ترجمة نص الحوار الذي اجرته مع زريان كريمي مراسلة مجلة فراتاب التي تصدر في طهران باللغة الفارسية

الكورد الفيليون كالرياح بلا ارض ومأوى

مرة بذريعة الانتماء القومي واخرى بحجة المذهب الشيعي وثالثة باتهام اصول ايرانية ذاقو مرارة التغييب و التهجير القسري ونهب الاموال وبالتالي الانفلة والابادة الجماعية ، نعم انهم الكورد الفيليون.

فراتاب – فريق العمل الدولي:
في عام 1980 كمئات الالاف من الكورد الفيليين تم اعتقالي مع والدتي وشقيقي الاصغر باتهام اصول ايرانية رغم امتلاكنا الاوراق الثبوتية لي ولوالدي وجدي، بعد قضاء اكثر من شهر في السجون تم تهجير والدتي وشقيقي الى ايران وابقوني في السجن، بعد مرور اكثر من شهرين قضيته في سجن ابو غريب تم تهجيري الى ايران ايضا.
وصلت ايران ومازلت من دون بصيص امل وكأنما تم تغيير مكان زنزانتي من العراق الى ايران وذلك لانني وحيد ولم اعرف شيئا عن مصير الدتي وشقيقي في دولة كبيرة المساحة مثل ايران وكيف سأعثر عليهما.
في احد الايام وعندما كنت اتجول في احد شوارع مدينة قصر شيرين كالمجنون ، التقيت رجل كان جيراننا في بغداد، بعد تبادل التحية قال حمدا لله التقيتك هنا، تسرعت بالسؤال لم؟ هل من مستجد؟ قال نعم التقيت والدتك و شقيقك في مخيم ازنا للمهجرين الواقع في محافظة لرستان، هنا شعرت بامل كبير وارتياح لايوصف، ولكن فرحتي لم تدم الا دقائق عندما تذكرت بانني لا املك مبلغا للسفر الى ازنا لان عناصر الامن الصدامي سرقوا كل مافي جيوبنا ومن ثم كيف اذهب الى ازنا وانا لا اتحدث الفارسية مطلقا الا بعض المفردات المشتركة مع لغتي الكوردية ، شعرت كأن الدنيا اصبحت ظلماء بوجهي وبدأت اتنفس بصعوبة من مرارة الموقف.
كنت اخجل اطلب مبلغا من المهجرين الاخرين لانني كنت اعرف ظروفهم واكثرهم فقدوا ممتلكاتهم ، بعد مرور ايام تمكنت من استقراض مبلغ مئة تومان من صاحب محل ايراني التي كانت تعادل انذاك خمسة دنانير عراقية، سافرت بشق الانفس الى ازنا.
عندما التقيت والدتي بعد مرور حوالي اربعة اشهر ضاق صدرها وفقدت الوعي ، انتابني خوفا كبيرا و قلت مع نفسي انها فارقت الحياة،تجمع المهجرين حولنا واتو بقليل من الماء وسكبوه على وجهها بعد دقائق فتحت عينيها من دون كلام ، بعد افاقتها ظلت تبكي لمدة يومين لانها لم تكن تصدق انها ستراني ثانية .الشائعات المنتشرة كانت تقول بان جميع الشباب المعتقلين قد تمت تصفيتهم ، وكانت تردد كل ساعة هذه الجملة (مستحيل ان تكون انت جواد ، لان جواد اعدم قبل شهرين).
هذه قصة مؤلمة من الاف القصص اثناء انفلة الكورد الفيليين على يد نظام البعث بهذه التراجيديا بدأنا حوارنا مع الكاتب والصحفي جواد ملكشاهي واليكم نص الحوار
السيد ملكشاهي حبذا لو تتحدث لنا باختصار عن تأريخ الكورد الفيليين والظلم والاضطهاد الذي تعرضا له خلال سنوات سلطة البعث في العراق؟
-جواد ملكشاهي :لو اردنا تصفح تاريخ الكورد الفيليين علينا ان نرجع لتأريخ الشعب الكوردي في منطقة الشرق الاوسط لان تأريخ الفيليين هو جزء من ذلك التأريخ العريق والحضارة الكوردية ولكن بخصوصية ثقافية ومذهبية واجتماعية مميزة، بالنظر للمواقع الاثرية التي اكتشفت من قبل المستشرقين يمكن القول ان تأريخ الكورد الفيليين يعود الى ثلاثة الاف عام قبل الميلاد وانهم جزء من الاقوام الايلامية مثل الكاشيين الذين حكموا المناطق الحدودية في جهتي حدود الدولتين الايرانية والعراقية الحاليتين وكان لهم دور مهم جدا في جميع احداث المنطقة وان ولاتهم حكموا ايلام وحتى العراق ولضيق الوقت لايمكن ذكر تفاصيلها.
في الجانب العراقي يعد الكورد الفيليون من الشعوب الاصيلة العريقة التي سكنت شرق دجلة قبل الاف السنين وحتى قبل العرب الذين يعدون انفسهم حاليا مالكي تلك المناطق.
الكورد الفيليون منتشرون في بغداد العاصمة و كركوك مرورا بمناطق (كرميان) ومدن خانقين ومندلي وبدره وجصان وزرباطية وجلولاء وسعدية ومناطق اخرى من محافظة ديالى الى اقصى مناطق جنوب العراق.
وفي ايران ينتشر الكورد الفيليون في قصر شيرين وسربيل ذهاب والمدن الاخرى التابعة لمحافظتي كرماشان وايلام وصولا الى مناطق من محافظتي خوزستان وجهارمحال و بختياري.
كما تعلمون قبل تأسيس الدولة العراقية الحالية كانت هناك امبراطوريتين الصفوية في ايران والعثمانية في تركيا اللتان كانتا تحكمان المنطقة وبعد توقيع اتفاقية سايكس بيكو تم انشاء الدولة العراقية والحق به جزء من ارض كوردستان الكبرى التي كانت تعرف انذاك بولايتي الموصل وشهرزور وتم رسم خارطة سياسية جديدة في المنطقة.
في ذلك الحين كان الكورد الفيليون يسكنون الاراضي بين الامبراطوريتين الصفوية والعثمانية وتحصيل حاصل عند رسم الخارطة الجديدة قسمت اراضيهم بين ايران والعراق الجديد.
في العراق كان للكورد الفيليين دورا رياديا ومهما في التأريخ السياسي والجوانب الاقتصادية والثقافية والاجتماعية، وكان لهم اسهام كبير في تأسيس غالبية الاحزاب السياسية والعراقية وبالاخص الحزب الديمقراطي الكوردستاني(العراق) فضلا على تأسيس الحزب الشيوعي العراقي واحزاب اخرى يسارية وعلمانية وكان ذلك احد الاسباب الرئيسة لقيام الاحزاب القومية والشوفينية العربية بممارسة سياسة الظلم والاضطهاد ضد الكورد الفيليين، اي ان الكورد الفيليين وقعوا ضحية للحقد القومي الشوفيني العربي والمذهبي للنظم التي توالت على حكم العراق.

