هل تضيق الارض بمن عليها ؟

د. رضا العطار

المعنى الوجودي للتفائل يقول: ان الارض ذات وزن ثابت تقريبا مهما ازدادت عليها اعداد الكائنات الحية ومهما نقصت. فكل زيادة في جانب او في نوع ما من انواع الكائنات الحية، النباتية والحيوانية يتبعه نقص في جانب آخر. فزيادة سكان الارض يتضمن فيما يتضمن نقص الكم في النبات او الحيوان، ومعلوم ان النبات يغتذي من التربة من جهة ومن الغلاف الجوي المحيط بالارض من جهة اخرى وهو الذي يمكن اعتباره جزءا لا يتجزأ منها، وحتى عندما يتلوث الغلاف الجوي بالغازات الضارة التي يصدرها اليه الانسان من مصانعه او قنابله الذرية او من مصادر اخرى للتلوث، فان وزن الارض يبقى ثابتا.

بيد ان هذا الوزن ليس كل شئ، فالكم يجب ان يتساوى مع الكيف دائما. وبتعبير اخر فان الزيادة الكمية في جانب ما من جوانب الارض يكون معناه الاضرار بجانب اخر. خذ مثلا لذلك زحف الصحراء على الاراضي الزراعية او زيادة عدد الذئاب في البقعة الماهولة بالماشية والغزلان. لا شك ان كل زيادة في عدد الذئاب معناه بشكل اخر نقصان عدد الحيوانات التي تعيش على الحشائش. وزيادة عدد سمك القرش – الكوسج – معناه نقص عدد الاسماك الاخرى، واكثر من ذلك فان زيادة عدد الفيلة في مكان ما مأهول بالغابات معناه تهديد الاشجار الرافعة اعناقها الى السماء.

ولا شك ايضا ان الزيادة في عدد سكان العالم من البشر فيه تهديد للكثير من جوانب البيئة الفزيائية والنباتية والحيوانية بل والانسانية كذلك. واكثر من هذا فان مثل تلك الزيادة قد تهدد ايضا الفضاء بما يمكن ان ينقله اليه الانسان من تلوثات.
ولعل السؤال الذي يهمنا في هذا المقام هو عما اذا كانت الارض في سبيلها الى الضيق بمن عليها !

يجيب فريق من العلماء: ان بمقدور الانسان ان يحيل الاراضي البور بل الصحاري الى اراض قابلة للزراعة، بل ان الانسان يستطيع اسقاط الامطار عليها وفي الاوقات التي يحددها بعلومه. بل ويستطيع ان يحول مياه البحر الى مياه عذبة صالحة للشرب. كما يستطيع ان يحقق التوازن البيئي بين مختلف الكائنات الحية. وهو يستطيع ان يغير طبائع الحيوانات ويستأنسها. وقد سبق له ان استأنس الكلب والحصان والقط والبقر، ثم انه قادر على ان يدخل التعديلات على كثير من انواع الخضر، يحيلها الى خضر شهية لغذائه

ويضيف الباحثون بان مشكلة السكان تتركز على توزيع السكان وليس في عددهم. فالهجرة الداخلية هي اس الداء وليس التفجر السكاني. اضف الى هذا ان الحقول ذاتها مهجورة ويتزاحم الناس على المدينة حيث الرفاهية. وبمقدور الانسان ان ينقل هذه الرفاهية الى الريف. ناهيك عن ضرورة توافر الامن الغذائي والامن الاجتماعي بحيث تشجع السكان على النزوح.

اما الاقتراح الاخير بخصوص دفع اهل المدينة الى السكنى في الريف فامر غير واقعي وغير عملي، ذلك ان من المتعذر ان تخفف من الواقع الذي حدث واستقر بالفعل. فبالنسبة لمدينة كبيرة يمكن ان تقلل من الهجرة اليها ولكنك لا تستطيع منع تلك الهجرة تماما من جهة، كما انك لا تستطيع ان تجبر المقيمين بها على الانتقال منها الى الريف او الصحراء. والواقع القائم هو واقع مؤلم ومزعج في حد ذاته ناهيك عن ان هذا الواقع يتزايد سنة بعد اخرى

بينما يؤكد الساخطون ان الارض تضيق فعلا بمن عليها وشاهد ذلك ما نراه من زحام في كل مرافق الحياة. وطالما ان المساحة المتاحة للسكنى مساحة محدودة. وغير قابلة للاتساع بسبب اغارة البحار على الشواطئ من جهة وبسبب اغارة الصحاري على الاراضي الزراعية من جهة ثانية. فضلا عن الزيادة في عدد البشر في كل ثانية
فالارض اذن ستضيق بمن عليها او هي ضاقت بالفعل بمن عليها.

ولو ان الانسان كان قادرا على حل ذلك التكثف المضطرد في السكان، لما كان قد وقف مكتوف الايدي بازائه الى ان وصلت الحال الى ما وصلت اليه بحيث صار الانسان الحديث مهددا، كما يؤكد ذلك العالم المعروف – مالثوس – من ان سلاح الطبيعية، المارد الجبار، سوف يتدخل في نهاية المطاف لتصحيح الوضع الخاطئ وذلك بالامراض والمجاعات والحروب. ولعلنا نضيف ماردا رابعا لا يقل خطورة الا وهونشوء نظام اجتماعي لا يمكن تحديد معالمه الا بعد ان يقوم احد الاجناس البشرية بافناء الاجناس الاخرى. ولعل الجنس الاصفر هو الذي سيقود مثل ذلك النظام المجهول
في المستقبل.
* مقتبس من كتاب ( التفائل والتشائم، يوسف ميخائيل اسعد )

تنويه: جميع المقالات المنشورة تمثل رأي كتابها فقط
Read our Privacy Policy by clicking here