تحليل: العراق يعاني لاحتواء العنف بعد امتداد الاضطرابات إلى بؤرة ساخنة ببغداد

من جون ديفيسون وراية الجلبي

لم تدفع أيام من الاحتجاجات الدامية المناهضة للحكومة في بغداد ومدن عراقية أخرى السلطات إلى تقديم تنازلات حقيقة تذكر لكن عندما سقط قتلى في ضاحية فقيرة مضطربة ردت السلطات بشكل مختلف.

وبعد مقتل محتجين في مدينة الصدر، أمر الجيش بالانسحاب من المنطقة وللمرة الأولى أقرت قوات الأمن باستخدام القوة المفرطة ووعدت بمحاسبة المسؤولين عن العنف.

كما وعدت السلطات بضخ مزيد من الأموال لمساعدة الفقراء.
وتقول مصادر أمنية وزعماء محليون ومشرعون ومحللون إن بوادر حدوث تصعيد في الضاحية السكنية المترامية الأطراف، التي هاجم منها مقاتلون شيعة القوات الأمريكية بعد الغزو عام 2003، أثارت قلق الحكومة لأنها تعني مشاكل خطيرة للعراق واضطرابات أكثر دموية.

وقال الشيخ شياع البهادلي وهو زعيم أحد العشائر ”سيكون هناك أناس غاضبون.. من فقد أخاه أو قريبا له. سيودون الانتقام من خلال العشائر“.

وأضاف ”نحاول تهدئة الوضع والحديث مع المتظاهرين وجميعهم أقاربنا لأنه إذا وصل الأمر إلى حمل السلاح أو تدخلت فيه الأحزاب، فسيخرج العراق عن السيطرة وسيكون هناك المزيد من إراقة الدماء“.

لكنه نبه الحكومة إلى ضرورة اتخاذ خطوات لتطبيق إصلاحات حقيقية وإلا فستستمر الاحتجاجات. وألقى باللوم في الاضطرابات على ما وصفه بفساد السلطات.

ويتفق بعض المحللين على أنه من غير المرجح أن تكون إصلاحات الحكومة كافية لإرضاء عراقيين كثيرين يطالبون بإصلاح النظام السياسي بأكمله والنخبة الحاكمة البغيضة التي يقولون إنها أبقت معظم العراقيين يعيشون في حالة بؤس حتى في زمن السلم.

* مخاوف الدوامة
ووصلت الاحتجاجات، التي تفجرت في وسط بغداد الأسبوع الماضي وامتدت لمدن جنوبية، إلى مدينة الصدر لأول مرة يوم الأحد. وبمقتل أكثر من 12 شخصا بها ارتفع إجمالي عدد القتلى إلى 110 أشخاص على الأقل، معظمهم من المحتجين.

وحطمت هذه الاضطرابات استقرارا نسبيا استمر عامين تقريبا في العراق الذي شهد احتلالا أجنبيا وحربا أهلية واجتياحا لتنظيم الدولة الإسلامية بين عامي 2003 و2017. كما مثلت أكبر تحد للأمن منذ إعلان هزيمة تنظيم الدولة الإسلامية.

وكثير من المحتجين شبان من ضاحية مترامية الاطراف، تمثل رمزا لنقص الخدمات وفرص العمل والفساد الحكومي الذي فجر غضبا عاما، ويقطنها كثيرون من أنصار الزعيم الشيعي القوي مقتدى الصدر.

وانحاز الصدر، الذي بمقدوره حشد عشرات الألوف من أنصاره، للمحتجين الأسبوع الماضي وطالب باستقالة الحكومة والدعوة لانتخابات معربا عن معارضته للحكومة ومجلس النواب اللذين تسيطر عليهما قوى سياسية وبرلمانية مدعومة من إيران. لكنه لم يدع أنصاره للاحتشاد في الشارع.

وذكر التلفزيون الحكومي يوم الثلاثاء أن رئيس الوزراء عادل عبد المهدي اجتمع مع زعماء دينيين وعشائريين من ذوي النفوذ للبحث عن مخرج للأزمة.

