احتياطي الذهب لا ينقذ العراق من الازمات

بعد معاناة كبيرة من التقييمات والتصنيفات المعترف وغير المعترف بها عالميا التي تضع العراق في ذيل الترتيب من حيث التقدم والشفافية والنزاهة والرفاهية والأمن والاستقرار وتوفر البنى التحتية في التربية والتعليم والصحة والمجاري ومياه الشرب وغيرها من أمور الحياة ، فقد تفاجئنا عند نشر الخبر الذي يعلن فيه مجلس الذهب العالمي عن ارتفاع احتياطيات دول العالم من المعدن النفيس في شهر آب الماضي إلى أكثر من 34 ألف طن ، حيث استحوذت الدول العربية على نحو 4% منها ، وبحسب بيانات مجلس الذهب فان دول منطقة اليورو تستحوذ على 55.8% منها ( 20 ألف طن تقريبا ) ، بينما تمتلك الدول العربية مجتمعة نحو 1293 طن من الذهب، ما يشكل نسبة 3.79% من إجمالي احتياطيات دول العالم ، وأظهرت البيانات تصدر السعودية الدول العربية باحتياطيات الذهب التي بلغت 323.1 طنا، فيما جاء العراق بالمركز الخامس عربيا بامتلاكه 96.3 طنا ، ومما لاشك فيه إن هذا الخبر تفاؤلي للعراقيين لأنه يطمأن الجمهور بتحسن المركز المالي الوطني حيث يبدو انه اخذ ينافس الدول العربية ( الغنية ) ، واعتقد البعض إننا نمر بمرحلة ربما ستكون بداية لانتهاء الازمات المتعلقة بعجز الموازنة الاتحادية ( المزمن ) والتخلص من الديون والقروض الأجنبية ( المزعجة ) ، لان فيها التزامات تتعلق بدفع الفوائد وإطفائها بعد انتهاء الآجال المتفق عليه ، كما إنها تزيل هما جاثما على صدور العراقيين بتقليص مديونية العراق ، لان بعض القروض من صندوق النقد والبنك الدولي ودول العالم قد تكون لها ضمانات سيادية او إنها غير قابلة للتسوية في نادي باريس عند حصول العجز عن تسديدها ( لاسمح الله ) .

ولو تمت مراجعة إحصائيات مجلس الذهب لظهر إن المرتبة الخامسة عربيا تعني إن العراق يأتي بتسلسل بعد السعودية ولبنان والجزائر وليبيا وان مركزه العالمي يتراوح بين 37 و38 بأكبر احتياطي للذهب من أصل 100 دولة مدرجة في الإحصاءات المالية الدولية للاحتياطيات العالمية للذهب، وبلغ احتياطي الذهب المسجل لدى البنك المركزي بواقع 96 طن من الذهب واغلب المواطنين لا يعلمون هل إن هذه الكمية عالية وتحمي البلد من الازمات وقادرة على تلبية الاحتياجات الطارئة وهل إن العراق غني بالذهب فعلا ؟، ولغرض عرض الحقائق فان مجموع الاحتياطات العالمية تبلغ بحدود 38 ألف طن و إن الاحتياطي العراقي يعادل (0.28% من الاحتياطي العالمي ) ، وان أكثر الدول في احتياطيات الذهب ( أي التي تمتلك أكثر من ألف طن ) هي الولايات المتحدة الأمريكية بواقع 8133 طن وتليها ألمانيا بواقع 3370 طن ثم صندوق النقد الدولي بواقع 2814 وايطاليا 2452 وفرنسا2436 وروسيا 1944 والصين 1842 وسويسرا 1040 طن ، أما الدول العربية التي تتقدم على العراق فهي السعودية بواقع 323 طن ولبنان 287 طن ثم الجزائر174 وليبيا 117 ، ويظهر من خلال هذه الإحصاءات إن كمية الاحتياطات العراقية من الذهب وان كانت في المرتبة 37 عالميا والخامسة عربيا فان كميتها هي 96 طن و قيمته تعادل أكثر من 4 مليارات دولار أي 5.22 تريليون دينار بمعنى إن حصة كل عراقي من احتياطي الذهب يعادل مبلغ 137 ألف دينار ، وحسب تصريحات معلنة فان احتياطي الذهب يمثل نسبة 5٪ من مجموع موجودات البنك المركزي التي يقال إنها وصلت إلى 87 مليار دولار .

