هل من حلول عملية لمحنة قوى التيار الديمقراطي في العراق؟الحلقة الثانية

كاظم حبيب

الحلقة الثانية

أسعى في هذه الحلقة إلى طرح رأيي الشخصي بشأن بعض مشكلات قوى التيار الديمقراطي العراقي، من خلال الإجابة عن الأسئلة التي وجهها الزميل الدكتور قاسم حسين صالح.

1) هل هو الشعور بالإحباط واشاعة ثقافة التيئيس من كتاب تقدميين ومن واقع حال العراق الان.. هو الذي اوصل الصديق نبيل لهذا القرار.. ؟

إن التخلي عن السياسة ورفع قبعة الاستسلام أمام واقع معين يعتبر من العمليات الإنسانية المعقدة والمديدة التي لا يُتخذ بشأنها قرار سريع ومفاجئ من جانب هذا المناضل السياسي الديمقراطي أو الشيوعي أو ذاك، كما إنه يختلف من حالة إلى أخرى، فلا يخضع لعامل واحد لدى الجميع، بل يعود لعوامل عدة ومتنوعة ومتباينة. إذ يمكن أن يكون التخلي عن النشاط السياسي ناجم عن إحباط عام من الوضع السياسي القائم في العراق، حيث يرى هذا الشخص أو ذاك فيه نفقاً طويلاً مظلماً دون أن يرى نقطة ضوء في نهايته. كما يمكن أن يعود السبب إلى خلل عام ومديد في العلاقات الإنسانية بين القوى العاملة في الحقل السياسي في هذا الحزب أو ذاك، أو في هذا التحالف أو ذاك، أو نشوء شعور بالمرارة من منافسات غير عقلانية وغير موضوعية في عمل يقوم أساساً على التطوع والاختيار الذاتي لصالح الشأن العام. كما يمكن أن تكون هناك عوامل شخصية كالصحة أو الوضع العائلي، أو أن تكون من عوامل متداخلة ومركبة من بعض أو كل العوامل المذكورة سابقاً …الخ.

هناك العديد من الدلائل التي تشير إلى وجود أجواء غير سليمة ليست جديدة في صفوف الحركة الديمقراطية العراقية وبين أطرافها وفي تحالفاتها السياسية. كما أن هناك شعوراً بالاستعلاء والمنافسة والمناكدة والهيمنة والمزاجية من بعضها إزاء البعض الآخر. إن بروز مثل هذه المشاعر هي التي يمكن أن تقود هذا المناضل أو ذاك إلى الإحساس بالعجز عن مواجهة مثل هذه الأجواء، أو أنه غير قادر وغير مرغم عليها، فيرى أن من الأفضل له أن يترك الساحة السياسية لمن يحاول الحلول محله أو إبعاده. هناك من يتخلى عن السياسة كلية أو عن موقع معين ويواصل العمل السياسي العام دون التزامات مع قوى بعينها. لا يمكن القول بوجود إحباط عام في مجمل الحركة الديمقراطية العراقية، ولكن هناك شعور بوجود عقبات جدية على طريق التفاهم والتفاعل والتضامن والسير المشترك، رغم ضعف الحركة في المرحلة الراهنة وحاجتها لذلك، ناتجة عن وجود خلافات ناشئة عن تباين في المواقف والسياسية إزاء الوضع السائد في العراق وإزاء العملية السياسية الجارية وإزاء التحالفات السياسية القائمة. فإنهاء وجود “تقدم” أدى عملياً، من خلال نشوء تحالف جديد للحزب الشيوعي العراقي مع حركة التيار الصدري الإسلامية السياسية في “سائرون”، إلى حصول شرخ مؤذٍ في صفوف الحركة الديمقراطية العراقية الضعيفة أصلاً، وعمق الاختلاف والتباعد فيما بين هذه القوى. من نافل القول الإشارة إلى أن كل الأحزاب والقوى السياسية، ومنها الحزب الشيوعي العراقي، تمتلك الحق في التحالف مع من تشاء من القوى والأحزاب السياسية، ولكن من الصواب والحق أيضاً أن ينتبه كل حزب إلى الحلفاء الموضوعيين الذين يتناغمون مع أهدافه القريبة والبعيدة أولاً، ومدى تأثير التحالف الجديد على علاقاته وتحالفاته الأخرى وعلى مجمل عمل الحركة الديمقراطية العراقية. واعتقد بأن الجميع قد عاش الفوضى والارتباك اللذين سادا في صفوف الحركة الديمقراطية والصراعات التي برزت بسبب تلك الخطوة، سواء أكان ذلك في صفوف الحزب الشيوعي، أم في صفوف مجمل الحركة الديمقراطية العراقية وتأثيرها الفعلي السلبي على علاقات ونشاط أطراف هذه الحركة.

لقد مرّت الحركة السياسية العراقية بتجربة الدخول في تحالفين في الثمانينيات من القرن الماضي حين دخل الحزب الشيوعي في تحالفين في آن واحد مع “جوقد” في سوريا، ومع “جود” في كردستان العراق، الأول ساهم فيه الاتحاد الوطني الكردستاني، والثاني اشترك فيه الحزب الديمقراطي الكردستاني، وكلا الحزبين كانا في صراع وقتال فعلي حين عُقدت هاتان الجبهتان، وكانت لهما عواقب شديدة الأذى على الحزب الشيوعي ذاته، قبل غيره. لا شك في وجود فارق بين تلك الفترة وهذه الفترة وحتى بين القوى المشاركة، ولكنها تبقى تجربة غنية كان من الضروري الاستفادة من دروسها.

