في الذكرى الثانية لوداع الراحل جلال الطالباني

Image preview

بقلم: ضرغام جواد كاظم

كل مرةٍ نقول وداعاً اموت قليلاً

Every time we say goodbye I die a little

اغية قديمة لا اتذكر اسم المطربة او المطرب الذي غناها، ولكن

وتركض الايام.

التقيته اول مرة في كردستان على هامش مؤتمر صلاح الدين للمعارضة العراقية فلفتت نظري احاديثه الممتعة وروح المرح التي يسبغها على ما يقوله جاداً او مازحاً.

ثم التقيته ثانيةً على هامش مؤتمر نيويورك عام 1999 فعرفت عنه سعة الاطلاع ومستوى الثقافة الراقي الذي كان يتميز به وقدرته على النقد والتحليل والخبرة والبراعة السياسية.وتوثقت صداقتي معه عندما انتقلت الى مدينة صلاح الدين في كردستان ممثلاً لحركة الوفاق الوطني العراقي.

ومن سوء الصدف ان تمر تلك الحقبة بصراع مكشوف بين قطبي السلطة في كردستان، الحزب الديمقراطي الكردستاني بقيادة الاستاذ مسعود البارزاني وحزب الاتحاد الوطني الكردستاني بقيدة “مام جلال” كما يدعوه اتباعه احتراماً ومحبةً. وحرصت كل الحرص على ان لا تبدي حركتنا اي انحياز لاحد القطبين المتصارعين. ولما كان مقر عملي واقامتي يقع في منطقة الديمقراطي الكردستاني الذي كان يوفر لنا الحماية والحصانة الكاملة، الا ان الراحل جلال الطالباني اصر على ان يختبر حيادنا ويضعه على المحك فوجه لي دعوة رسمية لزيارة مدينة السليمانية، ومن ثم مقر قيادته الحصين في قله جولان على سفح جبل ازمر المنيع.

في احدى لقاءاتي المتكررة مع الاستاذ البارازاني حدثته عن الدعوة التي تلقيتها من الراحل الطالباني ورجوته ان لا تفسر هذه الزيارة بانها انحياز لاحد طرفي النزاع. ابدى الرجل تفهماً عالياً وقال بكل ود: صحبتك السلامة.

تضمن جدول الزيارة ندوة نقاش في مقر حزب الاتحاد الوطني الكردستاني حضره كافة اعضاء المكتب السياسي للحزب، ومن ثم جولة في مدينة السليمانية. ادهشتني بنضافتها وحدائقها الغناء وبفتياتها المتعلقات بآخر صيحات الموضة في باريس. اوقفت موكبي عند سياج الرصيف العالي لاتطلع الى حديقة عامة يحتل مقاعدها الحجرية مجاميع من الشباب وامامهم المشروبات والمأكولات وهم يصفقون ويغنون على اصوات الات الطرب الشعبية الممتعة. نهض احدهم ولوح لي بيده صائحاً: “فيرمو كاكا فيرمو” تفضلو اخي تفضلوا، فتذكرت قول نزار قباني “آه لو كان بامكاني”.

وفي اليوم التالي ودعت المدينة متسلقاً الجبل المخيف ذو الوادي السحيق والممر المتعرج الذي لا يسمح لمرور اكثر من سيارة واحدة في وقت واحد. كنت اتطلع الى الوادي السحق فارى السيارات التي لم يحالفها الحظ بالوصول فكانت تبدوا كعلب الدخان المسحوقة. وبعد ساعة من القلق والترقب، وصلنا سكن ومقر الراحل جلال الطالباني. كانت ساعات ممتعة وحديث شيق مع الراحل عن كتبه ومطالعاته وتجاربه في الحياة واصر ان نتصور مع مجموعة كتبه اعتزازاً بالاجواء الثقافية التي سادت اللقاء.

وبعد التغيير أو بالاحرى “الاحتلال” الذي حصل في العراق باشهر قليلة، ولاسباب مختلفة، اعتزلت العمل السياسي وقدمت استقالتي من عضوية المكتب السياسي لحركة الوفاق الوطني العراقي معتكفاً في لندن متفرغاً للبحث والكتابة من خلال جمعية الكتاب والمؤلفين البريطانية. وبذلك لم تعد لي اي صفة رسمية في المشهد العراقي، الا ان السفارة العراقية في لندن استمرت مشكورةً بتوجيه الدعوة لي لحضور حفلات الاستقبال التي تقيمها للمسؤلين العراقيين عند زياراتهم لندن. هكذا كان آخر لقاء لي بالراحل الطالبني وهو رئيساً لجمهورية العراق.

– وبعد السلام والعناق مباشرةً يسألني الراحل: كاكا ما هي آخر نكته يتداولها العراقيون عن جلال الطالباني؟

– والله كاكا ما سامعها.

– طيب كاكا آني اسمعكياها.

الطالباني في ذكرى رحيله الثانية في 3\10\2019. تغمده الله بالرحمة والغفران ولذويه ومحبيه الصبر والسلوان.

تنويه: جميع المقالات المنشورة تمثل رأي كتابها فقط
Read our Privacy Policy by clicking here