الحصان اﻷصيل لا ينحني (ردا على كلمة عادل عبدالمهدي)

يحكى أنَّ هناك رجلا تجاوز العقد الخامس من العمر، يتخذ من الدواب وعلى مختلف أنواعها تجارة له. وﻷنه يحسن التعامل فقد وصلت سمعته بقاعاً بعيدة عن قريته، فبدأ الناس يتقاطرون عليه من كل حدب وصوب. في يوم ما وصله نذير بضرورة السفر الى سمرقد لعقد صفقة قد تكون اﻷكبر في سجل عمله، فما كان عليه الاّ أن يحزم أمتعته ويمتطي راحلته ومع بزوغ أولى ساعات الفجر، ليلتحق بإحدى القوافل المتجهة الى هناك، فالطرق الغريبة حافلة بالمصاعب والسير جماعة لهو حلٌ ينجي صاحبه من منغصات وعثرات السفر.

وﻷن ما يمتلكه من المزارع والحضائر ما لا قدرة ﻷهل بيته على إدارتها ومتابعتها، فقد أوصى عامله والذي لا زال حديث عهد بالمهنة بأن يرعى حلاله وماله، فكان له ما أراد، لا سيما وان الرحلة قد تطول لبضعة أشهر. في يوم قائض جائه أحدهم، سائلا عن فرس أصيل فاحتار العامل له جوابا، فلم يكن سيده قد علَّمه بعد بعض مفاتيح المهنة مما إضطره للإعتذار، غير انه في اليوم الثاني وبما انه مؤتمن على ما أودع ووُضعَ تحت تصرفه، فقد

قرر البحث عما يساعده في فرز ومعرفة الخيول اﻷصيلة من الهجينة.

وعملا بنصيحة أحدهم وبعد غروب الشمس، تجده متجها نحو إحدى القرى، باحثا عمَّن له دراية بأمر كهذا الاّ انه لم يعثر على ضالته فعاد بخفي حنين. في الأسبوع الذي تلاه قيل له أن خلفَ إحدى الروابي التي تبعد من هنا مشي ليلة واحدة بإتجاه الشرق، ستجد ما يعينك على أمرك، فشدَّ الرجل رحاله ليصل فجرا وكان وقع المفاجئة صادما، فنصف دواب تلك القرية وجدها نافقة، فقال في سرّه: لا أظنني سأصل مبتغاي. فما كان منه الاّ أن يعود أدراجه ومن غير أن ينزل من دابته أو يسرجها، كعادة القادمين من مسافات نائية.

بينما هو جالس في بيته لمع في ذاكرته حديثا كان قد سمعه من أبيه يوم كان صغيراً: يقولون ان هناك شيخاً، يسكن في مكان ليس ببعيد عنّا، لديه من الخبرة ما تعينه على تمييز الفرس اﻷصيل من الهجين. فما كان من الرجل الاّ التوجه صوب المكان الذي عرِفَ أين يقع. في الطريق وإذا بالشمس والمطر يجتمعان. إنه فأل حسن، قال هامساً.

قُلْ وصل غايته وأسرج دابته، وإذا بمضافة واسعة اﻷبعاد، أنيقة المظهر، تعجٌ من حولها بمجاميع متنوعة من الخيول، تتراقص على إيقاع ضربات سنابكها، رشيقة في حركاتها، مغرورة بغررها، يتطاير شعرها يمينا وشمالا وبألوان زاهية، مُبهرة. أشار

أحدهم عليه من بعيد مرحباً. دخل المضافة، سأل عن الشيخ العجوز، قيل له قد توفى قبل سنين، الا انه وضع أسراره الى ولده اﻷكبر وها أنت في ضيافته، شَرِبَ القهوة بعد أن طمأنه مضيفه بتلبية رغبته، ثم تلاها بفنجان ثانٍ. تبادلا اﻷحاديث حتى وصلا الى ما يبتغيه الضيف من طلب، فردَّ عليه مضيفه بأن ما جئت من أجله لهو سهل المنال، فما عليك الاّ إتباع قاعدة واحدة فحسب، وراح مصغيا حتى حفظها عن ظهر قلب.

عاد الرجل المؤتمن على مال سيده الى قريته. بدأ بتنفيذ ما اقترحه إبن الشيخ العجوز من وصايا لمعرفة خيوله اﻷصيلة من الهجينة، فلبضعة أيام حرمَ خيوله من اﻷكل والشرب حتى ظهرت عليها علامات الوهن. بعد أن إطمأن على تحقيق الخطوة اﻷولى وأتت أكلها إنتقل الى الخطوة الثانية واﻷخيرة، حيث قام بجمع الخيول وسوقها الى إسطبلاتها، بعد أن هيأ لها أشهى الأكلات وأطيبها، وراح يتطلع من بعيد الى خيوله، وإذا بقسم منها أبت التقرب من تلك الموائد، بل حتى راحت تدير برقبتها وكل جسدها بعيدا، في دلالة على ما تحمله من عزة نفس،كذلك جاء تصرفها بمثابة ردة فعل على تصرف عامل الخيل إتجاها حين جوَّعها عن عمدٍ. عند هذه اللحظة أستطاع الرجل تمييز الخيول اﻷصيلة من الهجينة.

فيا سيد عادل عبدالمهدي، عليك أن تعرف بل أظنك تعرف بأن شبابنا المنتفضين في ساحات العراق كلها خيول أصيلة وفيها من الكرامة ما يرفع أجبننا عاليا، وسوف لن تنفع معها كل ما تحاولون تقديمه من مغريات ورشى، من أجل ثني إراداتهم ووقفتهم الباسلة،

بل هم على العهد باقون، صامدون، ثابتون والشعب كل الشعب من ورائهم.

هل وصلت الرسالة؟

حاتم جعفر

السويد ــ مالمو

تنويه: جميع المقالات المنشورة تمثل رأي كتابها فقط
Read our Privacy Policy by clicking here