تاريخ الدولة الكلدانية (قبيلة كلدة الآرامية) ج1

مقدمة بسيطة

معروف أنه لا علاقة للكلدان القدماء بكلدان اليوم الحاليين الجدد الذين هم سريان سَمَّتهم روما، كلداناً، منتحلةً أحد أسماء الحضارات العراقية القديمة، وقطعاً لا علاقة لكلدان اليوم بهذا الفصل الذي سنتطرق فيه إلى تاريخ الدولة الكلدانية التي دامت ثلاثة وسبعون سنة فقط (612-539 ق.م.) أو على وجه الدقة ثلاثة وأربعون سنة فقط، أي عصر نبوخذ نصر (604–562 ق.م.) فقط.

وقبل الدخول في الموضوع أقول: إن تاريخ الدولتين الآشورية والكلدانية، وأقصد بالكلدانية السلالة الحادية عشرة والأخيرة من الدولة البابلية، لم تكن معروفتين للعالم كثيراً، والسبب، أن الدولتين والحضارتين لم تُخلفا آثاراً بارزة فوق الأرض مثل أهرامات مصر أو سور الصين لكي تجلب اهتمام المؤرخين، لذلك لم تكن الدولتان تأخذان حيزاً كبيراً من اهتمام المؤرخين قبل الاكتشافات الأثرية الحديثة للمنطقة التي بدأت منتصف القرن التاسع عشر، باستثناء ما ورد عن الدولتين في الكتاب المقدس وأسفار اليهود في التلمود وغيرها، وبعض الكتابات التاريخية القليلة لبعض المؤرخين الذين زاروا المنطقة أو وجدوا أخبارها في الكتب التي بقيت في المعابد، ومن هؤلاء هيكاتيوس الملتي (القرن السادس ق. م.)، هيرودوتس (480–425 ق.م.)، (زينفون 430–355 ق.م.)، بروسيوس البابلي (300 ق.م. تقريباً)، ديودورس الصقلي (80–30 ق.م.)، سترابو (63 ق.م.–21م)، وبلينوس الأكبر (23–79م)، وغيرهم، وكانت كتاباتهم مستندة بعضها إلى البعض الآخر، أو ما ورد عن تلك الدول في بعض القصص والأساطير التي نُسجت في وجدان وذاكرة الناس عبر الأجيال، وحتى كتابات أولئك المؤرخين وتلك الأساطير كان أغلبها يستند أساساً إلى الكتاب المقدس، وكانت العاطفة الدينية تلعب دورها على حساب العلم والحقيقة، وحتى التنقيبات الأثرية كانت تُقارن بالكتاب المقدس في بداية الأمر، لدرجة أن عالم الآثار الأمريكي اليهودي نيلسون غلووك (1900–1971م) قال: أُنقّب عن الآثار منذ ممسكاً الكتاب المقدس بيد، ومجرفة الحفر باليد الأخرى.

ودولة الكلدان أسسها نابو بلاصر أبو نبوخذ نصر، ودامت من (539-612 ق.م.) فقط، وذكرنا في الفصل السابق أن اليهود وبالذات النبي دانيال ثم بعدهم اليونان هم من سَمَّى دولة نبوخذ نصر، كلدانية (وسنفصل الموضوع في ج2)، وكلدان وهي كلمة آرامية (سريانية) معناها: ساحر، مشعوذ، عَرَّاف.هرطوقي.إلخ، كما ترد في أدب وجميع قواميس اللغة السريانية (الآرامية)1.

والحقيقة أن اليهود ثم اليونان أعطوا شهرة لاسم الكلدان على حساب بقية الأسماء، فاليونان واليهود نتيجة إعجابهم الكبير بالدولة البابلية الأخيرة (نبوخذ نصر) التي وصلت فيها بابل أوج عزها بعد ركود دام أحد عشر قرناً من عصر حمورابي، وورود أخبارها كثيراً في الكتاب المقدس بسبب وجود اليهود المسبيين في كنف الدولة الكلدانية في بابل، وظهور أنبياء كتب قسم منهم سفره وأخباره فيها، لذلك الكتاب المقدس وأسفار اليهود لعبت دوراً رئيساً في شهرة الآشوريين والكلدان بسبب استعمالها من اليهود والمسيحيين في جميع العالم، وبكل اللغات، وعلى مر التاريخ، ويؤكد هذا كثير من المؤرخين، أمَّا بعد اكتشاف الآثار، فقد أصبح تاريخهما واضحاً جداً.

