هل من حلول عملية لمحنة قوى التيار الديمقراطي في العراق؟

كاظم حبيب

(الحلقة الأولى)

أثارت استقالة الزميل نبيل تومي الهواجس والاجتهادات حول العوامل الكامنة وراء تقديم هذه الاستقالة. في حينها كتبت تعليقاً قصيراً رجوت من قوى التيار الديمقراطي في بغداد دراسة هذه المسألة وعموم وضع التيار الديمقراطي في الداخل والخارج لتأمين تطور مناسب لقوى التيار الذي يعوَّل عليه الكثير في أوضاع العراق الراهنة. وقد كتب لي الزميل الأستاذ الدكتور قاسم حسين صالح رسالة جاء فيها ما يلي:

” تشخيصك صحيح جدا.. ينبغي إيصاله الى الحزب الشيوعي والقوى التقدمية ايضا. من اختصاصي كسيكولوجست اتساءل: هل هو الشعور بالإحباط واشاعة ثقافة التيئيس من كتاب تقدميين ومن واقع حال العراق الان.. هو الذي اوصل الصديق نبيل لهذا القرار.. وقد يكون العد التنازلي للقوى الماركسية والتقدمية والمدنية في العراق؟ هل هو ضعف.. تقصير.. فشل.. نواب هذه القوى في البرلمان؟ ” (الرسالة في أرشيفي الشخصي).

قبل هذا وذاك وصلتني رسالة موجهة لي وللزميلين جاسم المطير وزهير كاظم عبود من الزميل الأستاذ الدكتور تيسير عبد الجبار الآلوسي يرجو فيها المساعدة لمعالجة المشكلة المتفاقمة في عمل اللجنة التنسيقية للتيار الديمقراطي في هولندا. في حينه كنت قد أكدت بأن المشكلة يفترض أن تعالج في بغداد أولاً. وقد قرأت بعد ذلك حضور الزميل الدكتور أحمد إبراهيم إلى هولندا وحضوره اجتماعاً واسعاً لمعالجة المشكلة. ثم قرأت يوم أمس بياناً تضامنياً من مجموعة من المثقفين العراقيين العاملين ضمن قوى التيار الديمقراطي ومن المستقلين في هولندا يعلنون فيه انسحابهم من العمل في هذا المجال الحيوي والتطوعي. إن هذه الحالة وعموم ما حصل خلال السنوات الثلاث المنصرمة في إطار قوى التيار الديمقراطي، والتي كانت تشغل بال ونشاط اللجنة التي شاركت في تأسيسها تحت اسم “لجنة المبادرة لدعم وحدة القوى الديمقراطية العراقية” بالمشاركة مع الزملاء “تيسير الآلوسي، زهير كاظم عبود، نهاد القاضي، غيث التميمي، سلمى السدَّاوي، رابحة مجيد الناشئ، محمود سعيد الطائي، وكاترين ميخائيل وكاتب السطور”. وكان همَّ هذه اللجنة الدفع باتجاه إيجاد صيغة عملية لوحدة نضال قوى التيار الديمقراطي في هذه المرحلة الأكثر حراجة ومحنة وتأزماً من تاريخ العراق الحديث. ورغم أن اللجنة قد تم الترحيب بها من قبل الجميع لأن هدفها الوحيد هو الدفع باتجاه الاتفاق والعمل المشترك لقوى التيار الديمقراطي، فإنها عانت من اعتقاد لدى البعض بأننا ننوي احتلال موقع على حساب جهة أخرى، والذي لم يكن في بال أي زميل منّا.

سأحاول في هذه السلسلة من المقالات أن أشارك في طرح وجهة نظري بشأن الوضع في صفوف قوى التيار الديمقراطي

وفي الرسالة التي وجهتها اللجنة بتاريخ 29/10/2017 بمناسبة انعقاد مؤتمر “تقدم” جاء ما يلي:

“لقد تم تشكيل لجنة المبادرة المستقلة، وهي ليست بحزب أو منظمة، بهدف دعم جهود قوى التيار الديمقراطي وبقية القوى الديمقراطية والمستقلة والشخصيات الدينية العلمانية لتحقيق التعاون والتنسيق والتحالف فيما بينها لضمان السير على طريق تغيير واقع العراق الراهن. ويسعدنا تحقيق هذا التحالف الجديد، آملين أن يتم التعاون والتنسيق مع قوى أخرى يمكنها أن تكون مع “تقدم” وتلعب دوراً مهماً باتجاه تحقيق الدولة الديمقراطية العلمانية بالعراق. وسنبقى نعمل وندعم “تقدم” من أجل تحقيق هذا الهدف.” (راجع: كاظم حبيب، رسالة تحية وتهنئة موجهة إلى تحالف القوى الديمقراطية العراقية (تقدم) الحوار المتمدن، 30/10/2017).

