القلب يعشق كل جميل

هادي جلو مرعي

أصاب بالخدر للوهلة الأولى، ثم تفيض عيناي، ثم أتأمل، ثم أسافر حيث البيت الذي عاشت فيه أم كلثوم، والذي يشق قلب النيل قرب مرسى السفن السياحية التي تجوب النهر ليلا ونهارا تحت الشمس، أو في رعاية القمر.

فاطمة البلتاجي السيدة الصوفية التي جاءت من الدقهلية لتغني في القاهرة العظيمة، وهي أم كلثوم ثومة تسحبني الى عالمها المثالي المليء بالأزاهير والأغاني والألحان والبواكي الرائقة والرقي والكياسة والشجن، وتعلمني أن اللحن والكلمة والصوت ثلاثي قاتل يطيح بعروش القلوب التي يتربع عليها سلطان القسوة والجبروت والتعالي، وأعرف إن كثيرا من الرعاع والبدو والساسة الحمقى والتجار والقتلة والسراق والحكام الدكتاتوريين كانوا يستمعون إليها مثلهم مثل الفقراء والطيبين والحزانى، وقد يكون قولها في رائعتها الشهيرة القلب يعشق كل جميل ملائما لحال هولاء الجبابرة المستسلمين:

كنت أبتعد عنه

وكان يناديني ويقول

مصيرك يوم تخضع لي وتجيني

وهي تناجي ربها في رائعتها التي غنتها في مصر والإمارات، وسواها قبيل وفاتها عام 1975 وكانت تأسر القلوب والعقول، وتتلقى سيل الإعجاب والتصفيق، والكلمات الرائقة والمعبرة عن حب كبير، وإعجاب لانظير له.

في روائعها العديدة التي لاتنسى كانت تبتكر النجاح قبل المباشرة بالعرض على الجمهور، والحضور في المسرح. فقد إختطت لنفسها ذلك السبيل، وكانت قاسية مع المؤلف، ومع الملحن، ومع الفرقة الموسيقية، ومع نفسها، وكنت أتخيل ذلك المشهد الرائع في قصر النيل الذي غنت فيه، بينما أنظر جهة المنزل الذي عاشت فيه، وهو يستقبل دفق النهر القادم من الجنوب بمياهه العذبة الباردة، والمنعشة التي تغازل نسمات ليل القاهرة.

ولدت أم كلثوم في 31 ديسمبر عام 1898 ورحلت عن عالمنا في 3 نوفمبر عام 1975 ولكنها بين اليومين عاشت عقودا من الإبداع، والبهجة المونقة في ظل الشعر واللحن العذب، وكانت تحمل صوتها العذب أين حلت لتبهر المستمعين الذين يبكون ويصفقون ويكبرون ويهتفون دون وعي منهم، فهم في حضرة أم كلثوم.

يوم 31 ديسمبر يوم مميز، ففيه أحتفل بعيد ميلادي، لكن شعورا يراودني إنني سأموت في يوم ما، وقد يكون باردا وجافا، وبسبب الفشل الكلوي الذي توفيت بسببه أم كلثوم.

تنويه: جميع المقالات المنشورة تمثل رأي كتابها فقط
Read our Privacy Policy by clicking here