ارقد بسلامٍ يا صاحب الشناشيل

بقلم : قصي صبحي القيسي

كنت أعجب لمقدار التواضع الذي يزين روحه النقية، إنسان ثوريّ نشيط لايكلّ ولايملّ، عدم اكتراثه بالشهرة جعله مشهوراً، يدخل مجلساً مرتدياً زياً بسيطاً فيقف له الجميع احتراماً ويتسابقون لمصافحته، يوزع ابتسامته العذبة للجميع، للأصدقاء وحتى للخصوم، لا اعتقد أن الكراهية عرفت طريقها الى قلب هذا الانسان النبيل .

كل هذه الطيبة الراسخة فيه كانت ترافقها قسوة على الفاسدين الذين عبثوا بمقدرات الوطن المستباح، فعندما يمسك صاحب الشناشيل قلمه لايختلف عن جندي أدار فوهة القاذفة باتجاه العدو، كان عمود الشناشيل بالنسبة لحيتان الفساد صاروخاً نووياً يقض مضاجعهم، يعريهم ويكشف خزيهم، ويصور للرأي العام حقيقة المأساة التي يعيشها شعب سلبت منه أبسط حقوقه وبات يعيش تحت خط الفقر في بلد يفترض أنه من البلدان النفطية الغنية .

الشيء الذي كان يميز أعمدته هو بساطة الاسلوب وسلاسته والسرد الجميل والمعلومات التي تعكس ثقافة غنيةً وثراءً فكريا، كان الفقيد عدنان حسين موسوعة شاملة لاتنحصر باليسار فقط، بل تسبر اغوار كافة الاتجاهات الفكرية والمذاهب الفلسفية والعقائدية، وتمتد الى عمق التراث الانساني، كل هذا الكم من المعرفة كان موجوداً في إنسان متواضع بسيط يقدم الماء بنفسه للضيف، فما أعظم أخلاقك وما أطيب قلبك وما أشد حزننا برحيلك الذي باغتنا ونحن أحوج ما نكون الى قلمك الحر لتفضح تجار السياسة والعملاء الذين داسوا على كرامة الانسان العراقي وصادروا حقه في العيش الكريم في وطن مثل بقية الأوطان، رحلتَ لتترك محبيك الأحرار في منتصف الطريق ليكملوا المسيرة التي بدأتها، فهل سيكملوها ويكونوا أوفياءً لرسالتك النبيلة؟

كيف أرثيك اليوم؟ وهل أرثيكَ أم أهنئك على رحيلكَ أبيض الوجه تاركاً خلفكَ إرثاً فكرياً وتاريخاً نضالياً ومسيرة مهنية حافلة بالعطاء في معترك الصحافة الذي يفتقدك اليوم؟ وهل هناك رثاءٌ يَفي بحقّكَ ويرد الجميل الى إنسان أفنى زهرة شبابه في خدمة وطنه دون انتظار الحصول على مقابل؟! نرثيكَ أم نرثي ميداناً يودع فرسانه الواحد تلو الآخر؟!

ارقد بسلامٍ يا أشرف قلمٍ عراقي مداده من دجلة والفرات، ارقد بسلام ياصوت الفقراء والكادحين ومن طحنتهم رحى الفساد، وداعاً يا صاحب الشناشيل التي سنفتقدها كثيراً بعد أن أصبحت ايقونة للثائرين، وداعاً أيها الثائر النبيل .

قصي صبحي القيسي

[email protected]

تنويه: جميع المقالات المنشورة تمثل رأي كتابها فقط
Read our Privacy Policy by clicking here