ومن المعلوم إن بعض الدول تعتمد على احتياطي الذهب والعملات الأجنبية الأخرى لإعطاء القوة والثقة بعملتها الوطنية لإحداث الاستقرار النسبي في أسعار الصرف ، فهناك عملات حافظت على أسعار الصرف من خلال احتياطياتها وحجم الناتج المحلي الإجمالي ومعدلات الدخل القومي والفوائض في ميزان المدفوعات ومنها دول الخليج العربي عموما ، فسعر صرف الدولار في الإمارات العربية يعادل 3,67 درهم منذ ثمانينات القرن الماضي دون تغير يذكر وسعر صرف الدينار الكويتي يعادل 4 دولارات بما يقارب 5000 دينار عراقي ، كما إن الأردن تتصف باستقرار أسعار الصرف فيها رغم إنها من الدول غير النفطية وعالية المديونية حيث إن كل 100 دولار تعادل 70-71 دينار أردني ، كما إن هناك دول أنهكتها الحروب والأزمات المالية والاقتصادية لتتأثر فيها العملات ومنها العراق الذي يبلغ فيه سعر الدولار 1200 دينار عراقي بعد أن كان 0,33 دينار سابقا وتتشارك الحالة سوريا وليبيا ومصر وإيران وتركيا التي تشهد أزمات في أسعار صرف العملات بسبب الظروف التي تمر بها التي تؤثر على ميزان المدفوعات ، وكما هو معروف فان التحسن بأسعار صرف الدينار العراقي لا يرتبط بما يحتفظ به من معدن الذهب فقط حتى وان بلغت كمياتها إضعاف الاحتياطيات الحالية ، لان المهم هو إجراء إصلاحات اقتصادية جوهرية ركيزتها الأساسية تؤدي لزيادة الناتج المحلي الإجمالي من السلع والخدمات غير النفطية لتحويل اقتصادنا إلى اقتصاد متنوع و يعتمد على الزراعة والصناعة والسياحة وغيرها وليس أحادي الجانب ويعتمد على الإيرادات النفطية التي تبلغ حاليا أكثر من 95% من إجمالي إيرادات الموازنة الاتحادية كل عام واغلب هذه الإيرادات تذهب إلى نفقات تشغيلية ونسبة قليلة منها إلى الموازنات الاستثمارية .

ونقول .. نعم إن الذهب ( زينة وخزينة ) وهو من المعادن الجميلة بلونه ولمعانه لدرجة انه يسيل لعاب بعض النساء والرجال ولكن وجوده على الوضع الحالي لاقتصادنا وبالكمية المعلنة لا يخرجنا من الازمات التي نعاني منها من غرف الإنعاش وهو ليس معدنا مستخرجا من بلدنا ولم نربحه في مسابقات ( الحلم او من يربح المليون ) وإنما تم شراءه من ثروات العراق وما نملكه هو اقل من نصف من الواحد في المائة من الاحتياطي العالمي ، وهذا الاحتياطي يجعلنا في المرتبة 37 من 100 دولة وهو لا يعادل شيئا من الاحتياطي النفطي المؤكد لدينا باعتبار إن الاحتياطي النفطي العراقي هو الثالث او الرابع من بين جميع دول العالم وليس ال100 ، كما نمتلك احتياطيات كبيرة غير مكتشفة كليا من الغاز من شانها أن تجعلنا في مقدمة دول العالم لنتحول من بين أغنى الشعوب لو استثمرنا ثرواتنا وطاقاتنا البشرية بالشكل الصحيح ، وان من يتبجح بما يملكه من الذهب الذي لا تعادل قيمته أكثر من 4 مليارات دولار عليه أن ينظر لصادرات العراق الرئيسية وهي النفط التي تذهب جميعا بشكلها الأولي ( الخام ) لنستورد بجزء من أثمانها المنتجات النفطية التي نستطيع أن نحقق فيها الاكتفاء الذاتي بكل يسر ، كما إن من الواجب الوطني ايجاد حلولا لبيع الدولار بمزاد العملة بمليارات الدولارات لنستورد ابسط الأشياء التي بالإمكان إنتاجها حيث تتوفر جميع العناصر والمؤهلات للإنتاج والتصدير لو أحسنا التدبير من خلال اجتماع عوامل الإرادة والإدارة وسحق الفساد ، إذن فالعبرة ليس بما نمتلكه من ذهب او الإيحاء للبعض إننا نحتل مراكز متقدمة في احتياطياته وكأن أحلام الفقراء وعوائل الشهداء والمضحين واليتامى والأرامل والعاطلين والمعوقين قد تحققت وبلغوا أمنياتهم المشروعة وتم تعويض ما فاتنا من حرمان في عقود وسنين قضيناها رغما عنا بالحروب والحصار ، والقصد إننا لسنا ضد تنويع احتياطاتنا الوطنية من الذهب والعملات الأجنبية ولكن الهدف هو عدم إشعار البعض بأننا أغنياء بدليل احتفاظنا بالذهب ، فكل ما في بلدنا يمكن تحويله إلى الذهب لا بهدف الطمأنة غير الواقعية والشعور بالارتياح ، وإنما لتوفير لقمة الخبز الحلال والتمتع بالرفاهية التي يعدها الآخرون من الحقوق وقد تحولت لدى الكثير من شعبنا إلى أمنيات ، فالذهب الحقيقي يصنعه شعبنا عندما تتوفر فرص العمل واستثمار الموارد وتحويلها إلى طاقات منتجة تعالج البطالة وتقضي على حالات اليأس بتبني المبادرات والابتداع لا من خلال الأحلام والشعارات وإنما بخطة تضعها وتنفذها الكفاءات الراغبة والقادرة على تحقيق كل الأهداف .

باسل عباس خضير

تنويه: جميع المقالات المنشورة تمثل رأي كتابها فقط
,
Read our Privacy Policy by clicking here