تاريخ الدولة الكلدانية (قبيلة كلدة الآرامية)

أقدم ذكر لكلمة كلداني في التاريخ وردت في مدونات الملك الآشوري آشور ناصر بال الثاني (883–859 ق.م.) وأُطلق الاسم على قبيلة تقيم على مقربة من الخليج العربي التي كان فيها دويلات آرامية عديدة، مثل، بيت ياكين، بيت عموكاني، بيت دكوري، أمَّا في الكتاب المقدس فلم ترد كلمة كلدان في النص العبري مطلقاً، بل (كسديم)، وفي الترجمة اليونانية سنة 280 ق.م. تُرجمت إلى، كلدان، وأقدم ذكر لكلمة كسديم هي في سفر أيوب (1: 17)، لكن لا علاقة لمعنى ومفهوم الكلمة هنا بدولة الكلدان التي أسسها نابو بلاصر سنة 612 ق.م.، فهي لم تأتي لتدل على قوم معين، بل جاءت صفة بمعنى: قطَّاع طرق، لصوص، غزاة، فاتحين، فاتكين 1، وجاءت مقترنة بالسبئيين العرب، ومعلوم أن سفر أيوب كُتب في أرض عوص في الصحراء العربية- السورية، والراجح أنها منطقة حوران، وأقرب سفر عبري إلى اللغة العربية وأسلوبها وألفاظها ومسحتها الصحراوية، هو سفر أيوب 3، ويقول البطريرك السرياني يعقوب الثالث إن سفر أيوب نُظِّم بلغة عربية ثم تُرجم إلى العبرية4.

يقول الأب أنستاس الكرملي +1947م: أصل كلمة كلدان هو (كَس)، واسم بلادهم (بلاد الكَس)، وينقل آراء أخرى مثل، كشديم أي قطع، كريديم أي الأكراد، حسديم أي المحبون عيالهم، لكنه يُجمل أن معناه الفاتحون 5.

إن قبيلة نبوخذ نصر الآرامية خرجت من شبه الجزيرة العربية سنة 1500 ق.م. تقريباً واستقرت في سوريا، وحوالي سنة 700 ق.م. نزحوا إلى جنوب العراق، ثم اتجهوا شمالاً إلى بابل 6، ويقول علماء الآثار والتاريخ: إن موطن الكلدان الأصلي هو شواطئ الخليج العربي في جنوب العراق، ويرى بعض الباحثين مثل فيليب دوغورتي وغيره، أن الكلدان قوم خرجوا من شبه الجزيرة العربية ودخلوا العراق خلال الألف الأولى قبل الميلاد متخذين طريق ساحل البحر العربي ثم الخليج العربي، ويشاركهم الرأي الأب أنستاس الكرملي الذي يعتبرهم عرباً، وينقل الباحث جواد علي عن سترابو (Strabo) أن مدينة الجرها (Gerrha) التي تقع عند العقير (الإحساء حالياً) (Alhasa) في ساحل الخليج العربي في السعودية هي موطن الكلدان الأصلي حيث كانت تتمتع بعلاقات جيدة مع بلاد بابل، والمؤرخ سامي سعيد الأحمد يعتبرهم عرباً أيضاً نزحوا من اليمن، ويدرج أدلة كتابية من سفر أيوب من العهد القديم، وأدلة لكتابات أثرية ورُقم سبئية وعربية جنوبية عُثر قسم منها في مباني نبوخذ نصر تؤيد ذلك 7. وإني (موفق نيسكو) أرى أن عائلة نبوخذ نصر تنحدر من قبيلة بيث ياكيني الآرامية التي قامت دولتها بين الناصرية والبصرة (تل اللحم حالياً)، وأشهر ملوكها مردوخ بلادان الآرامي (721–711 ق.م.) المذكور في التوراة.

