وحدة قوى التيار الديمقراطي هل من مرتجى؟

فرات المحسن

لا ريب أن الدعوات التي انطلقت من بعض الأساتذة لتلافي الصدع الذي أصاب بعض قوى التيار الديمقراطي وبالذات إثر ما حدث في بعض تنسيقياته، تعد محاولات لتلمس الطرق الناجعة للملمة ما يمكن لملمته لصالح قوى كان وما زال وجودها ضروريًا في الساحة العراقية داخليا وخارجيا. وقد انطوت تلك الدعوات على حسن نوايا واضحة ورغبة حقيقية لسبر غور الأحداث ووضع بعض حلول أو مقترحات لإنقاذ ما يمكن إنقاذه، رغم عدم وجود الدراية لدى البعض منهم بحقيقة الأحداث ومسبباتها.

أعتقد بل أجزم بأن ما حدث يشكل بطبيعته مؤشر لتصدع كبير شارك في بلورته وتصعيده، قوى وشخصيات داخل التيار ذاته، ولم يكن وليد هذه الأيام، بقدر ما كان كامنا داخل الهياكل والبناء ومسير القوى والشخصيات التي تبنت تأسيس التيار الديمقراطي، وأخذت على عاتقها العمل على بلورة هيكلته على وفق شعارات كان بعضها بعيد كل البعد عن الواقع، وهذا ما ساد في النهاية. فكان هناك ميل ظاهر لإطلاق أحكام تعميمية شخصية تبحث عن أدوار بطولية قبل أي شيء آخر. وبدا أن هذه الشخصيات والقوى المشاركة بالعمل داخل التنسيقيات معبأة تماما بأفكار نخبوية أنانية أدت بالنتيجة لتفاقم الخلافات. وفي اعتقادي أن هذا يمثل توجهات وأفكار اقصائية تدميرية قريبة من المرض المزمن. وهذه الأمراض سبق وأن أصيبت بها القوى الوطنية خلال فترة معارضتها لحكم الطاغية صدام، واستفحل أمرها بعد سقوط الدكتاتورية وانشطار وتنازع القوى والفعاليات السياسية واستفحال الصراعات الثانوية على حساب المشتركات. ففي نفس الوقت الذي كنا نحاول إسقاط جل العيوب على مسبب واحد هو حكم صدام، كنا نجد ذلك سلوكا سويا ومريحا يبعد عنا اكتشاف سوءاتنا وعيوبنا وتشتتنا، ونمو قدراتنا على التعالي وافتعال الخصومة والنفرة واستسهال الطعون. هذه الأمراض المهلكة انتقلت وتوارثها البعض، وكانت أسبابا يمكن تشخيصها ونبذها لو وضعنا أمام أعيننا حقائق ووقائع ورغبات صادقة في تشكيل تيار وطني بعيدا عن التشوهات والرطانة الفارغة والنخبوية ومحاولات الاستئثار والاستحواذ.ولكن تلك الأمراض وصلت في بعضها لحدود العدوانية والتدمير، وحدث الكثير منها داخل أوساط القوى الديمقراطية وأيضا داخل الحزب، وباتت اليوم تشكل اللوحة الظاهرة لمشهد التشتت والنزاع. وأستطيع القول بان هذه العيوب والنزوات رحلت إلى القوى المدنية الوطنية داخل الوطن أيضا لترتفع معها مؤشرات الخصومة والشعور بالإجحاف والغبن، وبسببها يوجه البعض سهام اللوم والتبخيس الرخيص لمن بقى داخل الوطن ولم يستطع اللحاق بالمعارضة. وبالعكس هناك من يتنازع ويوسم معارضة الخارج بمختلف التشوهات ويوجه لها الطعون. هذا الانشطار بات يشكل واحدا من إشكالية كبيرة في الجهود المبذولة لصياغة وحدة التيار الديمقراطي.