وفيما يؤكد مخاطر دوامة العنف، قالت الشرطة إن أحد أفراد قوات الأمن قٌتل في بغداد بينما أٌصيب أربعة آخرون ليل الاثنين بأعيرة نارية أُطلقت من حشد من المحتجين بينهم أعضاء عائلات لقتلى من مدينة الصدر يوم الأحد.

واقترحت الحكومة بشكل أولي تقديم منح للفقراء وتوفير فرص عمل أكبر للخريجين. وفي بغداد اصطف العشرات يوم الثلاثاء أمام وزارة العمل على أمل تلقي رواتب وُعدوا بها حديثا.

وقال عضو في مجلس النواب ينتمي للحشد الشعبي، الذي يضم عناصر مسلحة مدعومة من إيران، إن التحركات يمكن الآن أن تشمل إقالة قادة أمن في بغداد ومحافظات شهدت تفجر أعمال عنف.

وأضاف النائب عبد الأمير التعيبان ”الحكومة تُعّوّض عائلات القتلى من المحتجين وأفراد الأمن“.

وكان الرد على المحتجين في بادئ الأمر عنيفا.
وشاهد صحفيون من رويترز قتل وإصابة محتجين بنيران قناصة من قوات الأمن كانوا يطلقون النار على الحشود من أسطح الأبنية رغم نفي وزارة الداخلية إطلاق قوات الحكومة النار مباشرة على المحتجين.

وقال البروفيسور توبي دودج من كلية لندن للاقتصاد إن العنف في مدينة الصدر التي تحتضن شوارعها الضيقة ثلث سكان بغداد البالغ عددهم ثمانية ملايين نسمة، دفع على الأرجح الساسة إلى التحرك بشكل بناء أكثر لمعالجة مطالب المحتجين.

وقال ”تظهر مدينة الصدر دوما كشبح لا يمكن السيطرة عليه يلوح على مشارف المدينة…قتل عدد كبير من الناس في مدينة الصدر سيفجر دائرة من القتل والانتقام“.

وأضاف ”دخول مدينة الصدر في هذا الأمر – والمستوى المرتفع من العنف قد دفع إلى هذا الاعتذار“ وذلك في إشارة إلى بيانات رسمية أقرت بخطأ قوات الأمن.

وألقت شخصيات مؤيدة لإيران باللوم في العنف على متسللين مزعومين مدعومين من أعداء أجانب وحذروا من أنه، ورغم مشروعية الإصلاح، فإن من الممكن مواجهة أي مظاهرات أخرى بمزيد من القوة.

وقال فالح الفياض رئيس هيئة الحشد الشعبي يوم الاثنين إن البعض يقولون إن الاحتجاجات كانت مفاجئة وعفوية لكنه أوضح أن لديه مؤشرات استخباراتية أخرى.

وأضاف أن الرد على من يرغبون في الإضرار بالبلاد سيكون واضحا ودقيقا من قبل الدولة ومؤسساتها مشيرا إلى أنه لن توجد فرصة لانقلاب أو تمرد.

وأضاف ان قوى خارجية تسعى للاستفادة من الفوضى في العراق في إشارة إلى السعودية والإمارات.

وقال دودج إنه ومع كل وعود الإصلاح فإن السلطات ستعتمد على القوة للحفاظ على الوضع الراهن.

وأضاف ”الطريقة التي تعاملت بها النخبة الحاكمة مع هذ التصعيد في الاحتجاج الشعبي قمعية على نحو لا يصدق. إغلاق الانترنت واستهداف الصحفيين – اعتقد أن هذه خطوة واضحة باتجاه الاستبداد“.

إعداد ليليان وجدي ومحمد محمدين ومعاذ عبد العزيز للنشرة العربية – تحرير أحمد صبحي خليفة

تنويه: جميع المقالات المنشورة تمثل رأي كتابها فقط
Read our Privacy Policy by clicking here