منذ سنة 1894 ق.م. إلى سنة 539 ق.م. قامت في مدينة بابل إحدى عشرة سلالة من الممالك، أقواها وأشهرها الأولى والأخيرة، وأعظم ملوك السلالة الأولى حمورابي الأموري (1792–1750 ق.م.)، كما قامت سلالة بابل الثانية على رأس الخليج العربي وتسَمَّى سلالة القطر البحري أو سلالة أمراء الخليج (1740–1500 ق.م. تقريباً)، ثم السلالة الثالثة وهي سلالة الكاشيين (1595–1157 ق.م.)، فالسلالة الرابعة (1156–1025 ق.م.) وكان ملكها الثامن هو أدد أبال أدن الآرامي (1067–1046 ق.م.)، بعدها قامت سلالات ضعيفة ومتفرقة هي، الخامسة والسادسة والسابعة والثامنة والتاسعة باتفاق وتعاون البابليين مع الآراميين (1024–732 ق.م.)، وخلال هذه المدة استطاعت القبائل الآرامية السيطرة على معظم وادي الفرات جنوب بابل، ثم سيطر الآشوريون على سلالة بابل التاسعة، فقام نابو موكين زيري الآرامي زعيم إمارة بيث أموكاني الآرامية بطرد الآشوريين سنة 731 ق.م. وإقامة السلالة البابلية العاشرة (731–711 ق.م.) وأشهر ملوكها مردوخ بلادان الآرامي (721–711 ق.م.) زعيم إمارة بيث ياكيني الآرامية، وهو ملك بابل المذكور في سفر (إشعيا 1:39)، وسفر (2 ملوك 20 : 12)، ولعب هذا الملك دوراً بارزاً في مؤازرة البابليين ضد الآشوريين، لكن الملك الآشوري سرجون أسقط بابل مرة أخرى، إلى أن تحالف حاكم بابل نابو بلاصر زعيم قبيلة كلدة الآرامية مع ملك الماديين كيخاسر والزحف على بلاد آشور ابتداء من سنة 626 ق. م.، وتم إسقاط نينوى عاصمة الدولة الآشورية سنة 612 ق. م. وإقامة الدولة البابلية الحادية عشرة، والتي عُدَّت انتصاراً للآرامية 8، وهذه هي السلالة البابلية الأخيرة التي اشتهرت بملكها نبوخذ نصر والتي أسقطها كورش الفارسي سنة 539 ق.م.

تُسَمَّى هذه الدولة، البابلية الثانية، على اعتبار دولة حمورابي هي الأولى، أو تُسَمَّى الدولة البابلية الأخيرة أو الحديثة أو سلالة بابل الحادية عشرة 7، أو الدولة الكلدانية وهو أشهر أسمائها، وهو نسبة إلى مؤسسها نابو بلاصر شيخ قبيلة كلدة الآرامية أسوةً بالإمبراطورية السرجونية الأخيرة (744–612 ق.م.) من الدولة الآشورية التي سُمِّيت نسبة إلى الملك سرجون، ودامت الدولة الكلدانية ثلاثاً وسبعين سنة فقط (612–539 ق.م.) أي أقل من قرن، وحتى هذه لم تكن كلها عهد قوة وازدهار، إنما اقتصر دور الكلدان وشهرتهم على ثلاث وأربعين سنة، أي حقبة نبوخذ نصر فقط 10، وحكمَ الدولة الكلدانية ستة ملوك هم: نابو بلاصر (612–605 ق.م.)، نبوخذ نصر (604–562 ق.م.)، اويل مردوخ (561–560 ق.م.)، نرجال شار آوصر (559–556 ق.م.)، لباشي مردوخ (556 ق.م.)، ونبونيدس (555–539 ق.م.).

