الحشد الشعبي بين الوطنية والتبعية..

بقلم: طارق الكناني

مما لا يخفى على المتتبع لأحداث العراق ما لأهمية الفتوى الجهادية التي اطلقها المرجع الديني الشيعي السيد علي السيستاني في انهاض الامة العراقية لمواجهة الخطر الذي داهمها عبر ما يسمى بتنظيم داعش واحتلاله لنصف مساحة العراق بعد ان تقاعست القيادات العسكرية والقائد العام للقوات المسلحة عن رد هذا الخطر وانسحبت من ارض المعركة بشكل مقصود معرضة الجيش للهلاك و المؤسسة العسكرية للإذلال ،لم يدرك اغلب الشعب العراقي ما جرى واهميته الا بعد فوات الاوان ،فالفتوى اعادت الامور الى نصابها وكانت قوافل الشهداء تسطر ملاحم البطولة والفداء لتحرير الارض والعرض من دنس الغاصب .

في كل خطاباتها كانت المرجعية حريصة اشد الحرص على تسمية هؤلاء الرجال (بالمتطوعين )وكان تمويل هذه الحملات من الاموال التي توفرها المرجعية من الحقوق الشرعية والمتبرعين بعيدا عن الدولة وبيروقراطيتها المقيتة ،فهي لم تألوا جهدا في ايصال الدعم اللوجستي والاسلحة بكل اشكالها لهم وكانت الانتصارات التي تحققها جموع المتطوعين تستثمر من قبل بعض الميليشيات المدعومة من ايران والتي لم تشارك بشكل جدي في معارك التحرير انما كانت تصل متأخرة دائما وبعد انتهاء المعركة لتقول نحن من قام بالفعل وقد أكد لي الكثير من قيادات المتطوعين ذلك وخصوصا في معارك جرف النصر حيث وقع العبء الأكبر على (لواء علي الاكبر ) من المتطوعين .

لم يرق ما تحقق من انتصارات للميلشيات التي تأسست في ايران وخصوصا بعد ان رفع المتطوعون شعارات كانت تتوعد بها الساسة الذين اضاعوا العراق وبعد انتهاء عمليات التحرير سوف تناجزهم فقرر هؤلاء الساسة وبمؤامرة دبرت بليل للاستحواذ على كل ما قدمه هؤلاء الرجال من تضحيات وبمشورة من سليماني تم نقل التجربة الايرانية بالكامل على يد العامري والمهندس واختيار الفياض ليكون رئيسا لهيأة الحشد الشعبي فتم تقنين عمل الميلشيات تحت هذا المسمى وتم ابعاد الفصائل المقاتلة بالكامل بعد ان تحقق النصر لها فنسبوا هذا النصر الى مؤسسة تم انشائها في ايران وبإشراف (سباه) .

لقد كانت المغانم لمؤسسة الحشد الشعبي بالكامل في حين تم حرمان هؤلاء المتطوعون من حقوقهم وخصوصا الشهداء منهم ولم يكن المنتسب للفرق القتالية يحصل على راتب واذا حصل على الراتب فهو لم يكن ليكفي عائلته في حين الرواتب الضخمة راحت الى الميليشيات التي ركبت الموجة واسست مؤسسة الحشد الشعبي الذي تأسس في ايران ليوازي ما تم تأسيسه في العراق ابان الحرب الايرانية العراقية (الجيش الشعبي) والذي كان قوة ضاربة بيد (القائد الضرورة ).

ما اشبه اليوم بالبارحة فبعد ان رفع المتطوعون شعارا يقضي بمناجزة الساسة الذين سرقوا العراق وباعوه تحول الشعار وعلى لسان الفياض الذي يرأس هذه المؤسسة ليعلن جاهزية الحشد للدفاع عن الحكومة والنظام ،فعند قيام انتفاضة الأول من اكتوبر عام 2019 هبت فصائل الميليشيات التي تنضوي تحت قيادة الحشد لقمع المتظاهرين وقد شوهدت هذه الفصائل وهي تعتلي سطوح المباني وترمي بقناصاتها على الشباب الذي تظاهر للمطالبة بحقوقه وتدافع عن نظام وصل الى طريق مسدود وعجز عن كبح جماح ساسته وايقافهم عن النهب والسلب الذي مارسوه خلال ستة عشر عام حتى تردى التعليم والقضاء والصناعة والزراعة ولم تعد الدولة تحمل صفة او شكل الدولة ،وجاءت مؤسسة الحشد الشعبي لتكرس حكم هؤلاء اللصوص وتدافع عنه عبر قمعهم للتظاهرات وقتل المتظاهرين .

لقد نكأ تصريح الفياض جراح الماضي القريب والذي مازال مثل النار تحت الرماد وعمق الآم الحاضر وأن اعلانه عن جهوزية الحشد لقتال ابناء الشعب دفاعا عن السلطة هو اعتراف ضمني بأن هذه المؤسسة انما وجدت لحماية الساسة من الشعب ليس الا.

تنويه: جميع المقالات المنشورة تمثل رأي كتابها فقط
Read our Privacy Policy by clicking here