اعمى بولائه لترامب، نتنياهو يكتشف انه يلتقي نمرا من ورق

هآرتس11/10/2019

بقلم: حيمي شاليف

(المضمون – بقراره التخلي عن الاكراد فان ترامب غرس سكينا في ظهر حلفائه وأعلن عن نيته التخلي عن منطقة الشرق الاوسط. وفي الوقت الحالي من الواضح أن نتنياهو أقام أمن اسرائيل على دعامة هشة- المصدر).

فقط هناك تلميح واحد اعطي مؤخرا بأن بنيامين نتنياهو يعترف بسقوط استراتيجي تعرضت له اسرائيل. ذلك هو اختياره للعودة الى الشعار المعروف من الايام السابقة. “اسرائيل ستدافع عن نفسها بقوتها الذاتية”. في خطاب القاه أمس في احتفال لتخليد ذكرى شهداء حرب يوم الغفران في جبل هرتسل، أثنى نتنياهو على دعم الولايات المتحدة الكبير لاسرائيل، لكن هذه المرة التشديد في اقواله انتقل من اظهار الثقة الكاملة بالتصفية الأميركية للوسائل النووية الايرانية الى أن العبء سيقع على الجيش الاسرائيلي في نهاية الامر.

نتنياهو يعرف منذ شهر حزيران بأن الولايات المتحدة القت من أيديها القدرة على صد ايران بالتهديد العسكري. قرار الرئيس دونالد ترامب أن يلغي في اللحظة الاخيرة عملية انتقام أميركية على اسقاط الطائرة الاستخبارية بدون طيار، حوله في نظر الايرانيين الى نمر من ورق. بالنسبة لصدى العملية في الشرق الاوسط فان الغاء الهجوم حقق تأثير مشابه للذي حققه قرار براك اوباما في آب 2013، الامتناع عن مهاجمة سوريا بعد ان استخدمت السلاح الكيميائي في ضواحي دمشق. القرار أدى في حينه الى موت نحو 1400 مواطن سوري.

اذا بقي أي شك لدى أي أحد حول ذلك فقد تبدد في هذا الاسبوع بعد اعلان ترامب عن انسحاب القوات الأميركية من شمال سوريا، وهو القرار الذي اعطى الضوء الاخضر لتركيا من اجل شن هجوم على القوات الكردية التي تتمركز في المنطقة. ترامب ليس فقط غرس سكين في ظهر حلفاء صدوا بأجسادهم قوات داعش، وتركهم لخطر التعرض لابادة شعب، وهو يقول “الكردي قام بدوره، الكردي يمكنه أن يختفي”، بل اعلن ايضا عن نيته ترك منطقة الشرق الاوسط.

ولكن عندما تحول ترامب الى نمر من ورق فانه لا يوجد أي خيار امام نتنياهو عدا عن مواصلة الركوب عليه، مثلما يقول المثل الصيني. البديل هو مخيف اكثر. تفسيره هو الاعتراف الهائل بالفشل. نتنياهو راهن بكل امواله على ترامب، ووصفه بالمسيح المخلص، وحتى استخدمه كزينة وخلفية مركزية في الحملتين الانتخابيتين اللتين اجراهما هذه السنة. واذا تحققت النبوءات ووجدت اسرائيل نفسها في حملة انتخابية ثالثة، فمن المشكوك فيه اذا كانت الشوارع ومقر الليكود سيتم تزيينها بلافتات كبيرة لنتنياهو وترامب معا.

فشل مزدوج

فشل نتنياهو، الذي كان في دولة سليمة سيؤدي الى عزله، هو فشل مزدوج ومضاعف. من الصعب التصديق بأنه لم يعرف مسبقا مع من يتعامل. العنوان كان مكتوبا على الجدار وفي العناوين الرئيسية في الصحف بأحرف كبيرة واضحة، إلا أن توق نتنياهو الى محو سجل سنواته السيئة مع اوباما، واستحواذه المرضي مع ايران، وتأثره

من حرب ترامب ضد وسائل الاعلام وضد الجهاز القضائي، المكروهة عليه غطت على اشارات التحذير التي كان يجب أن تجعله يتبع سياسة اكثر حذرا.

إن غطرسة نتنياهو وشهوة الانتقام التي لا تتوقف لديه، شوشت كما يبدو على تقييماته. لقد اقنع نفسه والرأي العام في اسرائيل بأن هناك ترامبين، الاول هو الرئيس الافضل بالنسبة لاسرائيل، الذي كان لها طوال وجودها. والثاني هو نموذج لشخص مصاب بجنون العظمة ومتهور وغير متزن، يخرب علاقات الولايات المتحدة مع حلفائها ويستخذي امام اعدائها. في هذا الاسبوع كشف الخداع: لقد تبين أنه يوجد ترامب واحد فقط، وأن نتنياهو أسس الامن القومي لاسرائيل في السنوات الاخيرة على دعامة متهاوية، على أقل تقدير.

باستثناء بادرات حسن النية الرمزية بشأن الاعتراف الأميركي بهضبة الجولان ونقل السفارة الأميركية الى القدس، التي يمكن التجادل بشأن قيمتها، لم يبق أي شيء من الآمال التي علقها نتنياهو على حليفه في البيت الابيض. ورغم الضائقة الاقتصادية، إلا أن ايران تحولت الى عدائية أكثر، سواء في مؤامراتها الاقليمية أو تحرير مشروعها النووي من القيود التي فرضت عليه في الاتفاق النووي الذي عارضه نتنياهو بكل قوته.

