فنون العراق الجميلة، الملا صفي الدين ! *

د. رضا العطار

صفي الدين الارموني : هو احد النابغين في العلم النظري للموسيقى في تاريخنا العربي لانه صنع لنا مدونات كانت تطابق اعمال الموسيقيين والمغنين والضاربين العرب في تلك الحقبة من الزمن، على اننا نشير الى الاختلاف بين المعتقدات والمبادئ التي وضعها علماء النظرية والمدونين العرب وبين صناعة الفنانين، وحقيقة الامر ان هؤلاء يجهلون في الغالب هذه النظريات الدقيقة ولا يطيقونها الا جزافا لانهم اصحاب موهبة لا اصحاب علم وقد اشار اسحاق الموصلي احد اشهر ممثلي الموسيقى القديمة، كنموذج الى هذا النوع من الطلاق بين علماء النظرية والفنانين عندنا قوله :
(لم ياخذوا شيئا عن العلم الموسيقي اليوناني وانما مارسوا الفن بحسب الاصول القديمة الشفهية)

هذه هي الصورة التاريخية للنزاع الدائم بين الموهبة والعلم، بين القدوة والمعرفة – – – مع هذا فان التفاعل العظيم الذي احدثه الفنان العراقي النابه صفي الدين عبد المؤمن الارموي كان شيئا فريدا في زمانه. ولقد جائت الحركة الاصلاحية التي نهض بها الخليفة الاخير المستعصم بمثابة القوة الدافعة للموسيقى العراقية، اذ فتحت امامها مجالات جديدة وآفاقا قوية بلغت كمالها واتت اكلها بعد حين من الزمن.

في العام 1219 م فتح جنكيزخان وجيوشه المغولية الاراضي الشرقية من الامبراطورية الخوارزمية. وفي العام 1256 عبر هولاكو حفيد جنكيزخان نهر سيحون لتأديب الاسماعيليين. ولما تم له ذلك اتجه نحو بغداد الحضارة. وفي عام 1258 حوصرت بغداد مدينة السلام، مدينة الموسيقى والعلم والادب والفكر والثقافة، مدينة الانسانية وهوجمت واخذت – – – ثم تلتها اسابيع من النهب والسبي والقتل والتدمير والحرق، اذ سجلت هذه التفاصيل المرعبة افضع الفصول واعظمها اثارة للفزع في التاريخ.

لم تدمر العلوم النظرية والكتب الثمينة في حقول الموسيقى والطب والكيمياء والطبيعة والجغرافيا والتاريخ والفقه واصول الدين فحسب بل دمر المجرى الانساني الصحيح للدراسة المبتكرة في الثقافة البشرية المنطلقة من بغداد – – – ولم يكن اثر هذه الحرب التترية الماحقة مقصورة على احداث الدمار فيما يقرب من جميع بقاع بغداد الى جانب املاقها بل لقد نجحت الحرب الغازية في القضاء على حضارة بغداد المزدهرة وحرمان الاجيال الغضة من اية ثقافة مناسبة – – – ويمكن القول ان خط الموسيقى الذي ارسته بغداد ومدن العراق الاخرى بقي الخط الاوفر حظا من الخصائص الفريدة والنادرة في الخطوط اللحنية والقوالب الموسيقية، لان هذا الفن عبّر عن صبوات الانسان العراقي وعبّر عن تاريخيته المترعة بالعظيم من الانجازات – – – ان بغداد تبقى في التاريخ جوهرة العطاء والاشعاع، ويبقى الفن الموسيقي اللوحة التي نؤرخ لبغداد جمالها الذاهب في التاريخ.

* مقتبس من كتاب حضارة العراق للباحث عادل الهاشمي.

تنويه: جميع المقالات المنشورة تمثل رأي كتابها فقط
Read our Privacy Policy by clicking here