فراتاب: هل من الممكن ان ترسموا لنا جغرافية محددة لأنتشارالكورد الفيليين في الوقت الحالي؟
جواد ملكشاهي : يمكن القول ان الكورد الفيليين يسكنون في مدن كوردستان الكبيرة وبالاخص في السليمانية واربيل واعداد قليلة في دهوك ، ولكن كثافتهم السكانية تتمركز في مناطق(گرميان) وبالاخص في خانقين ومندلي وبدره وجصان وزرباطية واغلب المدن في وسط وجنوب العراق كمحافظات واسط وبابل والكوفة فضلا على العاصمة بغداد ومدن محافظات العمارة والناصرية والبصرة, ولكن بسبب السياسات العنصرية التي اتبعها النظام البعثي خلال سطوته على السلطة في العراق قل نفوس الكورد الفيليين في العراق قياسا للسنوات التي سبقت وصول البعثيين للسطة.
وبالرغم من كل ذلك ماتزال هذه الشريحة لها دور فاعل وكبير في الجوانب السياسية والاقتصادية والاجتماعية، هنا ينبغي ان نشير الى نقطة اخرى ان الكثير من الكورد الفيليين الساكنين في المحافظات العربية الجنوبية قد فقدوا هويتهم القومية الكوردية ولغتهم وثقافتهم وتم تعريبهم بالكامل نتيجة للسياسات الاجرامية لنظام البعث ضد الكورد واتباع المذهب الشيعي
فراتاب : هل اثر التهجير القسري على انتماءات الكورد الفيليين؟