ورغم أن اسرائيل تستمر في تحسين علاقاتها الخفية مع دول الخليج، إلا أن حلم اقامة جبهة اقليمية مناهضة لايران تحطم وانهار. ومثلما في القدس، ايضا حكام القاهرة والرياض ودبي، يعيدون النظر في خطواتهم: بدون ظهر أميركي، فان خيار المصالحة مع طهران والاستجابة على عدد من طلباتها على الاقل، تبدو اكثر جاذبية من أي وقت مضى.

إن غطرسة نتنياهو جعلته يتصرف وكأن اسرائيل هي كوكب معزول، مصيره لا يرتبط باستقرار وقوة العالم الحر. لقد عرض على الجمهور الاسرائيلي عرض عبثي على شفا التحايل – وكأن السم والدمار الذي زرعه ترامب في التحالف التاريخي بين الولايات المتحدة وغرب اوروبا، والتشجيع الذي يقدمه للديكتاتوريات الظلامية، من موسكو وحتى بيونغ يانغ، لا تضر اسرائيل. إن تماهيه المرضي مع الميول غير الديمقراطية لترامب أعمته عن التداعيات المحملة بالكارثة، عن استقرار وتماسك الولايات المتحدة نفسها. إن ضعضعتها تشكل خطرا ليس فقط على اسرائيل، بل على كل العالم.

منذ نهاية الحرب العالمية الثانية كانت الولايات المتحدة هي المرساة للعالم الغربي والديمقراطي. زعماؤها، الافضل والاسوأ من بينهم، عملوا بهذا القدر أو ذاك من خلال الوعي الكامل لدور أميركا الحيوي في الحفاظ على الاستقرار العالمي. ترامب في المقابل، رفع هذه المرساة وأبحر الى مناطقه الوهمية. بدلا من الاستعداد ليوم قريب وتعزيز علاقات اسرائيل مع البدائل، من الحزب الديمقراطي وحتى الدول الاوروبية، فان نتنياهو قام بربط سفينة اسرائيل مع رحلة ترامب واصبح من أكبر مؤيديه على وجه الارض. قريبا ربما سيجد نفسه معزولا في الملعب وهو يصفق للرئيس الذي يقود بلاده ليس بحزن، بل بضغط وحماسة لا يمكن تخيلهما.

خيانة ترامب الصارخة للاكراد زادت عن الحد. وربما حتى بالاساس في اوساط شخصيات رفيعة في الحزب الجمهوري، التي لم تتجرأ حتى الآن على انتقاده بشكل علني. وحتى مؤيديه الافنغلستيين نشروا بيان ادانة ضده. جهود الرئيس للدفاع عن قراره زادت الوضع سوء: الاعلان المضحك له أمس بأن الاكراد “لم يساعدونا في غزو نورماندي” أثار الغضب والدهشة حتى في اوساط أتباعه الاكثر ولاء له.

ترامب بقصر نظره الاجرامي حول نفسه الى رهينة لرئيس تركيا رجب طيب اردوغان ولضبط النفس الذي سيظهره جيشه. إن قتل الاكراد سيسجل في غير صالحه. نتنياهو، مع مؤيدي الرئيس المتحمسين جدا، سيواصل الحفاظ على المظهر الزائد. لا خيار آخر له. ولكن في واشنطن يزداد الادراك بأن هناك شيء ما متعفن في مملكة ترامب الى درجة أنه يشكل خطرا على الأمن القومي للولايات المتحدة.

اهتمامات غير صحيحة

أولا، التدهور في نشر محاولة ترامب لابتزاز رئيس اوكرانيا كي يقدم له معلومات تدين خصمه الديمقراطي جون بايدن، محاولة ترامب التنصل من البينات القاطعة التي قدمها البيت الابيض نفسه في نشر مضمون مكالمة ترامب مع رئيس اوكراني زيلنسكي، اوضحت مدى انقطاعه عن الواقع.

قضية اوكرانيا زادت شدة الرد على خيانة ترامب للاكراد. قراره كان يقتضي الادانة حتى ولو استندت فقط على انقطاعه وجهله ووقاحته، لكنها مقرونة بشك كبير أنه يوجد هنا ايضا دوافع مرفوضة أملت عليه ذلك. توجد لترامب مصالح اقتصادية واضحة في تركيا. اردوغان رافقه في العام 2015 في تدشين ابراج ترامب في اسطنبول – اذا كانت هذه قد لعبت دورا في خطواته الاخيرة فان هذا الفشل سيسجل ليس كقرار متسرع لرئيس وقح، بل كجريمة لا تغتفر. إن عدم مبالاته بمصير الاكراد هو خطأ كبير، لكن التخلي عنهم مقابل حفنة من الدولارات هو جريمة لا تغتفر.

الآن، الرئيس الأميركي هو كحيوان مصاب، سيفعل كل ما في استطاعته من اجل انقاذ نفسه من صائديه. خطواته حتى الآن على الصعيد الداخلي والخارجي، تدل على أنه لا توجد مؤسسة، تقليد، مبدأ لا يمس به ترامب. سواء من اجل ارضا “الأنا” الجامحة خاصته أو ملء خزينته على حساب منصبه أو كما يشك الكثيرون، لمواصلة دفع ديونه لمشغليه في الكرملين.

نتنياهو أوهم الجمهور بأن ترامب جيد لاسرائيل، لكن بوتين هو الذي يمكنه الاعلان بثقة كاملة أن ترامب جيد لروسيا – مثلما أن كيم كونغ أون يمكنه الاعلان بأنه جيد لكوريا الشمالية، واردوغان بأنه جيد لتركيا، وليس مستبعدا أيضا أن آيات الله سيقتنعون، هذا اذا لم يقتنعوا بعد، بأنه جيد بشكل خاص لايران.

تنويه: جميع المقالات المنشورة تمثل رأي كتابها فقط
Read our Privacy Policy by clicking here