سأحاول في عدة مقالات أن أطرح وجهة نظري الشخصية عن الأهمية والضرورة الملحة لتجميع وتعبئة قوى هذا التيار الديمقراطي لصالح تحقيق الأهداف المرجوة والمنشودة من الشعب العراقي أولاً، وكذلك الإجابة الواضحة عن الأسئلة المهمة التي وجهها لي الزميل الفاضل الدكتور قاسم حسين صالح ثانياً.

الواقع السياسي والاجتماعي في البلاد يشير إلى تفاقم المعركة السياسية والاجتماعية بين غالبية الشعب العراقي ومعها القوى والأحزاب والشخصيات الديمقراطية المستقلة والجماعات المتنورة والواعية بأهمية وضرورة فصل الدين عن الدولة والسياسة من جهة، وتلك القيادات في القوى والأحزاب الإسلامية السياسية الفاسدة التي تقود الحكم الطائفي الفاسد والمتخلف والتابع الحالي من جهة ثانية. وتصر القوى والأحزاب الإسلامية السياسية الحاكمة على مواصلة ذات السياسات الطائفية والفساد المالي والإداري الذي بدأت بممارسته منذ تسليمها الحكم في أعقاب إسقاط الدكتاتورية الغاشمة من قبل المحتل الأمريكي وبدعم مباشر من القيادة الإيرانية الطائفية والفاسدة حتى الآن. فالنظام السياسي الطائفي الفاسد القائم هو ليس النظام الذي يعبر عن إرادة الشعب ومصالحه الأساسية، فهو ليس نظام القوى السياسية الديمقراطية والشعب الذي جاء بحفنة من السراق وقطاع الطرق والمارقين الذين اثروا على حساب خزينة الدولة وأموال الشعب ونشروا الرذيلة والفتنة بالبلاد.

تتميز المعركة السياسية والاجتماعية الجارية بالقسوة والمرارة، وستكلف الكثير من التضحيات الغالية من بنات وأبناء الشعب وقواه الوطنية والديمقراطية النزيهة والمخلصة. ولهذا فخوض هذه المعركة يستوجب الاستعداد المتعدد الجوانب المستمر والمتطور لها من الجانبين النظري والعملي، والذي يمكن أن ألخصه بما يلي:

أولاً: الإمعان في التمييز ووضع الحدود ورفض التمييع والتشابك بين القوى السياسية الطائفية والفاسدة والتابعة الحاكمة من جهة، وبين القوى الديمقراطية والتقدمية والمتنورة الرافضة للطائفية ومحاصصاتها المذلة وللفساد والتبعية لإيران أو غيرها من الدول. إن مثل هذا التمييز الواضح في المواقع والأفكار والأهداف يسهم في تعبئة القوى النظيفة في المجتمع والواعية في مواجهة تلك الحفنة من النخب الإسلامية السياسية الحاكمة التي برهنت على أنها بلا ذمة وضمير أو أخلاقٍ في التعامل مع مصالح الشعب وهمها أولاً وأخيراً مصالحها الذاتية الضيقة والمحرمة قانوناً.

ثانياً: عدم السكوت عن خبايا النظام السياسي الطائفي والفاسد والتابع في جميع جوانب سياساته وإجراءاته المناهضة للحياة الديمقراطية والحريات العامة والمتعارضة مع أهم بنود الدستور العراقي، لاسيما في مجال حقوق الإنسان وحقوق القوميات وأتباع الديانات والمذاهب والاتجاهات الفكرية والفلسفية وحقوق المرأة والطفل على نحو خاص.

ثالثاً: اعتبار الفساد والطائفية من جهة، والإرهاب الفكري والسياسي من جهة أخرى، هما وجهان لعملة واحدة، وهو ما يتميز به النظام العراقي الراهن، ويزيده بؤساً وفاقة خضوعه للإرادة الإيرانية ومساومته المستمرة مع الولايات المتحدة مرة وإيران مرة أخرى.