جواد ملكشاهي : ان اهم انتماء للكورد الفيليين هو الانتماء القومي، ينبغي الا ننسى ان المؤتمر التأسيسي الاول للحزب الديمقراطي الكوردستاني عقد في دار احد الشخصيات الكوردية الفيلية في بغداد بشكل سري وبعيدا عن عيون السلطة آنذاك وكان للكورد الفيليين دور مهم في تأسيس البارتي والاحزاب الكوردية الاخرى وكان من بين ابناء هذه الشريحة عشرات الكوادر القيادية والكوادر النشطة وخريجي الجامعات واصحاب الشهادات العليا، المئات من ابناء الفيليين ساهموا في النضال التحرري الكوردستاني واستشهد واصيب العشرات منهم في جبهات القتال ، كما ساهم الكورد الفيليون في تأسيس الاحزاب اليسارية والاسلامية الشيعية.
السبب الاخر لضغوطات الانظمة الشوفينية الحاكمة في العراق ضد الكورد الفيليين هو العامل الاقتصادي، بعد عمليات تهجير اليهود العراقيين التي بدأت نهاية اربعينيات القرن الماضي والذين كانوا مسيطرين على عصب الاقتصاد والسوق العراقي، ملأ الكورد الفيليين هذا الفراغ بسرعة وسيطرو على السوق والاقتصاد وهذا ما اغاض السلطات آنذاك وتسبب في خلق هاجس كبير لديهم.
والعامل الثالث لمعادات الكورد الفيليين كان العامل المذهبي باعتبارهم من اتباع المذهب الشيعي ، لتلك العوامل الرئيسة اشتدت الضغوطات على الكورد الفيليين وتعرضوا للتهجير القسري ونهب الممتلكات وغيب الالاف من شبابهم وآخرها كان في بداية عام 1980 قبل اشهر من بدء الحرب العراقية الايرانية عندما تم تهجير اكثر من نصف مليون كوردي فيلي الى ايران بحجة التبعية الايرانية، حيث تم حجز الشباب وسوق النساء والاطفال والشيوخ نحو الحدود الايرانية بعد نهب جميع ممتلكاتهم، بقي اكثر من عشرين الف شاب في زنزانات البعث الرهيبة وتمت تصفيتهم فيما بعد في مختبرات الاسلحة الكيماوية والبايولوجية المحرمة دوليا ولحد الساعة لم يعثر على رفاتهم وهم مغيبون.
مع وجود كل تلك الجرائم البشعة مايزال الكورد الفيليون متمسكين بانتمائهم القومي والمذهبي.

فراتاب : كيف تنظرون الى تعدد الاديان والمذاهب والاقوام في المجتمع الكوردستاني وتأثيره على الكورد الفيليين؟

جواد ملكشاهي: المجتمع الكوردستاني من اساسه هو متعدد القوميات والاديان والمذاهب والطوائف، في بعض المناطق الكوردية يتعايش الكوردي المسلم مع اليهودي والمسيحي والارمني والشيعي والسني والايزيدي والكورد والعرب والتركمان وكل هذه الالوان متعايشين معا بشكل سلمي كالاشقاء وفي اغلب الاحيان المشاعر القومية متغلبة على الجانب الديني والمذهبي وفي حال وجود اية مشكلة او خلاف يجلس الجميع معا ويضعون الحلول لمشاكلهم والجميع يقفون صفا واحدا عندما يتعرض الاقليم لخطر معين و وقوف الجميع معا بوجه الارهاب الداعشي خير مثال على تلك الوحدة الوطنية ، ومن هذا المنطلق الكورد الفيليين لايقيمون اشقائهم على اساس الدين والمذهب ، والان يعيش ابناء هذه الشريحة كأي مواطن في الاقليم من دون اية مشاكل، لهم حقوق وعليهم واجبات و يؤدون طقوسهم المذهبية بحرية تامة، ونظرا لهذه الميزات يعد اقليم كوردستان اقليما للتعايش السلمي ويحظى بدعم وتأييد العالم الحر