من كل ما تقدم ظهرت نتائج بعيدة كل البعد عن الأسس التي تشكل وفقها التيار الديمقراطي، والذي كان الهاجس الأول والضروري لتأسيسه خارج العراق وحسب ظني ووفق مسعاي في بدأ انتمائي، ومعي العديد من الزملاء. التضامن مع القوى والشخصيات العلمانية الوطنية داخل العراق أولا، والدعوة لرص الصفوف والتهيئة للانتخابات، ومن ثم السعي لبناء لوبي ديمقراطي وطني علماني في بلدان الشتات يساعد على مخاطبة الهيئات الدولية والأحزاب في تلك بلدان ، للقيام بدور فاعل لمساعدة العراق على إنضاج تجربته الديمقراطية والحث على تبني الخيار الحضاري وتغذية تجربة الحكم بإنجاح مسيرة تداول السلطة والقبول بالأخر وبناء السلطة ديمقراطيًا. كذلك لغرض طلب مساعدة جميع تلك الهيئات الدولية وحثها على مفاتحة السلطة في العراق ومراقبتها والضغط عليها إن تطلب الأمر،للابتعاد عن السلوك الجانح ونبذ سياسة الإقصاء والتخلي عن بدائية الطرق والعلاجات السياسية والاقتصادية، والعمل على تهذيب الوعي المجتمعي. وبموازاة كل هذا السعي للمشاركة في الانتخابات الديمقراطية وبذل الجهود لإيجاد موطئ قدم مؤثر للقوى الوطنية العلمانية الديمقراطية داخل البرلمان العراقي.

ومع هزال السلطة والاعتداءات المتكررة والفجة على القانون والتي تمارس من قبل الأحزاب والمليشيات ومن المواطن العادي أيضا، وشيوع عمليات الاحتيال والخداع وتفشي المخدرات وسوء الخدمات وتدني التعليم والبيئة والصحة، وغياب الانتماء الوطني وتهشم المشترك الذي يخدم جميع أبناء الشعب دون إقصاء، وتفجر للعدوانية عبر استباحة وسرقة الممتلكات العامة والخاصة وضعف الملاحقة القانونية وانتشار السلاح المنفلت. كل ذلك ينذر دون شك بمستقبل صعب هلامي يحمل بين طياته مظاهر نذر شؤم يمكن لها أن تفجر العنف والصراعات الدموية، على خلفية تلك العلاقات المشوهة والاضطهادية الضاغطة والمستشرية والبعيدة كل البعد عن اهتمام السلطة، بل لا تولي تلك الظواهر اهتماما حقيقيا بقدر اهتمام أطرافها بتقاسم السلطة وترسيخ مبدأ المحاصصة وهذا لوحده يجعلها بعيدة عن وضع استراتيجيات حكيمة لعلاجات مثلى توقف التداعيات وتحجمها وتتفادى انفجار الصراعات .

كل ذلك كان حافزا ولازال للقوى والشخصيات الديمقراطية وفي مقدمتها الحزب الشيوعي لتبني خيار تشكيل التيار الديمقراطي. وأنا هنا لا أذيع سرًا وأقول بشكل جلي، إن الحزب الشيوعي كان المحفز الرئيسي لتبني ذلك الخيار، وكان صاحب الفكرة والأكثر والأبرز شأوا في العمل لأجل هذا، وحشد قواه ودفع أعضائه للمشاركة في تأسيس التنظيم.

كان الدافع الرئيسي والحقيقي لتشكيل التيار الوطني قد جاء وفق غاية ليس بعيدة عن الحشد والإعداد لخوض انتخابات عام 2014 والرغبة في أن يلعب هذا التيار دور داعم (( للتحالف المدني الديمقراطي)) الذي شكل كتحالف مدني عابر للطائفية شارك الحزب الشيوعي العراقي بقوة في بناءه، وضم بعض العناصر العلمانية من مثل مثال الألوسي وفائق الشيخ على وشروق العبايجي و غيرهم، ليدخل هذا التحالف حلبة المنافسة مع باقي الأحزاب والكتل في الانتخابات التشريعية للبرلمان العراقي عام 2014.

استطاع الالوسي وفائق الشيخ علي وشروق العبايجي الحصول على مقاعد في البرلمان، دون حصول الحزب الشيوعي على مقعد يضمن وجوده هناك، بالرغم من مشاركة جماهيره في الانتخابات ومثلها فعلت قوى التيار الديمقراطي التي باتت تشكل قوة تصويتية لها وجودها في الواقع السياسي.

