كيف اضاف الحزب الشيوعي الروسي خمسة مقاعد له في برلمان موسكو؟

عماد علي

جرت انتخابات برلمان مدن روسيا يوم احد الماضي، و خسر الحزب الحاكم (روسيا الموحدة) الكثير من مقاعده في بعض المدن الرئيسية، وفي موسكو لوحدها مني بخسارة اكثر من ثلث مقاعده التي بلغت 83 مقعدا فانخفضت الى 26 مقعدا من مجموع 45 مقعدا في موسكو، و اضيفت خمسة من تلك المقاعد التي خسرها الحزب الحاكم الى الحزب الشيوعي الروسي.

و ان تكلمنا بعيدا عن العاطفة و النشوة في فوز اي حزب يساري في العالم، فاننا يجب ان نقيّم ما يحصل اعتمادا على المتغيرات في روسيا و العالم ايضا و كيف اثرت على الاحزاب، وحتى كيف حدثت عملية الغلاسنوست و البرويسترويكا داخل الاحزاب الشوعية نفسها كي تستوعب ما حصل بين الشعب و تتوائم معه. فان كان هذا الفوز النسبي و التقدم الملحوظ لجماهيرية الحزب الشيوعي الروسي قد يدفعنا الى التمعن و معرفة الامر في كيفية استقرار الاحزاب اليسارية في كافة بلدان العالم بعد الاهتزازات التي حصلت لهم ابان البروسترويكا و الغلاسنوست التي طرحها السيدغورباجوف للعالم الاشتراكي بشكل عام، فاننا ندرك اهمية التقييم الصحيح لما جرى. ان دقنا ما يجري عند العمل اليساري و الشيوعية و من ثم كيف كانت طوال هذين العقدين من جراء المقاومة و امتصاص الضربات التي وجهت اليها و نجحت حزئيا لحد الان, فلابد ان نقول ما عليه ايضا، اي الخلل في مسار التقدم الملحوظ و رغم قصر الفترة الزمنية مقارنة بما يحتاجه الامر سياسي فكري فلسفي كهذا، فكان لابد ان يكون التقدم افضل و اسرع لما افرزت من السلبيات لدى المقابل اي ما يفرز جراء ما تتحدى به الراسمالية الامريكية بشكل خاص العالم و تلعب باضطراب على الساحة العالمية و تكرر الاخطاء و تفضح نفسها في كثير من المناطق، الا ان الاحزاب اليسارية بشكل عام و الشيوعية بشكل خاص لم تتمكن من اغتنام هذه الفرص التي توفرها امريكا بعد تخطبها و ما حصل على يدها بعد نشوة مابعد البروسترويكا التي اغرقتها في الفوضى التي صنعتها بيدها لنفسها، و العمل على ذلك من اجل بيان فحوى مباديء امريكا و فلسفتها المرحلية القصيرة المدى وفق فحوى و صلب الفلسفة الحقيقية الصحيحة التي تثبت اصحيتها في النهاية، و استنادا على ما تفرضه المدة المطلوبة لاثبات اصحية المحتوى و احقية التوجه من اي فكر و فلسفة كانت. العمل السياسي و تاريخ الاحزاب الذي لا يمكن ان يًحتسب حتى بعقد او عقدين من الزمن كمدة طويلة لاعادة مكانة الذات و بناء اسس مغايرة و تنظيم ملائم يمكن ان يقاوم ما يصطدم به، فكيف بتحديد زمن لبيان اصحية فلسفة و منهج و ايديولوجيا ضربت من صلبها. وهكذا كانت حال الاحزاب اليسارية و قاومت الكثير منها و تلائمت مع المستجدات او تكيفت لفترة معينة مع العاصفة بشكل جيد و اعادت مكانتها بعد الهدوء و توقفت الهيجانات و تحاول الاستمرار الان.

