نحـو تضامن عراقي، حيوي، واعٍ وحريص، مع الحراك الشعبي، والمطاليب المشروعة

* رواء الجصاني

———————————————————————-

شهدت الايام القليلة الماضية ترحابا، وتضامناً، باشكال شتى، مع الاحتجاجات الشعبية الحاشدة التي شهدتها العاصمة بغـداد، ومدن عراقية اخرى عديدة، من اجل تحسين ظروف المعيشة والحياة، وضد استفحال الفساد الاداري والمالي المستشري في البلاد العراقية منذ سنوات مديدة، ومحاسبة المسؤولين عنه .. وقد نشطت باتجاه ذلك التضامن قوى ومنظمات وشخصيات سياسية ومدنية وغيرها، في الكثير من عواصم ومدن العالم، وخاصة في البلدان التي تتواجد فيها تجمعات عراقية فاعلة..

وانشطة التضامن هذه حالة صحية عريقة مع المحتجين والمتظاهرين والذين لم يجدوا طريقا آخر سوى الخروج الى الساحات والشوراع يطالبون بحقوق مشروعة يتفق معها ويؤيدها كل اصحاب الضمائر الانسانية. كما من الطبيعي ان تتصاعد فعاليات التضامن حين تروح هناك اعداد كبيرة من الضحايا والجرحى بسبب العنف الذي يواجهون به سواء من الجهات الحكومية، وغيرها.. وذلك ما آلَ اليه التحرك الجماهيري الاخير في العراق..

لقد اتخذت وتتخذ فعاليات التضامن، خارج البلاد ، صيغا عديدة ، فرديةً وجماعية، عفوية او منظمة، مثل التعبير عن المواقف والكتابة في وسائل الاعلام، وتقديم المذكرات، وتنظيم المسيرات، والاعتصامات وما الى ذلك. وكلها تهدف – كما ينبغي- الى دعم المحتجين، والمطالبين بحقوقهم المشروعة، المعيشية والاجتماعية وسواها. وعلى تلك الطريق من الطبيعي ان تبرز في مثل تلك النشاطات التضامنية ميول متشددة هنا وهناك، بأقتناع او ادعاء.. كما محاولات سياسية وغيرها لتحقيق اهداف ذاتية، خاصة وعامة، في احيان كثيرة، وبدون اهتمام لظروف المكان والزمان، وتكافؤ القوى، والبدائل المتوقعة ..

ولا بدّ من السبق في كل ذلك وهذا، للعمل على اعلاء الروح التضامنية، والتقدير الكبير لمنظميها، والمشاركين فيها.. وإذ نبتعد هنا عن الاندفاعات والانفعالات العاطفية – الانسانية، نتوقف عند بعض اجتهادات ورؤى بشأن متطلبات اضافية – توضيحية، حول فعاليات التضامن التي نؤمن بضرورتها، وكلها تهدف لصالح المحتجين والمتظاهرين، انفسهم قبل غيرهم، ومن اجل تجاوز اية جوانب قد تؤثر سلبا على الغايات المرجوة، بقصد محدد او بدونه.. ومن بينها:

1/ التنبيه الى اهمية الدعوة لكي تكون المطاليب المشروعة واضحة، وملموسة وتدريجية، ووفق مقولة السياسة فن الممكن، بمعنى الأخذ بالحسبان كل الاجواء والظروف المحيطة، الذاتية والداخلية، والاقليمية والخارجية ..

2/ اشاعة الاهتمام باعتماد “السلمية” في التظاهرات المشروعة التي ينص عليها الدستور النافذ، وكل الاعراف الانسانية والدولية، والانتباه الى جميع المحاولات اللئيمة لجر المحتجين المطالبين بحقوقهم العادلة الى اعمال التخريب والعنف، من جهات واشخاص لهم مآربهـم واجنداتهم الخاصة، ولربما قناعاتهم بسبل “ثورية” لمعالجة الاوضاع المتدهورة في البلاد ..

3/ وارتباطا بما سبق، نقول بأن من المهم ايضا التنوير باهمية عدم الانجرار الى الاخبار والاشاعات التحريضية، المؤذية، المفرقة، والمثيرة للأحتراب، وذلك ممن هم بعيدون: تاريخياً، وجغرافية، وموضوعيا عن الواقع العملي الذي تعاني منه بمرارة وعلقم، البلاد، وقطاعات وجموع حاشدة من ابناء شعبنا، الكادحة والطموحة لحياة كريمة، بعيدا عن التهميش والتمييز والاستئثار، والمناضلة ضد قوى الفساد وتقاسم الغنائم، مسؤولين وسياسييــن وتجار ومتاجرين..

