً. ولم يهادن بالحب والهوى. من قصيدة (الحلاج مصلوباً).

لوحةُ الشعر تنادي الحبَّ

من بين صهيل الشعراء

واهتزاز الاتقياء

هو ذا الحلاج مصلوباً

ويزهو

دون ان يعرف للخوف طريقاً

او رفيقاً

لم يهادن في الهوى لوناً

سكوناً

بأسمك اللهمَّ يدعو الفقراء

لنزال الاغنياء

وحروب الاقوياء

فكل يوم محنة في اشرعة المنفى، هربا من غابات الادغال الوحشية، بالاشباح والاضداد.ويموت شاعر بصمت حزين في المنفى، رغم ان روحه تصعد مع السماء، لتواجه الحساب في ثوب وقلب ابيض ناصع البياض، بالدفاع عن صرح الوطن، وحق الفقراء في رغيف الوطن. قصيدة الى الشاعر الراحل (رشدي العامل).

في كل يوم هجرة،

فشاعر يحط بين غابةٍ

تلتف بالاشباح والاضداد،

وشاعر ينام في أردية الاجداد،

وشاعر يغفو مع الصمت لظىً

منتظراً أشرعة النداء،

وشاعر مات مع السماء،

في كل يوم هجرة…

منفى.. رؤىً…… صمتاً…. واختفاء،

قد كتب النزال والنفي على

الشعراء

الانبياء

في زمن يسد باب الاتقياء،

هذه مزامير الشرق الحزينة في الزمن الصعب , بين الهجرة والهجير والصمت والاختفاء ، تتلوى بوجعٍ على ابجدية المجموعة الشعرية (على أثير الجليد).

جمعة عبدالله

تنويه: جميع المقالات المنشورة تمثل رأي كتابها فقط
Read our Privacy Policy by clicking here