و ان كنا نريد ان نقيّم ما يحصل علميا في روسيا لابد ان نقول ان وجود الارضية التي اكتنفت اليسار او الشيوعي التي سيطرت عليها مصالح و افرزات تلك المراحل و ما كان في وقته، و مهما كانت الارضية و كيف تغيرت و ماحصلت فيها عليها، فلابد ان تكون ايجابيات ما قبل مرحلة غورباجوف قد برزت نفسها فيما بعده و السلبيات قد اضمحلت بنفسها، و يمكن ترتيب الاهم على الارضية القديمة الجديدة المتينة المبنية اليوم بشكل واقعي بعيدا عن الخيال و المظهريات المبينة على متطلبات التنافس و الصراع الذي كان قائما ابان الحرب الباردة. اي التروي و الهدوء و عدم التحرك برد فعل او كاستجابة لمتطلبات مراحل معينة و افرازات مؤقتة و بروز امور مرحلية. فبخطى واثقة و مستندة على الحقيقة الفلسفية و الافكار الصائبة للبشرية و مستقبلها يمكن ادامة المسيرة و ان استغرقت قرون. الا ان ما حصل في موسكو يوضح لدينا شيئا مهما و لا يمكن ان ينتشينا وهو انتعاش اليسار و ظهور ملامح العافية و ان كان في اضافة هذه المقاعد اسباب اخرى غير الذي نتكلم عنه ايضا، و ان لم تكن لها علاقة بالتغييرات في حال الاحزاب اليسارية ايضا، اي هي امور سياسية بحتة، و منها مجيء هذه الانتخابات بعد الاحتجاجات من حظر العديد من الشخصيات المعارضة البارزة في الترشح و التي تشير كل الاستنتاجات الى انهم لو وفر لهم المجال في الترشح لكانوا ضمن المقاعد الفائزة بدلا من التي اضيفت الى الحزب الشيوعي، و هذا يدعنا ان نحسبه مؤشرا على ان فوز جزء من هذه المقاعد الجديدة للحزب الشيوعي لم يكن جراء قناعة الناس باحقية الحزب الشيوعي الروسي بها، بل رد فعل او كبديل افضل من مرشحي الحزب الحاكم ليس الا. اي حاءت الفوز بعد تلك الخطة التي دعت فيها المعارضة الناس التصويت للسياسيين الاكثر قدرة على هزيمة المرشحين الموالين للكرملين مهما كانت احزابهم، و عليه يمكن الاعتقاد بان الحزب الشيوعي استفاد من هذه الدعوة، و لم تكن الاضافة وفق المتغيرات من نتاج اصحية ما اتبعه من طريق الحزب الشيوعي و احقيته والذي حصل على 13 مقاعد بعد ان كان 8 مقاعد في موسكو. و كان الاهم من الامر هنا هو خسارة رئيس فرع موسكو لحزب روسيا الموحدة ( الذي قال ان الناس يصوتون بقلوبهم و ليس بعقولهم!!) و احلال مرشح الشيوعي فائزا بديلا عنه.

الاهم من كل ماسبق لليسار هو الاعتبار من هذه العملية من كافة الجوانب؛ ومنها سياسية مرحلية وهي اهمية التحالفات و قراءة الواقع و دور المرشحين و تاريخهم و سمعتهم و نشاطاتهم و علاقاتهم مع الناس التي اصبحت بديلا عن اهمية الحزب و دوره و فكره و فلسفته و التي لم تصبح بعد اكثر اعتبارا للناس في تصويت مرشحهم في هذه المرحلة. اما الدروس التي يمكن استخلاصها هنا هو انه لابد من

اعادة النظر في عمل احزاب اليسار و تعاملهم مع المرحلة و تكتيكاتهم و ابقاء الاستناد في الاستراتيجية و كيف العمل بها و التعامل معها على النخبة و توجهاتهم في هذه المرحلة. و يمكن التوجه الى التغييرات الكبيرة في اسلوب العمل و السلوك و كيفية ابقاء التوازن بين الامور المرحلية و الدائمة و الافكار و الايديولوجيا بشكل دائمي و اتباع منهج مناسب و متغير ايضا وفق التغييرات السريعة التي تحصل على الارض، و من ثم تثبيت الاقدام و بعد ضمان الاستقرار الاستناد على الفلسفة في بداية الرحلة الطويلة التي ربما لا تستغرق عقودا فقط و انما قرونا ايضا. فليكن هذا النجاح المرحلي البسيط الصغير دافعا للعمل الاكثر و التدقيق لكافة الاحزاب اليسارية و ليس الشيوعية فقط في العالم.

تنويه: جميع المقالات المنشورة تمثل رأي كتابها فقط
Read our Privacy Policy by clicking here