ومثل ما قلنا أنه لا علاقة للكلدان اليوم بالقدماء، كذلك لا علاقة لاسم الكلدان والدولة التي أسسها زعيم قبيلة كلدة الآرامية نابو بلاصر، وبين مدينة أور الكلدانيين التي وردت في العهد القديم أربع مرات فقط للدلالة على منطقة كسديا التي خرج منها إبراهيم أبو الأنبياء، فأور الكلدانيين ليست في العراق، بل هي أورفا أو الرها في تركيا، فقبل قيام السلالة البابلية الحادية عشرة، أي الدولة الكلدانية، سنة 612 ق.م. فإن الحضارات والسلالات التي قامت في بابل، عددها عشرة، وهي سلالات بابلية، وليست كلدانية، مثل السلالة الأمورية والكاشية والبابلية

الرابعة والخامسة..إلخ، لذلك الأب يوسف حبي الكلداني عندما ترجم كتاب علوم الكلدان للكاتبة مارغريت روتين ترجمه إلى علوم البابليين، وليس الكلدان، لأن الكتاب يتحدث عن علوم بابل قبل الدولة الدولة الكلدانية.

https://3.top4top.net/p_13516q0ju1.png

والأغلبية الساحقة من المؤرخين والباحثين وأساتذة التاريخ يُجمعون على أن الكلدان (عائلة نابو بلاصر وابنه نبوخذ نصر) آراميون، ومنهم: سبستو موناكي، المطران أدّي شير الكلداني الأثوري، جيمس برستد، أدون بفن، إسرائيل ولنفسون، المعلم لومون الفرنساوي، المطران أوجين منا الكلداني، رفائيل بابو إسحق، الأب ألبير أبونا، فيليب حتي، خريسوستمس بابادوبولس، أ. دوبون سومر، كارل بروكلمان، جورج رو، د. أنطوان موتكارت، د. رمضان عبده علي، طه باقر، د. عبد العزيز صالح، د. حلمي محروس، روبنس دوفال، د. نجيب ميخائيل، إبراهيم السامرائي، الأب أنستاس الكرملي، د.عفيف بهنسي، أحمد سوسة، فوزي رشيد، فاضل عبد الواحد علي، أحمد أمين سليم، حامد عبد القادر، د. الشحات زغلول، د. مراد كامل، د. علي أبو عسَّاف، وغيرهم كثيرون.، ويُفصِّل القسم الأكبر من هؤلاء المؤرخين بالقول إن نابو بلاصر هو زعيم قبيلة (كلدة) الآرامية، لذلك فالباحثين يعتبرونهم ذوي صلات وثيقة وأقرباء وقبيلة وجلدة واحدة ومن منبع واحد، بل أن بعض الكُتَّاب والمؤرخين حين يتكلمون عن الدولة الكلدانية، يذكرونها بصيغة “الدولة الكلدانية الآرامية” 9.

يقول روبنس دوفال (1829–1911م): إن الآراميين شكلوا غالبية سكان بلاد ما بين النهرين وبابل وأربيل وكركوك وأورميا وبلاد الأهواز وأطرافها 12.

يقول المطران الكلداني سليمان الصائغ: إن بعض المحققين ذهب إلى أن اسم الآراميين شاملاً للكلدان والآشوريين 13.

وقد أُطلق على منطقة جنوب العراق بيت الآراميين، لأن أغلبهم كانوا آراميين، حيث انتشرت الممالك الآرامية بكثافة في المنطقة، وتُسَمِّي المصادر المسيحية المنطقة (بيث آرامايي) أي بيت الآراميين، بل كل العراق اسمه في المصادر السريانية، بيت الآراميين، خاصة آباء وكُتاب السريان الشرقيين (الكلدان والآشوريين الجدد الحاليين) 14.

يقول المطران أوجين منا الكلداني: إن جميع القبائل الساكنة قديماً في البلاد الفسيحة المحدودة ببلاد الفرس شرقاً والبحر المتوسط غرباً وبلاد الأرمن واليونان في آسيا الصغرى شمالاً وحدود جزيرة العرب جنوباً كانت قاطبة معروفة ببني آرام أو الآراميين، نعم إن بعضاً من هذه القبائل كانت تُسَمَّى أيضاً أسماء خصوصية كتسمية أهل بابل وما يجاورها بالكلدانيين وتسمية سكان مملكة أثور بالأثوريين وتسمية أهل الشام بالآدوميين، ولكن مع ذلك كانت تسمية الآراميين تشملهم جميعاً، كما أن تسمية طي وقريش وحميّر وكنانة لا تُخرج هذه القبائل من كونهم عرباً، وبابل وأثور سُمِّيت في جميع الأجيال حتى بعد استيلاء العرب عليها (ܒܝܬ ܐܪܡܝܐ بيت الآراميين)، وعُرفت بلاد النهرين ببلاد الآراميين، ولا حاجة لإيراد الشواهد غير المحصاة لإثبات ذلك، فهي حقيقية يَقرُّ بها (مُذعناً) من كان له أدنى إلمام بأخبار الكنيسة الشرقية لأن كتب أجدادنا مشحونة بذكر ذلك 15.