لقد بذلت القوى الديمقراطية جهوداً كبيرةً ومضنيةً حتى تحقق لها تشكيل “تقدم” في عام 2017. ولم تمض فترة طويلة على ذلك حتى دخل الحزب الشيوعي العراقي في تحالف مع التيار الصدري الإسلامي السياسي، متخلياً عملياً عن “تقدم” التي تفككت وغاب اسمها عن الساحة السياسية العراقية وخسرت هذه القوى جهوداً كبيرة ولسنوات عدة، لا تزال الحركة الديمقراطية في الداخل والخارج تعاني منها.

هذا التحالف الذي حصل في الداخل انعكس بشكل سلبي حاد على واقع وعمل تنسيقيات التيار الديمقراطي العراقي في الخارج، التي كانت قد تشكلت قبل ذاك، ومن ثم تعززت في فترة عمل “تقدم” للقوى والأحزاب الديمقراطية وعقدت مؤتمراتها ووضعت برامج لتنسيقياتها. فقد دخل إليها العطب النسبي والاختلاف في الرؤية السياسية وفي أساليب العمل وأدواته وشخوصه بين حزب التيار الاجتماعي الديمقراطي وجماعات وشخصيات ديمقراطية مستقلة من جهة، وتنظيمات الحزب الشيوعي العراقي والقوى الديمقراطية والشخصيات المستقلة المؤيدة له والمتعاونة معه من جهة ثانية. وفي هذا الإطار نشأ نوع من الصراع بين الأجندات العملية وما نشأ عنها من مماحكات ومناكدات وحتى منافسات لا تزال مستمرة ومنغصة. ومع إن مثل هذه الأجواء غير مرغوب بها بأي حال، ولكن الواقع يشير إلى وجودها ودورها السلبي وتأثيرها على مجمل عمل التنسيقيات في الخارج، حتى أدى الوضع في الفترة الأخيرة إلى استقالات وبيانات تضامن ورسائل وإساءات متبادلة لا يجوز أن تبرز بين قوى تقف في معسكر واحد رغم الاختلافات القائمة في رؤاها السياسية.

منذ ما يزيد على عام يبذل الحزب الشيوعي العراقي محاولات حثيثة لرأب الصدع من خلال تشكيل تحالفات لقوى ديمقراطية أخرى، إلا إنها لا تزال ضعيفة وشكلية رغم ضرورتها، لأن قوى أخرى تريد ضمانات لكي لا يحصل معها ما حصل قبل ذاك مع “تقدم”، لاسيما وأن الحزب الشيوعي ما زال مع “سائرون” في تحالف سياسي معقد. ولا بد من الإشارة إلى أن تحالف “سائرون” لم يقدم للشعب البديل المناسب القادر على التعبئة الضرورية، كما لم يلعب دوره في تنفيذ ما التزمت به قوى “سائرون” في محاربة الطائفية ومحاصصاتها المذلة والفساد السائد في العراق وتبعية العراق للخارج، بل هناك من الدلائل ما يشير إلى تورط العديد من أطراف “سائرون”، ما عدا الحزب الشيوعي، في معمعان الطائفية والفساد والمحاصصة في الدولة العراقية، إضافة إلى احتلال “سائرون” المئات من الوظائف المدنية المهمة التي أنيطت بهم على أساس المحاصصة الطائفية، والتي لم يتلوث بها الحزب الشيوعي حتى الآن، إضافة إلى وجود ميليشيا مسلحة لدى التيار الصدري الذي يقود “سائرون” باسم “سرايا السلام” التي تشكل جزءاً من الحشد الشعبي. وفي هذا الحشد الشعبي تؤمن غالبية الميليشيات الطائفية المسلحة وقياداتها بولاية الفقيه الإيراني، ويعتبر قائدها الأعلى، وتأخذ الفتاوى والأوامر منه وليس من رئيس الوزراء العراقي والقائد العام للقوات المسلحة. كما لم يعد بإمكان القوى الديمقراطية العاملة في سائرون توجيه أي نقد لـقائد سائرون الفعلي “مقتدى الصدر” حين يكون النقد موضوعياً وضرورياً.

حين تنشأ مشكلات في صفوف الحركة الديمقراطية العراقية ينبغي أن نتوجه بدراسة طبيعة تلك المشكلات والعوامل التي تسببت بها وسبل معالجتها بعيداً عن التشنجات والتوترات والإساءات، إذ من تسيء له اليوم لا بد ستعمل معه غداً لأن الجميع في موقع واحد وليس في موقعين، وحين ذاك يصعب عليك الدفاع عنه، إذ أن المصداقية ستسقط أمام الناس.

أؤكد مرة أخرى بأن على قيادات القوى والأحزاب الديمقراطية في العراق أن تعقد لقاءات مكثفة وعاجلة لمعالجة الوضع الراهن لكي لا تحصل تداعيات إضافية فتتساقط التنسيقيات كقطع الدومينو التي لا يريد ولا يرغب أي منا حصولها. إن

استقالة الزميل نبيل تومي، بغض النظر عن العوامل التي كانت وراءها، أثارت مشكلة كانت وما تزال تعاني منها الحركة الديمقراطية العراقية وتستوجب الدراسة والمعالجة ولهذا يمكن القول “رب ضارة نافعة”! وهي موضوع الحلقة الثالثة.

يتبع

تنويه: جميع المقالات المنشورة تمثل رأي كتابها فقط
Read our Privacy Policy by clicking here