ألأسفار آلكونيّة – ألمدينة آلخامسة

عزيز الخزرجي
ألوادي الخامس من المحطات الكونيّة – (الإستغناء)(1) puzzling

ألأستغناء أو (ألزّهد) يعني أنك تمتلك المال والمقام والجاه وهي طوع يديك لكنك لم تتعلق بها وإستغنيت عنها و ما سكنت قلبك, ولا تعني فقدانك لها وإدّعائك الأستغناء عنها أمام الناس بلا مصداقية و كما يدعيّ الكثير ممّن يأكلون الدّنيا بآلدِّين(2), وهذه آلمرحلة حسّاسة في (الأسفار) لأحتوائها إمتحانات معقدة تتعلق بآلنوايا, حيث تتشابك المعاملات وتنقلب الموازيين و المصالح التي آمن بها الناس كغرائز و ملذّات سبّبت مسخهم.
فتابعوا معنا حقيقة الأمر بإختصار مفيد في هذه المدينة الفاضلة.

إنّ تحقّق (ألتّوحيد)(3) في وجود ألمُسافر ألمُكافح هي المرحلة ألأساسيّة ألتي سبقتْ وادي(الإستغناء)؛ ويحتاج للأخلاص و تمتد لعقود من السّنين وربما لآخر العمر, ولذا من الطبيعي أن يَمُرّ بآلكثير من التجارب والهنّات والمصاعب ومقاومة مغريات الدُّنيا لا إرتكاب الحرام فقط .. لأنّ مُجرّد ظن سلبيّ من الزّاهد يُعتبر ذنباً لأنّهُ يعرف يقيناً بأنّ الله يرقب أنفاسه لحظة بلحظة, لأمتلاكه ألمعرفة و سرّ الوجود(4) لهذا إستغنى وزهد في كل شيئ, و كما حدث مع إمبراطور خراسان في بلخ (إبراهيم بن ألأدهم)(5).

بعد رسوخ مفهوم التوحيد كما الطلب والعشق والمعرفة في قلوبنا عبر رؤية كونيّة شاملة, مُمْتدّة من أعماق القلب حتى آلمطلق الكونيّ ألّلانهائي؛ يصرّ (ألمُوحّد) المُضيّ قُدماً في عالم الحقيقة و الصّفاء وآلمحبّة رغم الصعوبات في طريق المحطات الأربعة السّابقة وكما أثبتنا خصوصاً في وادي (التوحيد), لوصول ألمدينة الخامسة التي فيها يستغني ألسالك عن كل أموال و سلطان و ملذّات الدّنيا بعد ما مَلَكها, لأنّ الذي يجد الله .. ماذا يُريد بعده .. و ماذا يُمكن أن يفقد معهُ؟ خصوصاً حين يكون (ألمسافر) كالله تعالى في القدرة والمعرفة والحلم وآلرّحمة والغنى بإستثناء (الصّفات ألذّاتيّة) بعد طي مرحلة العبادة اليقينيّة – لا التلقينيّة التكراريّة التي يؤديها الناس, وكذلك التسلح بآلمعرفة والتّشيع للمحبة ليكون كما بيّنَ الحديث القدسيّ: [ما تقرب إليّ عبدي بشيء أحب إليّ مما افترضته عليه ، ولا يزال عبدي يتقرب إليّ بالنوافل حتى أحبه ، فإذا أحببته كنت سمعه الذي يسمع به ، وبصره الذي يبصر به ، ويده التي يبطش بها ورجله التي يمشي بها ، ولئن سألني لأعـطينه ، ولئن استعاذني لأعيذنه].

فماذا يُمكن أنْ يفعل الأنسان حين يصل هذه الدرجة من آلغنى و القوة و السّمو و الرفعة غير (الأستغناء) و الأستمرار في البحث للأندماج والحلول بآلخالق المعشوق, ليعيش حياة لا يتذوق فيها طعم الراحة وآلأمن واللذة والمحبة إلّا معه, بحيث لا يهدأ له بال سوى بذكر الله: [أ لا بذكر الله تظمئن القلوب] و [أنّ أولياء الله لا خوف عليهم ولا هم يحزنون ألذين آمنوا وكانوا يتّقون](6) ليرى نفسه شيئا فشيئاً على أبواب مدينة (الحيرة) وهو الوادي السّادس, وسنبيّن ملامحها و خصائصها في الحلقة القادمة إن شاء الله.