ويخلص المطران صليبا شمعون إلى القول: أمَّا كون قبيلة كلدو هي آرامية، فأمر يكاد يجمع عليه الباحثون، لاسيما التوراة التي تشير إلى آراميتها 16.

إن لغة حُكَّام الدولة الكلدانية إضافة لليهود المسبيين فقط كانت اللغة الآرامية (السريانية)، أمَّا لغة الشعب فكانت اللغة الأكدية القديمة ذات الأبجدية المسمارية، لكنها أخذت تضمحل وأصبحت لغة ضعيفة أمام الآرامية التي بدأت تُقصيها أسوة ببلاد آشور منذ عهد الدولة الكلدانية، وفعلاً بعد سقوط الدولة الكلدانية سنة 539 ق.م. على يد قورش، اكتسحت الآرامية بابل والبلاط الفارسي، ويؤكد الكتاب المقدس أن لغة نبوخذ نصر كانت الآرامية “فكلم الكلدانيون الملك نبوخذ نصر بالآرامية” (دانيال 2: 4)، لكن ليس معنى الآية أن لغة شعب بابل كانت

الآرامية كما ذكرتُ، بل الآرامية كانت لغة نبوخذ نصر الآرامي والسحرة والعرافين اليهود فقط، والكتاب المقدس عندما ذكر اللغة الآرامية قارنها بالعبرية التي سَمَّاها يهودية، عندما طلب اليهود من ربشاقي قائد جيش سنحاريب ملك آشور الذي كانت لغته هي الآرامية أيضاً، فطلب منه اليهود أن يكلمهم بالآرامي “فقال الياقيم بن حلقيا وشبنة ويواخ لربشاقي كلم عبيدك بالآرامي لأننا نفهمه ولا تكلمنا باليهودي”. (2 ملوك 26:18، وإشعيا 11:36)، والدليل الآخر أن آلاف اليهود الذين سباهم نبوخذ نصر عندما عادوا إلى أورشليم، تكلموا اللغة الآرامية وليس غيرها، بل تعلموها بطلاقة بحيث تركوا لغتهم العبرية القديمة تماماً التي كانت قد ضعفت واضمحلت أصلاً منذ القرن الثامن قبل الميلاد، وأصبحت الآرامية (السريانية) لغتهم الرئيسة وكتبوا بها الترجوم وأدبهم، وعندما عاد اليهود المسبيين أرادوا إعادة بناء الهيكل، فمنعهم الملك الفارسي أرتحششتا (465–424 ق.م.) من ذلك، وكتب موظفو أرتحششتا في أورشليم رسالة له بالآرامية: كتب بشلام ومثرداث وطبئيل وسائر رفقائهم إلى أرتحششتا ملك فارس، وكتابة الرسالة مكتوبة بالآرامية ومترجمة بالآرامية (عز 4: 7) 17.

لهذا فقبيلة كلدة الآرامية لشهرتها وقوتها برز اسمها الخصوصي (كلدان) على حساب اسمها القومي الآرامي، وهذا أمر طبيعي في التاريخ خاصة مع القبائل الآرامية، حيث نجد أغلب الممالك الآرامية التي نشأت ومنها تلك التي قامت في جنوب بلاد النهرين سُمِّيت باسم قبائلها مثل، فقودو، بيث ياكيني، كمبولو، بيث شيلاني، وغيرها، وينطبق هذا الكلام أيضاً على الدولة البابلية الأولى التي اقترن اسمها بحمورابي لشهرته، حيث ترد في بعض المصادر دولة حمورابي، وبابل عاصمة حمورابي، وينطبق الأمر أيضاً على العصر الأشوري الحديث والأسرة السرجونية الآشورية الأخيرة (744-612 ق.م.) التي ترد في كثير من المصادر التاريخية باسم، الإمبراطورية السرجونية، بالرغم من أنها آشورية.

