حال العراق زمن الاحتلال العثماني ح 20 *

د. رضا العطار

لقد عجزت الحكومات العثمانية في تاريخ حكمها الطويل من كبح جماح العشائر العراقية التي كانت ساخطة على سياستها الأستعمارية والتي غالبا ما كانت كامنة في الأسلوب القاسي في جباية الضرائب إلى درجة كان الأتراك لا يترددون من استعمال اساليب التعذيب بغية استحصال المال من العراقيين الفقراء، إلى جانب المشاكل الاجتماعية الناجمة من تطبيق قانون التجنيد العثماني المعروف بالإجباري، لذا كانت الصدامات المسلحة تظهر بين الحين والأخر بين القوات النظامية والمكلفين الهاربين، ولا يخفي دور رجال المرجعية في حماية هؤلاء الشباب وتأجيج الصراعات فكان نشاطهم السياسي لا يتوقف حتى في حالات الهدوء النسبي حيث كان الشباب الغيارى يخرجون إلى أوساط العشائر ويتحدثون إلى أبنائها عن الوضع السياسي الراهن ويذكرونهم بظلم الأتراك ونهبهم ثروات البلاد.

لقد كانت فترة حكم الوالى العثماني المملوك داود باشا من اسوأ فترات الأحتلال التركي للعراق فقد اضطربت الأوضاع السياسية واحتدمت بين جند الغزاة وعشائر الجنوب بعدما عم السخط ارجاء البلاد مما حدى بالباب العالي في اسطنبول إلى إرسال العسكري علي رضا ليغتال الوالي داود باشا وينهي به سلطة المماليك في العراق.

كانت السلطة العثمانية في بغداد تحسب للمرجعية في النجف الأشرف ألف حساب كونها كانت تتمتع بكيان ديني و سياسي واسع يحظى بتأييد رموز إسلامية عالمية معروفة ولذلك انتهجت حكومة الأتراك سياسة التجاهل والتغاضي بشكل عام تجاه السياسة العامة للسلطة الدينية في النجف الأشرف.

لقد كثرت هجرات القبائل العربية إلى بلاد الرافدين خلال القرن التاسع عشر مما سببت ارتفاع نسبة التشيع في العراق إلى 56 في المائة عام 1932 ومع ذلك كان لا يزال نصف سكان العراق عشائر رحل، لكن هذه العشائر دخلت في اتحادات سياسية شبه مستقلة بعد أن استوطنت.

لقد كان جل اهتمام الحكومات العثمانية منصبا على سياسة توطين العشائر الرحل وتشجيعهم على ممارسة الزراعة بهدف الحصول على عوائدها الضريبية وتجنيد أبنائهم بعد معرفة مقر سكناهم، وقد أثمرت جهودها بعد مجيء الوالي مدحت باشا الذي نجح في سياسة التوطين بعد ما طبق قانون الأرض العثمانية، موفرا للفلاحين ضمان حيازة الأرض يمنحون بموجبه سندات طابو وبهذه الوسيلة تمكنت سلطة الاحتلال من ربط افراد العشائر بالأرض.

أما عن تاريخ عشائر العراق فقد ذكرت في بداية حديثي أن القبائل الأكدية نزحت من بلاد العرب إلى ارض الرافدين قبل غيرها ثم تبعتهم القبائل الأخرى واستمرت حتى ظهور الأسلام وبعده ففي بداية القرن الرابع عشر هاجرت عشائر الخزاعل وبنو لام فروع من قبائل الطائية وكذلك عشائر فرازه وعقيل ونمير وغشير، ثم توالت موجات الهجرة تباعا وشملت عشائر المنتفك المنحدرة من القبائل العدنانية وعشائر الزبيد المنحدرة من القبائل القحطانية وأما قبائل ربيعة وقبائل العبيد وقبائل الحميرية فقد هاجروا في صدر الإسلام وعبر القرون المتعاقبة نزحت عشائر شمر طوقه وعشائر صائح من الحجاز وعشيرة بني تميم نزحت من نجد وبعد أن التحق بهم كل من عشيرة شمر الجربه وعشيرة عنزه والظفير وحرب والجبور، اكتسب العراق خارطته السكانية بشكلها النهائي.

لقد كانت الأسباب الرئيسية للهجرات العربية خلال القرن التاسع عشر تختلف عن سابقتها التي كانت تتمثل بقسوة المناخ وما رافقه من الجفاف وشحة الغذاء لقد كانت الأسباب هنا تكمن في ظهور الوهابية في الحجاز وهجماتهم على السكان المحليين مما اضطروا للهروب إلى خارج مملكتهم والاستقرار في ربوع وادي الرافدين.

* مقتبس من كتاب تاريخ الشيعة في العراق لعبد الله النفيسي ومن لمحات من تاريخ العراق الحديث للدكتور علي الوردي.

الى الحلقة القادمة

تنويه: جميع المقالات المنشورة تمثل رأي كتابها فقط
Read our Privacy Policy by clicking here