لا أميل لإطلاق الأحكام التعميمية القاطعة، ولكن أستطيع القول أن الفترة اللاحقة للانتخابات البرلمانية العراقية وعبر الأربع سنوات، حملت الكثير من التناقضات وكانت في الكثير منها نذائر شؤم ليس للتيار الديمقراطي وإنما حتى للحزب الشيوعي. فالتساؤلات التي أثيرت في الشارع العراقي كان جلها يصب الغضب على سياسة التحالفات التي يجترحها الحزب الشيوعي،لذا يوسمها البعض بالعقم والضعف .وبدوره قدم الحزب تبريرا لعدم حصوله على مقعد في البرلمان، راميا ذلك الإخفاق على قانون سانت ليغو وانحياز مفوضية الانتخابات للقوائم الكبيرة الحاكمة. أعتقد أن الحزب الشيوعي في هذا، لم يولي ما حدث اهتماما فعليا ليعيد حساباته في التحالفات، أي كيف ولماذا ومتى ومع من؟ ويدرس حينها رغبات وقناعات وأفكار ليس فقط أعضاء الحزب وإنما أصدقاء الحزب ومحبيه.

لم يكن أداء الألوسي وفائق الشيخ علي وشروق العبايجي موفقا داخل البرلمان وخارجه مما شكل حرجاً لا بل وضعًا متوترا داخل صفوف الحزب ومثله بين أوساط التيار الديمقراطي. ولغرض إيجاد التوازن في التشخيص، ممكن القول بأن الكثير من تلك التداعيات فيها بعض من الالتباس، لا يتحمل الحزب الشيوعي لوحده جميع أوزارها، فهناك حروب بدائية دائما ما كانت تهدف للتشكيك وتصعيد حدة الخلافات والدفع بعدوانية في محاولة ضارية لوضع آسفين وشق صف القوى الوطنية وبالذات داخل أوساط الحزب الشيوعي ومؤازريه. ولا يخفى وجود ميل عند البعض داخل الحزب وكذلك بين أوساط الوطنيين للطعن بالتجربة وإسقاطها. وكانت هناك أيضا وبشكل مفضوح محاولات ستالينية مستميتة للاستحواذ على تنظيمات التيار أو في أبسط الأحوال جعله يتبنى خيارات الحزب، مما فتح الطريق لبداية خلافات وسط التيار.

ظهر ذلك جليا في فترة الإعداد لانتخابات البرلمان العراقي عام 2018 .فمشوار التيار الديمقراطي للانتخابات، بدأ بمارثون ساهم في انشقاقه وتشرذمه قيادات الداخل، وبات خلاله وبعده شوط الخصومة يتصاعد. فالسلطة الحاكمة والمفوضية المشرفة على الانتخابات ألمحت للتيار بضرورة أن يشكل حزب يسمح له الدخول في الانتخابات كقائمة إن أراد المشاركة. وبدوره عمل الحزب الشيوعي على تشجيع بعض أعضاء التيار الديمقراطي داخل العراق للإسراع في بناء صرح ذلك الحزب، واستساغ البعض فكرة تأسيس مثل هذا الحزب وعقد لذلك مؤتمر ولقاءات. وهنا حدث الخلاف بين الداخل وبعض قوى التيار الديمقراطي، وبالأخص من تنسيقيات التيار الديمقراطي بالخارج. فكان هناك إصرار من البعض على نبذ فكرة تكوين حزب من التيار الديمقراطي والإبقاء على صيغة العمل التي تذهب لإدارة التنسيقيات بعيدا عن مركزية تنظيم حزبي.وأنا لا أخفي ومنذ التأسيس استئناسي وتبشيري بهذا الرأي. وأرى اليوم أحقية هؤلاء في مشروعهم الاستقلالي رغم بعدي عن تنظيماتهم. وهنا لا ينكر فأن الدعوة لتأسيس حزب أحدثت شرخا كبيرًا واضطرابًا في مسيرة التيار الديمقراطي.

استمرت المباحثات بين قوى التيار الديمقراطي العلماني بجميع تلاوينها لغرض التجمع في كتلة واحدة تخوض الانتخابات البرلمانية العراقية لعام 2018. وبجهود واضحة شارك الحزب الشيوعي بتجمع أطلق عليه تسمية ( تقدم ) .لا أريد هنا الخوض في متبنيات حركة تقدم والأسباب والتبريرات التي قدمت من الحزب الشيوعي أو التيار الديمقراطي عن سبب انفراط عقد هذا المشروع الجامع وذهاب الحزب لخيار التحالف في ( قائمة سائرون ).