ألفيلسوف الكوني
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) (ألأستغناء): المرحلة الخامسة من ألأسفار الكونيّة التي تضم 7 محطات, هي بآلترتيب:

.Poverty and the Yard /7الفقر و الفناء Dispense /6ألأستغناء puzzling /5ألحيرة Unity /4ألتوحيد Knowledge /3ألمعرفة Love /2ألعشق Demand1ألطلب

(2) عاصرت الكثير من مدّعيّ آلدين بكونهم حسب ألظاهر زهاد لا يمتلكون شخصياً بيتا أو موائد أو ملذات أو لباس فاخر و هم صادقون بمظهرهم الخادع المتواضع أمام الناس بعد ما تعدّى عمره الـ 70 و 80؛ لكن هذا المدّعي للدين فعل ما لم يفعله كل عتاة التأريخ و مجرميه؛ حين حوّل أموال المسلمين لبنوك الغرب و جعلها بإسماء أصهاره و أبنائه و أحفاده.
(3) ألتّوحيد في فلسفتنا كما بيّنا هو: [رؤية الله و معرفته في كلّ الأحوال كقدرة مهيمنة و فاعلة قبل و بعد و مع كلّ ألمخلوقات والأحداث].
ألتوحيد ألعمليّ لا يتحقّق في وجود ألمؤمن حتى لو كان عالماً يهوديّاً أو مسيحيّاً أو صابئيّاً أو مسلماً أو أيّ دين .. ما لم يجعل التفكير مسلكاً لتجسيد عظمة الله على الدّوام حتى في خلوته, بحيث يصبح الباري تعالى معيّته وفي قلبه بل كمثله(3), و يتحقق هذا بعد معرفته ألأجوبة ألشافية للأسئلة المصيرية التي طُرحت في مباحث المحطات السّابقة خصوصاً (الثالثة) و المختصة بـ(المعرفة) وأوّلها معرفة النفس, وبغيرها لا تتحقق الغاية من الخلق مهما بلغ ألسّالك آلعارف آلتّبحر في العلوم و الفقه و الأصول؛ مالم يُطبق الشّرع بآلمعرفة الكونيّة – أي معرفة ما وراء الأحكام من مغزى, لأنّ المعارف والمسائل الفقهية المُحدّدة التي وردت في الرسائل العملية(العبادات والمعاملات) وحدها لا تكفي لتوحيد الله تعالى(4), رغم أنّها حُدّدَت قبل ألف عام وتتكرّر (تُستنسخ) كل فترة, إنّها مقدّمات واجبة لخوض غمار الأسفار الكونيّة لتعميق مفهوم توحيدي للعالم في قلوبنا عبر رؤية كونيّة عميقة شاملة و فاعلة تبدأ من القلب و تنتهي بآلمطلق ألكونيّ ألّلانهائي.
(4) عارف بغدادي قدير من أصل إيراني شهد له ملائكة السماء بآلأيمان قبل أهل الأرض دخل المسجد ليصلي و بينما كان راكعاً مرّ أمامه فقير يسأله العطاء؛
فقال مع نفسه: [لو سعى هذا الفقير للعمل بقوة عضلاته المفتولة لكان أفضل له بكثير من الأستجداء]!؟
وحين غشاه المحبة ورحل لعالم الخيال الخصب وهو يقظ تماماً؛ جاءه الخبر من الغيب معاتباً إياه: [لماذا إستغبتَ عبدي الفقير الذي سألك لتعطيه حين كنت تصلي]؟
أجاب: [يا إلهي أنا فقط تفكّرت و تقولتُ مع نفسي في أمره و لم أستغبه بشيئ أمام أحد].
فردّ الوحي الإلهي: [أ لستَ تدري بأنّ مجرّد تفكّر العارف سلباً بحقّ أحد يُعتبر غيبة؟].
و (الغيبة كما تعلم؛ أشد من القتل و من الزنا و و هو ظلم بحق العباد لا يغفره لك حتى الله تعالى لانه عادل).
من كتاب: أسفارٌ في أسرار الوجود/ ج4. للكاتب.
(5) “إبراهيم بن الأدهم”.. لقّب بسلطان الزاهدين: شخصيّة مركـّبة شغلت الباحثين والمؤرخين على مرّ السنين وبقيت حاضرة في أذهان الجميع, خصوصاً في (خراسان) و أهالي مدينة “جبلة” التي ارتبط اسم مدينتهم باسم صاحب الشخصية التي أقر بأهميتها كبار رجال العلم و الدّين، صاحبها ترك المـُلك وآلسّلطان واختار الفقر فأغناه الله زهداً وعبادة وورعاً حتى لقب بسلطان الزاهدين لأنهُ ترك حتى تاج الملوكية وآلسّلطنة, عمل في كل شيئ و رفض الكشف عن شخصيته في معظم المواقف حتى إنه كان إذا عُرف في مكان رحل عنه، أحبّه الناس واقتدوا به بعد موته لدرجة أنهم صاروا يقيمون الأفراح والموالد ويزكون وينفقون على اسمه إعجاباً واحتراماً ويقيناً بكراماته التي وصفها الباحثون بأنها لا تعد ولا تحصى, و الفضل لأستاذه الأمام الصادق(ع) الذي درس عنده فترة من الزمن.