4/ اهمية لفت الانتباه الى ان القوات الامنية ليست هي المسؤولة عن التدهور الاقتصادي والفساد المالي في البلاد، وان منتسبيها مكلفون – كما ينبغي- بواجبات حماية المشاركين في الحراك الشعبي المشروع، والممتلكات العامة والرسمية.. كما يجب لفت الانتباه الى ان اولئك – اي رجال القوات الامنية – هم أنفسهم من كافح ضد الارهاب وقدموا مئات بل والوف التضحيات الجليلة على طريق توفير الامان والاستقرار في البلاد..

5/ كما من الطبيعي، بحسب ما نزعم، ان تهدف – بل ويجب ان تهدف اليه- فعاليات التضامن الانسانية للمساهمة جهد الممكن في تعزيز انتباه المتظاهرين الى اولئك الذين حاولوا – ويحاولون- تحريف المسار، لاشاعة ما يبتغون من قناعات خاصة، وطموحات ذاتية، وباصرار على اسقاط الدولة، ودفع البلاد لمزيد من الفوضى والاحتقان، وتعريض الفئات الاجتماعية لمزيد من المواجهات، ولحد الاحتراب الداخلي .. ودونما ان يحددوا اي بديل ممكن، موضوعيا وليس بالتمنيات .

6/ وتندرج في سياق الفقرة اعلاه، اهمية التحذير من مساعي قيادات وشخصيات عديدة في انتهاز الفرص، لاشاعة الطائفية البغيضة، بشكل وصور مختلفة “يبرعون” في طرحها .. ولا تهمهم التضحيات العزيزة بالأنفس والدماء، ما داموا بعيدين عن ساحات النضال الحقيقية، واقعاً وظروفا ..

واضافة لكل ما تقدم، وبايجاز قد يكون معبراً، واحترازا من تقولات هنا، وارتباكات في الفهم هناك، نقول بأن دوافع كل ما سبقت الاشارة اليه، لا يهدف لغير ان تكون التظاهرات المشروعة اكثر قدرة في تحقيق المطاليب الشعبية، والتي يساندها كل الذين تهمهم قضية انهاء – او على الاقل تحجيم- المعاناة الثقيلة والمؤلمة لقطاعات واسعة من ابناء شعبنا، وخاصة اولئك المظلومين من الكادحين والمهمشين ..

كما انها – اي النقاط السالفة – تهدف الى التقليل، بحسب ما ادعي، من التضحيات العزيزة، وتمنع المجرمين المسؤولين عن اراقة الدماء، من الاستمرار في غيّهم، وتسقط ما بأيديهم من “مبررات!” لممارسة القسوة الظالمة والعنف بكل اشكاله، وبخاصة من الاجهزة المسؤولة عن حفظ النظام، والمتظاهرين، لا قمعهم، ورفض، وادانة السماح بأية حال من استخدام الرصاص الحي، الذي تسبب بمقتل العشرات والوف المصابين .. كما تحدّ وتمنع كل من يريد المزايدة بدم الشباب، وخاصة اولئك “البطرانين” والبعيدين، والمبتعدين عن الميدان الحقيقي ..

وبايجاز آخـر، واخير، أدري بأن هذه الكتابة قد يساء فهم بعض اجتهاداتها، ولربما تغضب العديد، من الحريصين وغيرهم – وما علينا بالمدعين والمتربصين – مما يتطلب التأكيد مرة واخرى واخرى، بان الاجتهادات السالفة لا تعني، ولن تعني بأية حال من الاحوال، الدعوة للتسليم بالأمر الواقع، والاستكانة له. كما انها لا تدافع، ولا باي شكل او صورة عمن يقف وراء ما تسبب ويتسبب بالحال المؤلمة واللئيمة التي وصلت لها بلادنا، ولا نستثني من ذلك اية جهة رسمية ، كانت، او قوة سياسية، او شخصيات معنيّة.. فـ”لا ناقة لنا ولاجمل” بأولئك الذين يتحملون بحكم مسؤولياتهم، وادوارهم، وكل حسب موقعه، ذنوباً لا تغتفر، لولاها لما كانت هناك تضحيات جلى، واغلاها ارواح بريئة، ودماء تسيل … * رواء الجصاني / 2019.10.9

———————————————————————————

* كتبت هذه المادة في ضوء خلاصات تحدث بها الكاتب، في جلسة تشاور، محدودة، عُقدت في بـراغ، بتاريخ 2019.10.8 لبحث سبل التضامن مع الحراك الجماهيري في العراق..

تنويه: جميع المقالات المنشورة تمثل رأي كتابها فقط
Read our Privacy Policy by clicking here