أثارت هذه ألانتقاله الكبيرة والفجائية للحزب الكثير من التساؤلات ليس فقط بين أوساط التيار الديمقراطي وإنما داخل الحزب الشيوعي. ومن الضروري هنا الإشارة إلى الدور الرئيسي الذي تكفل به بعض أعضاء المكتب السياسي وعلى رأسهم سكرتير الحزب الشيوعي السيد رائد فهمي لتبني ذلك الخيار، وكان هو بالضبط من أدار فجأة ودون مقدمات ظهر المجن للحلفاء في تقدم، مما سبب حالة من الدهشة والذهول وخيبة الأمل.

بعد هذا الحدث راح الحزب يبشر بقوة بما أسماه جماهير التيار الصدري المهمشة والمغيبة والمظلومة التي يجب الدفاع عنها واحتساب قوتها التصويتية وسطوتها وسعتها الجماهيرية، وعدها ذخيرة حية من الممكن الاستناد أليها لصناعة نصر ناجز في العملية الإصلاحية. ومن الممكن للقائد مقتدى الصدر لو أتيحت له الفرصة، بناء الوطن العراقي الحر وجعل الشعب سعيدا.

لابد قبل البحث في حقيقة مسعى وخيار الحزب في هذا الجانب، النظر إلى التداعيات التي سببها تحالف سائرون. فقد أثار ذلك الخيار تساؤلات وانفعالات كثيرة لازال يتردد صداها دون أن تحسم، ليس فقط بين أوساط الشيوعيين وإنما عند الكثيرين وبمختلف المستويات من المحبين للحزب أو مؤازريه. وباتت دوامة تلك الأسئلة وعلامات الاستفهام والشكوك تتصاعد يوما بعد أخر،ويأتي كل ذلك على خلفية ما يقدم عليه ويقوم به السيد مقتدى الصدر وتياره من سلوك وأفعال وتصريحات.وهنا أختصر الكثير من الوقائع التي اقترفت بعيدا عن فكرة الإصلاح وقبلها مبررات التحالف، ليحضرني تصويت سائرون دون الحزب الشيوعي على قبول طريقة سانت ليكو، وقبلها استحواذ التيار الصدري على مراكز حساسة في حكومة عادل عبد المهدي ومشاركاته في إدارة مؤسسات الدولة ووقائع الفساد المستشري داخلها. وقبل كل ذلك انفراد السيد مقتدى بآليات القرار وحصر التفاوض مع باقي القوائم بشخصه دون غيره،وتوج الآمر بالبيان الذي صدر عن سائرون والذي أختصر بالقول ( إذا قال السيد مقتدى قال سائرون أو قال العراق) وغير ذلك من الممارسات التي تعطي الانطباع وتشير في النهاية، لكون سائرون بكل أطيافها باتت أسيرة لرأي وأفعال ورغبات السيد مقتدى الصدر. وجميع تلك الوقائع دلائل حقيقية على نأي السيد مقتدى وتياره عن مسمى إصلاح ودولة مدنية، وإن رصيدهم الطبيعي والأساسي يذهب في اتجاه معاكس ومغاير للإصلاح والدولة المدنية والعدالة الاجتماعية. فالتيار الصدري مرهون بمشروع الدولة الإسلامية الاقصائية المستندة لنظرية العمل على استلاب إرادة الجماهير وإضعاف قدراتها على الاختيار السليم، من خلال اللجوء إلى تغييب الوعي بين أوساطها، والعمل على تفشي الخرافة والحرمان من حرية التعبير وتكريس عبادة الفرد القائد .

