موضوعات في الترجمة (15): كفاءة الترجمة

موضوعات في الترجمة (15): كفاءة الترجمة

ترجمة: حيدر عداي عبد علي

و

ا.د. كاظم خلف العلي

استاذ اللسانيات و الترجمة

كلية الآداب – جامعة البصرة [email protected]

يمكن ان تعرف الكفاءة competence بوصفها مصطلحا عاما على انها القدرة المتأصلة لإنجاز شيء ما. لغويا، فإنها تعني المعرفة التي لدى الناس عن لغتهم و التي اكتسبوها خلال سنواتٍ طويلة و مراحل مختلفة. و من الناحية النظرية، فإن الكفاءة اللغوية شيء مثالي. و هي تختلف تماما عن الأداء performance الذي عرفه اللغوي نعوم تشومسكي Noam Chomsky على انه الاستخدام الفعلي للغة في المواقف العملية. لكن بينما تكون كفاءتنا اللغوية تامة و مثالية، فإن ادائنا غير تام و غير مثالي. فقد نخطئ لأسباب عديدة منها الارهاق و التسرع و تلعثم اللسان و المقاطعة من قبل ناس “غير مهذبين”. و يكمن مقياس كفاءتنا في قدرتنا على تصحيح الأخطاء بمجرد التعرف عليها او بعد لفت الانتباه إليها.

و بالإضافة إلى الصفة “اللغوية”، فإن مصطلح الكفاءة يمكن أن يعرف بالصفتين “الاجتماعية” و “الحضارية”. و تعني الكفاءة الاجتماعية قدرتنا على استعمال اللغة بالتناغم مع اعراف مجتمع معين و عاداته. و في المجتمعات العربية هناك الكثير من الضوابط الاجتماعية الموضوعة على استعمالنا للغة. و في الآتي مجموعة من هذه الضوابط:

١- اكعد عوج و احجي عدل. Sit awkwardly and speak straight.

٢- لكل حادث حديث. For every occasion, there is a suitable topic.

٣- لسانك حصانك، ان صنته صانك، و ان هنته هانك. Your tongue is your horse. If you keep it well, it keeps you well. If you offend it, it offends you.

٤- لسانك لا تذكر به عورة أمرئ، فكلك عورات و للناس السن. Never mention the defects of other people with your tongue. You are full of defects, and people have their own tongues.

اما حضاريا فإن كفاءتنا يجب أن تكون متناغمة مع أنماط السلوك و التصرف المتناسبة مع الثقافات الأخرى. إن نجاح كفاءتنا الحضارية البينية تقاس بقدرتنا على التواصل مع أناس من ثقافات أخرى بطريقة مناسبة و مؤثرة. و باختصار شديد فان المعنى الحضاري يعبر عنه عربيا بصورة جيدة من خلال القول المأثور “يا غريب، كن اديب” و في اللغة الانجليزية بقولهم “عندما تكون في روما تصرف كالرومان”.

و على هذا الأساس فإن الكفاءة الترجمية يجب أن تعرف على أنها قدرتنا على نقل نص أو تفوه في اللغة (أ) الى نص أو تفوه في اللغة (ب). و هناك في هذه الكفاءة امور أخرى غير خزيننا اللغوي، و إن اعتمدنا كلية على خزيننا اللغوي فسنكتشف عدم مقدرتنا بمجرد وضعها في مواقف صعبة او جديدة تماماً. هناك الكثير في الترجمة غير معرفتنا بالكلمات و بطريقة ريط الكلمات في جمل. فالترجمة تتطلب من الشخص المزود بالمعرفة اللغوية الاساسية أن تكون له القدرة على التحويل power to transformance و الاستبدال و التغيير و خلق شيء جديد تم التعبير عنه بلغة أخرى ، و هي كما أرى مقدرة يفتقر إليها الكثير من ثنائيي اللغة و تمنعهم من أن يكونوا مترجمين.

إن المعرفة اللغوية لوحدها لا تكفي. و لقد أكتشف أن ثنائيي اللغة من الجيل الثاني من المهاجرين الذين يترجمون لآبائهم و أمهاتهم الذين لا يعرفون الإنكليزية في عدد من المستشفيات الأمريكية يضاعفون المشاكل الصحية لذويهم بترجماتهم غير الدقيقة، و من هنا جاء منعهم من القيام بالترجمة. و ككلمة أخيرة، فإن الكفاءة الترجمية تتألف من الكفاءة اللغوية مضافا إليها قدرة التحويل و الاستبدال و التغيير و الخلق و الكفاءة الثقافية الحضارية.

النص الأصلي : كاظم خلف العلي

تنويه: جميع المقالات المنشورة تمثل رأي كتابها فقط
Read our Privacy Policy by clicking here