ولد السلطان “إبراهيم بن الأدهم” في “بلخ” عاصمة “خراسان” وخرج منها زاهداً و تتلمذ فترة عند الامام الصادق(ع) ليعيش آخر عمره في مدينة “جبلة” ويدفن فيها، لتبدأ بعدها رحلات المؤرخين والباحثين في الكشف والتنقيب عن شخصيته التي كانت محط إعجاب وتقدير كل من قرأ وكتب عنها، بحسب ما حدثنا به الباحث المختص بالشؤون التاريخية الأستاذ “طه الزوزو” وأضاف قائلاً: «منذ القرن الحادي عشر الميلادي أخذ الكتاب يجمعون القصص والروايات عن “إبراهيم بن الأدهم”، ومنهم “ياقوت الحموي، السلمي، القشيري، أبو الفداء، ابن الوردي، اليافعي، ابن بطوطة، الشعراني، والمناوي” وغيرهم من المؤرخين العرب، إضافة لدراسات المستشرقين، ومن أحدث الدراسات عن المتصوف “إبراهيم بن الأدهم” دراسة للعالم الإيراني “فتح الله مجتبائي” المنشورة في “الموسوعة الإسلامية الكبرى” الصادرة في “طهران”.
واستناداً لهذه الدراسة فإن “إبراهيم بن الأدهم” هو: اسحق ابراهيم بن أدهم العجلي” كان والده من ملوك خراسان التي كانت عاصمتها مدينة “بلخ” التي هي اليوم مدينة تابعة لـ “أفغانستان” بعد إنفصالها عن إيران، تزوج والده أدهم من ابنة سلطان “بلخ” التي كانت تنفر من الأمراء وتحب الرجال الأتقياء وكان “إبراهيم” من ثمرة هذا الزواج”.
ولد “إبراهيم [100 – 165هـ] وبعد وفاة والده ترعرع في بلاط “بلخ” واستلم الإمارة بعد وفاة جده لأمه و والده، وحسب السيرة فإن “إبراهيم” بعد استلامه مقاليد الحكم سمع نداءآت خفيّة تحضّه على التخلي عن العرش والانصراف عن الدنيا وتكريس نفسه لحياة الزهد والاعتكاف، وتقول إحدى الروايات إنه بينما كان مستغرقاً في نومه في أعلى القصر الملكي سمع وقع خطا فوق سطح القصر، وعندما سأل أصحاب الخطا عن غايتهم قالوا: نحن نبحث عن جـِمالٍ شاردةٍ عائدة لنا، عندها اعتبرهم “إبراهيم” مجانين! ثمّ أجابوه: بأنه أكثر جنوناً منهم وتابعوا القول: [ها أنت تجلس على سرير من ذهب وتلبس ثياباً حريرية وتتوهم أنك تستطيع من فوق كرسي الملك أن تصل إلى الله]، استيقظ “إبراهيم” وقد أخذ به الاضطراب وأمضى ليلته في الصلاة والتعبد، وعند ظهيرة ذلك اليوم وبينما كان “إبراهيم” جالساً على كرسي العرش اقترب منه رجل, فسأله إبراهيم” عن حاجته, أجاب الرجل بأنه مسافر غريب ويريد أن يستريح في الخان- مشيراً إلى القصر!
اندهش “إبراهيم” وقال له: إن ما أشرت إليه ليس بخان فهو قصري، فسأله الرجل: ولمن كان من قبلك؟ أجاب “إبراهيم”: لوالدي، ثم سأله الرجل: ولمن كان قبل والدك؟ قال: لجدي، فسأله الرجل: أين والدك وأجدادك الآن؟ فأجابه: قضوا نحبهم، عندها شرح له الرجل الغريب أنه لم يكن مخطئاً حين سماه الخان، فاستحلفه “إبراهيم” أن يخبره عن حقيقة شخصيته؟ فكشف الرجل الزائر المجهول عن هويته .. فإذا هو “الخضر” عليه السلام وهو الذي سماه الله في القرآن الكريم “عبداً من عبادنا” (سورة الكهف آية “64” وما يليها)، هذه إحدى الروايات العديدة التي تنسب لفكرة الزهد عند “إبراهيم”, كما أن هناك روايات أخرى تلتقي كلها بفكرة أن “إبراهيم” تخلى عن كل شيء وساح في الدنيا مرتدياً الملابس الخشنة، حافي القدمين، متخلياً عن عرشه وقصره وأمواله وحلّ أخيراً في مدينة “جبلة”، ومات ودفن فيها بعد أن لحقت به أمه وسعت لإقناعه بالعودة, إلا أنه رفض، وبعد يوم من وصولها إليه توفي فأقامت له والدته مقاماً ومسجداً وتكية وحماماً من أموالها الكثيرة، ثم اشترت قرى عديدة أوقفتها لمقامه وبعد سنين من وفاة “إبراهيم” غادرت أمه “جبلة” إلى “اللاذقية” وأقامت وتوفيت فيها ودفنت بقرب العين التي سميت باسمها “عين أم إبراهيم” تقديراً لزاهد “إبراهيم”.