دخول الحزب الشيوعي لتحالف سائرون أشاع ما هو أكثر من حالة التبخيس للقدرات لا بل أصيبت جماهيره ومعها الكثير من الأصدقاء والحلفاء بحالة من اليأس والخيبة، وباتت الجماهير التي كانت تعلق آمالها على الحزب والقوى المدنية الديمقراطية، في حالة إحباط وقنوط، وجاء ذلك كرد فعل واقعي لفقدان الهدف المرتجى مع تصاعد اليقين بانعدام أمكانية بلوغ تحالف مدني ديمقراطي حقيقي على المدى القريب، بعد أن وجدت القوى الديمقراطية أن الحزب الشيوعي قد تخلى كليا عن هدف بناء كتلة مدنية للعلمانيين الديمقراطيين ورمى ذلك وراء ظهره، وفضل خيار النأي عن الأفكار والأهداف الثورية التي وسمت على المدى الطويل تاريخ نضاله الإنساني الرائع، وقدم لأجل ذلك خيرة شبابه شهداء على مذبح الحرية والعدالة الاجتماعية، دون التهيب والرعب من خصوم وقوى دائما ما كانت تناصبه العداء وتستخدم القمع والوحشية الدموية والإبادة في مواجهة مناضليه.

إذا كان هناك حرصا حقيقيا لتبني مسعى تشكيل كتلة تيار ديمقراطي حقيقي فمن المناسب للحزب الشيوعي أن يعيد النظر بالأحداث والتداعيات التي سببتها أولا تدخلات البعض من أعضائه في سير ووقائع وعمل التيار الديمقراطي، ومحاولتهم تجير حركة التيار لرغباتهم ونزواتهم. أيضا التدقيق والنظر بأسباب وتداعيات تخليه كحزب شيوعي عن خيار الراديكالية وابتعاده أشواط عن قوى داخل تنظيماته وخارجها كانت تأمل أن يكون الحزب المحفز لمسيرة بناء الكتلة الوطنية العلمانية الديمقراطية مهما كان حجمها وقوتها. وكان الشارع وبالذات قواه الديمقراطية تأمل أن تنموا المبادرة وتتوسع رويدا رويدا، وبصبر وأناة تجذب أليها جماهير شعبية كبيرة، تساعد بنضالها المطلبي وصوتها العالي للضغط والتسريع في التحولات الحضارية الديمقراطية وبناء دولة المواطنة.

أخيرا أجزم بأن ما فعله الحزب من خيار التحالف مع سائرون كان خيارا مأزقيا بكل ما تحمله الكلمة من معنى، وقد ساهم مساهمة كبيرة في تشتيت جهود قوى التيار الديمقراطي وفت من عضدها، وساعد على إثارة لغة الطعون والإساءات والتخريب والهدم .

ورغم رؤيتي لصعوبة تجاوز الحزب الشيوعي لهذه المحنة والخروج بسهولة سالما منها. فظني وبعد انهيار تجربته هذه التي أراها تقترب، والتي حملت منذ يومها الأول الخطل والعطب، ويوما بعد يوم تثبت فشلها، لا بل شابها التذبذب والغرابة في وقائعها وحيثياتها، ونرى في مجريات وقائعها اليومية ابتعاد عن جميع الأهداف التي أعلنت عند تأسيسها كتحالف بمسمى سائرون. يبقى الحزب بحاجة إلى نظرة نوعية علمية تستلهم الواقع وتستوعب ما حدث بجزئياته وليس فقط بعامته، على أن يأتي ذلك عبر دراسة ميدانية للقوى المدنية الديمقراطية الحقيقية، والمسالك المفضية لخيارات التحالف العلماني الحضاري . فالبناء الحضاري والدولة المدنية تحتاج إلى وقت طويل وطويل جدا، وأيضا لمراس وصبر وأناة ، على أن تتضافر جهود استثنائية وحشد قوى، بعيدا عن الوصاية والإملاء، ويجري تحليل الواقع وهواجس الناس السلبية والايجابية والابتعاد عن المحاباة والمجاملات على حساب المبادئ وحياة الجماهير ومطالبها الصريحة والحقه.

ومن نافلة القول، إن تشكيل تيار وطني ديمقراطي علماني يحتاج وقبل أي شيء أخر، إلى بناة ديمقراطيين حقيقيين وليس إلى هواة خطب ثرثرة ورطانة كاذبة بالوطنية أو نخب وشللية تسعى للسيطرة والاستحواذ.

تنويه: جميع المقالات المنشورة تمثل رأي كتابها فقط
Read our Privacy Policy by clicking here