فراتاب :كيف تنظر لمستقبل الكورد الفيليين في العراق؟

لا شك في ان اي مكسب للكورد في اي جزء من الاجزاء سيكون لصالح الامة الكوردية في المنطقة برمتها والكورد الفيليون ليسوا مستثنين من هذه القاعدة.
لكن من الضروري هنا ان اشير الى نقطة مهمة وهي ان الكورد الفيليين في بغداد ومناطق الوسط والجنوب يعيشون مع اخوانهم العرب وبسبب عدم وجود مدارس كوردية في تلك المناطق وترويج اللغة والثقافة العربية فيها تم مسخ اللغة والثقافة الكوردية للجيل الجديد في تلك المناطق ويعد هذا دق ناقوس الخطر لابناء هذه الشريحة من الشعب الكوردي.
من جانب آخر اعتقد ان بعض القوى السياسية الشوفينية والعنصرية العربية الحالية قد اعدت مخططا او برنامجا لمسخ الهوية والثقافة الكوردية في تلك المناطق وللاسف يستغلون البعض من الكورد الفيليين لتمرير مخططهم، على سبيل المثال هناك مقالات ومنشورات مشبوهه تكتب من قبل بعض الكورد الفيليين على مواقع التواصل الاجتماعي تصب في التعاون لتنفيذ ذلك المخطط ، منهم من يدعي بان الكورد الفيليين ليسوا كوردا بل امة لوحدها ، الاخر يسميه مكون ليفصله عن القومية الام ومنهم من يدعي انهم من اللر الذين يعدون ايضا جزء من القومية الكوردية والبعض الاخر يحاول ان يعطي نسب السادة على بعض العشائر الكوردية الفيلية ليلمح بانهم عربا وليسوا كوردا وهناك من يسعى متعمدا ان يجر الشباب من الكورد الفيليين للسجالات والنقاشات الطائفية والمذهبية ليبعدوهم عن قضيتهم القومية التي تحدد مصيرهم في العراق والمنطقة

فراتاب : ماهي طبيعة العلاقة بين الكورد الفيليين وحكومة اقليم كوردستان وقياداته المؤثرة وبالاخص مع مسعود بارزاني ؟

جواد ملكشاهي : بكل جرأة يمكنني القول ان العائلة البارزانية هي من بنت اللبنة الاولى للنضال التحرري الكوردستاني المعاصر في العراق وتهد الركيزة الاساس لها، واجزم بأن الحركات والثورات الكوردية التي انطلقت بعد الحرب العالمية الثانية من دون مساهمة البارزانيين فيها قد فشلت و ذهبت تضحياتها ادراج الرياح لذلك خلال العقود الماضية والى وقتنا الحاضر كان النضال التحرري المتواصل للبارزانيين هو حجر الزاوية في النضال القومي لشعب كوردستان، واليوم القوى العالمية الكبرى عندما تسعى لحل مشاكل الشرق الاوسط تستمع لمشورة ونصيحة قيادة الحزب الديمقراطي الكوردستاني وعلى رأسها الرئيس مسعود بارزاني ، لذلك قيادة حكومة اقليم كوردستان و الرئيس مسعود بارزاني لهم مكانة خاصة في قلوب الكورد الفيليين الملتزمين بنهج الكوردايتي والمبادىء القومية الاصيلة.
الكاتب والصحفي جواد ملكشاهي شكرا لكم على اتاحة الفرصة والاجابة على اسئلتنا.
بدوري اشكركم على جهودكم لأجراء هذا الحوار والقاء الضوء على مختلف الجوانب التي تخص شريحة الكورد الفيليين.

جواد الفيلي

تنويه: جميع المقالات المنشورة تمثل رأي كتابها فقط
,
Read our Privacy Policy by clicking here