—————————————————————————————————————-

الهوامش

1: انظر على سبيل المثال قاموس المطران أوجين منا الكلداني، دليل الراغبين في لغة الآراميين، ص338. وللتفصيل أكثر، انظر كتابنا فصل: كلمة كلداني في الأدب السرياني تعني: هرطوقي، مُنجِّم، مجوسي، ساحر، مشعوذ، عَرَّاف، فتَّاح فال.

2: حامد عبد القادر، الأمم السامية، مصادر تاريخها وحضارتها، ص80. والمحيط الجامع، ص1031، كما اعتقد البعض أن كسديم هم الكاسيون (الكاشيون).

3: إسرائيل ولفنسون، تاريخ اللغات السامية، ص90-93.

4: البطريرك يعقوب الثالث، تاريخ الكنيسة السريانية الأنطاكية ج1 ص117. ليس بالضرورة أن سفر أيوب قد كتب بأبجدية اللغة العربية الحالية التي اقترضها العرب من السريان بعد الميلاد، بل ربما بأبجدية أخرى، أو نُظِّم بالعربية قولاً وكتب بالعبرية5: الكرملي، مجلة لغة العرب، أغسطس 1911م، ص53.

6: د. حلمي محروس، الشرقي العربي القديم وحضاراته، ص96. و د. رمضان عبد علي، الشرق الأدنى القديم وحضاراته، ص272.

7: الدكتور سامي سعيد الأحمد، المدخل إلى اللغات الجزرية، ص5-6.

8: علي أبو عساف، الآراميون، ص22. و د. موتكارت، تاريخ الشرق الأدنى القديم، ص348.

9: يُقسِّم المؤرخون سلالات بابل الإحدى عشرة إلى سلالتين، الأولى حمورابي، والثانية الكلدانية، وأحياناً إلى ثلاث أو أربع، إذ يختصرون السلالات (2–10) بواحدة أو اثنتين لأنها كانت ضعيفة، لذلك تُسَمَّى السلالة الكلدانية أحياناً بالثالثة أو الرابعة، لكن تسميتها بالحادية عشرة هو أدق.

10: طه باقر، مقدمة في تاريخ الفرات القديم، ص205.

11: موتكارت، تاريخ الشرق الأدنى القديم، إمبراطورية الكلدان، انتصار الآرامية، ص348. وأحمد سوسة، العرب واليهود في التاريخ، (الكلدانيون الآراميون)، ص209.

12: روبنس دوفال، تاريخ الأدب السرياني، ترجمة الأب لويس قصاب، ص22.

13: المطران سليمان الصائغ، تاريخ الموصل، ج2 ص6.

14: الأب يوسف حبي كنيسة المشرق الكلدانية-الأثورية، ص31، وانظر الخارطة في كتابه، مجامع كنيسة المشرق، ص7، وخرائط المطران أدّي شير والمطران سرهد جمو، وغيرهم، وكلها تُسَمِّي جنوب العراق، بيت الآراميين، وعن تسمية كل العراق، بيت الآراميين، انظر مثلاً، تاريخ برشينايا +1046م، ص69، 139. وما سيقوله المطران أوجين منا الكلداني، أنها حقيقة يجب الإقرار بها بإذعان.

15: المطران أوجين منا الكلداني، دليل الراغبين في لغة الآراميين، ص13-14.

16: المطران صليبا شمعون، الممالك الآرامية، ص136.

17: حسب سفر نحميا 7: 66، عدد العائدين من السبي (42360) عدا الذين بقي منهم في بابل لأنهم تأقلموا ودخلوا الحياة العامة كموظفين وعمال وغيرها.

وشكراً/ موفق نيسكو

تنويه: جميع المقالات المنشورة تمثل رأي كتابها فقط
Read our Privacy Policy by clicking here