روايات عديدة وقصص بعضها محض خيال وبعضها حقيقي عن السلطان “ابن الأدهم” ومنها رواية يتناقلها كل أهالي المنطقة وهي أن “إبراهيم” كان يخيط ثيابه على الشط عندما أتت والدته، هو عرفها قبل أن تعرفه فتقدم لها وقبل يدها، فقالت له: يا ولدي تركت الملك والجاه وأتيت لتعيش هنا فوقعت من يده الإبرة في البحر وانغرزت في عين سمكة، وعندما سحبها ورأى السمكة أعادها إلى البحر لتعيش فيه وتنتشر بعدها الأسماك التي ترى بعين واحدة وتسمى “سمك السلطان إبراهيم”.
لقد أضاف الباحثون التاريخيون والعمرانيون كمحمد خير حلبي؛ أضاف عليها حوادث عديدة وقصصاً ومعلومات فقال: «تتلمذ السلطان على يد الصادق ثم التابع “سفيان الثوري” الذي يقول في شخص السلطان: “إبراهيم بن الأدهم: كان يشبه “إبراهيم خليل الرحمن” ولو كان في أصحاب رسول الله لكان رجلاً فاضلاً”، وأخذ “ابراهيم” عنه علم الحديث والقرآن ليعيش فترة في “الكوفة” ثم في “دمشق” ليستقر في آخر الأمر على الساحل السوري ما بين “مرسين” و”حيفا” وصادف أنه كانت تلك فترة الفتوحات الإسلامية، وكانت هناك غزوات على الساحل من قبل الروم البيزنطيين فتولى هو قيادة الحملة البحرية الدفاعية عن الشاطئ السوري، وقاد معارك عديدة واشتهر بالزهد والورع والحكمة، وبأنه لم يكن يأخذ حصته من غنائم الحرب بل كان يوزعها على الفقراء، وعند سؤاله عن السبب أجاب: لكي يكون جهادي خالصاً في سبيل الله، هذه الصفات التي تمتع بها دفعت الأمويين حينها ليعرضوا عليه عدة مناصب، لكنه رفضها، وقال: أفضّل أن أكون زاهداً”.
ويضيف “حلبي”: «كان له عدة أدعية واشتهر بحبه للعمل، وفي إحدى الحوادث التي تدل على دعوته إلى الاهتمام بالعمل (أنه كان لديه صاحب ودّعه في الليل وسافر صاحبه للقيام بعمل، وبقي السلطان ليفاجأ به وقد عاد مبكراً دون إتمام العمل، فسأله عن السبب، فأجابه صاحبه: تأخرت في الليل فعرجت على إحدى المغارات فوجدت غراباً أعمى وكسيحاً، فتساءلت من يطعم هذا الغراب؟ فوجدت غراباً آخر يطعمه ويسقيه، فقلت في نفسي: بما أن الرزق مكتوب عند الله فلماذا أسافر؟ فقال له السلطان: رضيت أن تكون الغراب الكسيح بدل أن تكون الغراب المطعم؟
وفي حادثة أخرى “أنه كان حارساً في أحد البساتين قرب “مرسين” فجاءه صاحب البستان وطلب منه أن يطعمه رمانة من البستان ففعل، وأكل منها صاحب البستان فكانت حامضة، فقال له: ويحك تطعمني الحامض وتأكل الحلو، فقال له السلطان: والله ما أكلت سابقاً حتى أعرف الحلو من الحامض، فقال له: لا يفعل هذا إلا “إبراهيم بن الأدهم”، وعندما عرف “إبراهيم” غيّر المكان, لأنه كان لا يحب أن يعرف في المكان الذي يتواجد فيه، وظلّ هكذا حتى توفي في معركة بحرية عام ” 161 بالقرب من مدينة “جبلة” ودفن فيها ولقب بسلطان الزاهدين، هذا اللقب الذي اتفق عليه الجميع”, ويقول “محمد بن أحمد الذهبي” في “إبراهيم”: [إنه الإمام القدرة العارف سيّد الزهاد أبو إسحاق], كما يروي (سهل بن إبراهيم) قصة عن كرمه ويقول: [صحبتُ (إبراهيم بن أدهم) فمرضت فأنفق عليّ نفقته، فاشتهيت شهوة فباع حماره، وأنفق عليّ ثمنه، فلما تماثلت قلت يا (إبراهيم) أين الحمار؟ قال بعناه، فقلت: على ماذا أركب؟ فقال يا أخي على عنقي فحملني ثلاث منازل], وعن حب السلطان للشام يقول (خير حلبي): [سأل شقيق بن إبراهيم البلخي السلطان): (لماذا تركت خراسان؟ فأجابه: ما تهنيت بالعيش إلا بالشام افرّ بديني من شاهق إلى شاهق فمن رآني يقول: موسوس، ومن رآني يقول: حمال يا شقيق لم ينبل عندنا من نبل بالحج وبالجهاد إنما ينبل من كان يدخل في جوفه من جلّه)].