رابعاً: إن القوى الديمقراطية العراقية بكل أحزابها وكتلها وتجمعاتها المدنية وشخصياتها الوطنية المستقلة تشكل تياراً سياسياً واجتماعياً مدنياً ديمقراطياً عريضاً وواسعاً في البلاد يسعى إلى بناء الدولة الديمقراطية والمجتمع المدني الديمقراطي، إنه يضم من الناحية الاجتماعية بقايا البرجوازية المتوسطة وفئات البرجوازية الصغيرة، ومنهم الكسبة والحرفيون وصغار المنتجين وصغار الموظفين، إضافة إلى الطلبة والمثقفين والعمال والفلاحين، علماً بأن جزءاً كبيراً من هذه القوى غير منظمة في أحزاب سياسية أو تنظيمات مهنية أو نقابات أو جمعيات مجتمع مدني، بل هم مستقلون ولكن لهم مصالح تلتقي مع مصالح القوى الديمقراطية العراقية.

خامساً: في مقالات لي طرحتها في الفترة الأولى من إسقاط الدكتاتورية طرحت شعاراً يؤكد الأهمية الفائقة لرفع شعار “قووا تنظيم الحركة الوطنية والديمقراطية تقوى وتتعزز تنظيمات احزابكم السياسية”، أي قلبت بمعنى معين شعار الرفيق

فهد الذي قال في أوائل وجود الحزب: قووا تنظيم حزبكم. قووا تنظيم الحركة الوطنية”. ومثل هذا الشعار ينسجم تماماً مع الحياة السياسية والمشكلات القائمة والصراعات المحتدمة. وهذا الأمر لا يزال قائماً ومطلوباً بإلحاح كبير.

سادساً: ومثل هذا التوجه الضروري يتطلب موقفاً شديد الوضوح والحساسية من جانب الحزب الشيوعي العراقي، باعتباره أكثر الأحزاب العراقية الوطنية عمراً وتجربة، إضافة إلى امتلاكه نظرية ومنهجاً تساعده على التحليل واستنتاج السياسات والحلول العملية والواقعية للمشكلات القائمة، من خلال إبراز وتنشيط وتشجيع القوى والأحزاب والحركات والكتل والشخصيات الديمقراطية في ثلاثة مجالات جوهرية هي:

1. في الائتلافات السياسية الانتخابية والتحالفات الجبهوية في الداخل والخارج.

2. في منظمات المجتمع المدني الديمقراطية في الداخل الخارج.

3. التعامل الواعي والديمقراطي في قبول أو رفض سياسات أو مواقف أو إجراءات الحزب في المجال الديمقراطي وإخضاعها الفعلي لمبدأ الأكثرية والأقلية.

إن هذا لا يعني بأي حال تخلي الحزب الشيوعي عن المشاركة أو تأمين مواقع عمل نافعة وضرورية لرفاق الحزب في تلك المجالات، بل أن يتم ذلك باختيار خيرة العناصر المتميزة بالاستقلالية والديمقراطية والمرونة المبدئية، وأن تكون الأكثرية للقوى الديمقراطية والمستقلة لضمان التعبئة الواسعة في وحول هذه المنظمات.

تشير أدبيات الحزب الشيوعي العراقي إلى أن قيادة الحزب تسعى لتحقيق ذلك. وهو ما كنا نطرحه في السابق أيضاً. ولكن تجربتي الطويلة في السابق، بما في ذلك مسؤوليتي عن تنظيمات الخارج في النصف الثاني من العقد التاسع من القرن العشرين ومعاينتي للواقع على صعيدي الداخل والخارج سابقاً وحالياً، لاسيما الخارج، تشير إلى وجود أشخاص على رأس منظمات الحزب أو قيادة الخارج، أو بعض الشيوعيين والشيوعيات العاملين في التنظيمات الديمقراطية، يتعاملون بغلظة وتشدد، أي بصيغة أخرى غير صيغة الدماثة وصيغة التعامل الأخوية المطلوبة التي قيل لي من أكثر من رفيق قيادي في الحزب أنهم يبشرون بها ويروجون لها، وهو أمر يؤكده الكثير من الأشخاص وتؤكده وقائع الحصاد الراهن التي تشير إلى استمرار وجود هذه الظاهرة السلبية أيضاً.

لا بد هنا من الإشارة إلى أن القوى الأخرى أو الديمقراطيين المستقلين ليسوا كلهم ملائكة أو بدون أخطاء أو بدون حساسية إزاء الحزب الشيوعي العراقي، لاسيما أن جمهرة منهم كانوا في السابق أعضاء في الحزب الشيوعي العراقي.

التتمة في الحلقات القادمة

تنويه: جميع المقالات المنشورة تمثل رأي كتابها فقط
Read our Privacy Policy by clicking here