الفلاسفة والانبياء

ان من اهم اهداف الفلاسفة والانبياء والتي تجمعهم الكثير من الصفات المشتركة مع بعض الفوارق المهمة التي سناتي الى ذكرها لاحقا . ولتعريف كلمة الفيلسوف والتي تعود الى اللغة اليونانية فيلوسـ ـ سوفيا) بمعنىٰ مُحِبُّ الحكمة ، هو الشخص الذي منحته العناية الربانية بنعمة التفكير العميق فأبدع جديداً في كل فرع من فروع الحكمة بحيث يؤلف عالماً جديداً من الفكر متجانس من الأجزاء متناسق الأوضاع وان حاصل شهادة الدكتوراه PhD ) ]دكتوراه فلسفة في علوم …..) يحمل لقب الفيلسوف في اختصاصه .

اما النبي فيعرف النَّبِيُّ : صاحب النبوة المُخبر عن الله ، وهو إنسان يصطفيه اللهُ من خلقه ليوحى إليه بدين أو شريعة سواء كُلِّف بالإبلاغ أم لاوفي تعريف اخر من القاموس الانكليزي الشخص الذي يعتقد أن لديه قوة خاصة تسمح له بأن يقول ما يريده الله لإخبار الناس ، وخاصة عن الأشياء التي ستحدث في المستقبل.

ان من اهم اهداف الانبياء والفلاسفة والتي يشتركون بها هي تكوين مجتمع مثالي او مجتمع فاضل مجتمع يقترب من الملائكة ويبتعد كثيرا عن الطبيعة البشرية والصفات التي جبل عليها الانسان اي مجتمع بلا خطا او خطيئة ولكن من ناحية اخرى يرى علماء الاجتماع انه لولا الصراعات والتنافس بين الافراد والمجتمعات والدول لكان المجتمع الانساني لازال يعيش في عصور ماقبل النهضة فالتنافس والتنازع يقود الانسان والمجتمعات والدول الى الابداع والتميز رغم بعض السلبيات والخسائر التي ترافق هذا التنافس والتنازع ، ومما هو جدير بالذكر افرزت الحرب العالمية الثانية تسعة اختراعات مهمة للبشرية رغم الصراع الشرس وعدد الضحايا والخسائر وهذه الاخـتراعات هي اكتشاف البنسلين والرادار والتلفزيون الملون ومادة التيفال والطاقة النووية والعلاج الكيمياوي والوقود الصناعي والمحركات النفاثة والكومبيوتر .

فنجد في كتاب علي الوردي مهزلة العقل البشري وفي فصله الخامس وحسب البروفيسور كارفر حيث يقسم التنازع إلى أربعة أقسام :

اولا : التنازع الذي يقترب كثيرا للصفات الحيوانية والذي يعتمد كثيرا على الغرائز الموجودة في الانسان كالصراع من اجل الغذاء او الصراع من اجل الغريزة الجنسية الخ……

ثانيا : الصراع الذي يعتمد على بعض المهارات العقلية للانسان كالذكاء والرؤيا لانجاز عمل معين كالسرقة او الاحتيال .

ثالثا وهو التعاون المرحلي من اجل التنازع والتنافس المستقبلي مع مجاميع اخرى كالتعاون الحزبي للتنافس مع الاحزاب الاخرى او الشركات مع بعضها ضد شركات اخرى وهكذا على مستوى الدول .

رابعا : التنافس الهادئ او ممكن ان نطلق عليه التنافس الشريف وكمثال ذلك تنافس العلماء لايجاد دواء للسرطان او التنافس من اجل خلق بيئة نظيفة وهذا النوع من التنافس يفودنا نحو عالم امن واكثر رفاهية.

وكمثال للفلاسفة وسوف ناخذ افلاطون في جمهوريته الفاضلة ورؤيته نحو تحقيقها ليصل الى صورة الدولة المثالية التي تتحقق فيها العدالة. وركز افلاطون على الدولة واستقامتها والذي سينعكس لاحقا على الفرد في حين الانبياء ركزوا على الانسان ثم العائلة ثم المجتمع الفاضل . ويحاول افلاطون ان يقسم افراد المجتمع الى طبقات حسب المواهب والقدرات العقلية والجسمانية اي مبدا البقاء للاقوى والاصلح في حين الانبياء ينادون بالمساواة للجميع وافضلهم من تميز بالاخلاق والفضائل والمثل العليا . وهذه الطبقات هي طبقة الحكام ثم طبقة الحراس ثم طبقة العمال والفلاحين. اعتمد افلاطون على مبدا البقاء للاقوى والاصلح ومنذ الولادة وقرر ان تقوم الدولة بتربية الاذكياء والاقوياء منهم وليس العائلة. اما الزواج والانجاب فهو ايضا غير متاح للجميع وانما للنخب المختارة والتي تتميز اما بالذكاء او بالقوة اما الانبياء فاجازوا الزواج والانجاب والتكاثر وتكوين العائلة . الديمقراطية غير محبذة في المدينة الفاضلة لان الحاكم ممكن ان يتملق ويتظاهر بالحكمة والعدل ويكسب رضا الشعب وهو فعلا لايمتلك الحكمة التي تؤهله للقيادة اما مايخص المرأة فكان يطلب ان تكون متساوية في الحقوق مع الرجل وحتى يمكنها القيادة. فنلاحظ ان الفلاسفة يخاطبون العقل البشري اما الانبياء فيخاطبون العقل والقلب في ان واحد وهذا هو احد اهم الاسباب التي ميزت الانبياء عن الفلاسفة اضافة الى ان كلاهما يبحثون عن المدينة الفاضلة المدينة الملائكية الخالية من الخطا والخطيئة وحسب مفهوم كل فيلسوف وكل نبي ورسالته ان كانت سماوية او غير سماوية ولكن الفيلسوف حدوده هي كوكبنا الارضي لغاية يومنا هذا اما الانبياء فقد ادركوا باستحالة تحقيق ذلك لانه يخالف الطبيعة البشرية لهذالكائن الذي اسمه الانسان فوعدوا الانسان بان المدينة الفاضلة او العالم الفاضل سوف يكون بعد الموت .ولان الانسان دائما يبحث عن الخلود اذا كان ارضيا وقد عجز عن تحقيقه لحد اليوم وبعد فشله هذا اخذ يبحث عن خلوده بعد الموت وهذا ماميز الانبياء وكتبهم المقدسة عن الفلاسفة . فكما نحن بحاجة الى الانبياء وكتبهم المقدسة وتعاليمهم التي ترشد الانسان نحو الفضائل والقيم والمبادئ الايجابية هكذا نحن بحاجة الى الفلاسفة وبحوثهم وافكارهم المستفزة ولولاهم لما تقدمت الحضارة. وحسب «برتراند راسل» الفيلسوف البريطاني في كتابه (النظرة العلمية)، يعزي النهضة التي غيرت وجه العالم وبداية الثورة الصناعية الى ادمغة مئة فيلسوف . ولابد لمشرقنا العربي ان يفسح المجال لعقوله النيرة وفلاسفته وان يتواصل مع الفكر الفلسفي العالمي لنختزل ال خمسة قرون الفارق الحضاري بيننا وبينهم.
د.عامر ملوكا

تنويه: جميع المقالات المنشورة تمثل رأي كتابها فقط
Read our Privacy Policy by clicking here