شخصية السلطان (إبراهيم) كانت ملأى بالحكم والمواعظ والأدعية إضافة لعشقه للزهد والتقشف، ويقول رئيس شعبة أوقاف (جبلة) سابقاً (شكري الحلبي) عن شخص السلطان: «كان كثير الشأن في باب الورع ومن دعائه أنه قال: [اللهم انقلني من ذل معصيتك إلى عز طاعتك].
ويضيف (الحلبي): [كان (إبراهيم) حكيماً جداً وصاحب موعظة وكلامه كلّه حكم ففي إحدى المرّات قيل له ما لنا ندعو فلا يستجاب لنا فأجاب: (لأنكم عرفتم الله فلم تطيعوه، وعرفتم الرسول فلم تتبعوا سنته، وعرفتم القرآن فلم تعملوا به، وأكلتم نعم الله فلم تؤدوا شكرها، وعرفتم الجنة فلم تطلبوها، وعرفتم النار فلم تهربوا منها، وعرفتم الشيطان فلم تحاربوه و وافقتموه، وعرفتم الموت فلم تستعدوا له، ودفنتم الأموات فلم تعتبروا، وتركتم عيوبكم واشتغلتم بعيوب الناس)].
كما التقينا الحاج (عاطف الحاج إبراهيم) الذي حدثنا عن مرحلة مقام “السلطان ابراهيم” قائلاً: [شكل مقام السلطان مزاراً يزوره الناس من كل البقاع ليصلوا عنده وينفقوا عن روحه حباً به وإعجاباً بصدقه وزهده، حتى إنهم كانوا يوقفون الأراضي لمقامه الكريم ويحيون ويوزعون الأموال على حبه، هذه الأموال كانت تصرف على الفقراء والمحتاجين وأبناء السبيل، كما أن تلك الأراضي لا تزال موجودة حتى الآن ومكتوب على وصفها (وقف السلطان إبراهيم)، كما لا يمكن أن ننسى الدراويش الذين كانوا يعيشون في الغرف المجاورة للمقام ويقومون بخدمته ويولمون الطعام للناس ويوزعونه على المحتاجين حتى إن البعض من أهالي المدينة الفقراء كانوا إذا شعروا بنقص في طعامهم ذهبوا إلى المقام وأحضروا الطعام من حلة (السلطان)، هذه النشاطات توقفت في فترة السبعينيات ولم تعد موجودة في يومنا هذا، لكن سيرته ما زالت متداولة بين الناس حتى اليوم، وهو محط إعجاب الجميع في المدينة التي بقي أهلها مخلصين لروحه ومواظبين على الصلاة بقربه إلى يومنا هذا حتى إنّ المسجد يغصّ بالمصلين في مختلف الصلوات)].
المراجع التي إستند إليها الباحثون, هي كما قالوا: [(الرسالة القشيرية في علم التصور- المنجد في اللغة والإعلام- سفيان الثوري أمين المؤمنين في الحديث- البداية والنهاية- أعلام النبلاء- حلية الأولياء- يزيد بن قبيس من محدثي جبلة)].
كما نظمت قصائد شعرية درج أهالي (جبلة واللاذقية) على ترديدها عند مقامه في كلّ مناسبة.
(6) يونس : 62 و 63.

تنويه: جميع المقالات المنشورة تمثل رأي كتابها فقط
Read our Privacy Policy by clicking here