العنصرية هي السياسة

هآرتس – بقلم أفنير غفرياهو – 13/10/2019

تنهيدتان لتنفس الصعداء أسمعتا مؤخرا في معسكر الوسط – يسار اليهودي في اسرائيل. الاولى، عندما علم أن ائتلاف التحريض وحصانة نتنياهو لم يحظيا بالـ 61 مقعدا المطلوبة من اجل تحصينها. الثانية، عندما أعلن رؤساء القائمة المشتركة بأنهم يوصون بالقاء مهمة تشكيل الحكومة على بني غانتس. ولكن في اليوم التالي عندما علم أن ثلاثة اعضاء من بلد لم يتم شملهم في قائمة الموصين وأن جميع اعضاء القائمة قاطعوا احتفال أداء اليمين في الكنيست احتجاجا على اهمال معالجة العنف في الوسط العربي، سارع كتاب المنشورات ومقالات الرأي الى ارسال رسائل على صيغة “العرب لا يفوتون أي فرصة لاضاعة الفرص”. ولكن أحدا تقريبا لم يتوقف ليسأل ما هو دورنا في الواقع السياسي غير البسيط الذي يعيش فيه اليوم الفلسطينيون من مواطني اسرائيل، ما هي درجة تأثيرنا على موقف ممثليهم في الكنيست. والاهم من ذلك، على أي قاعدة يمكن تشكيل شراكة حقيقية.

سنوات طويلة اقتضتها الاحزاب اليسارية اليهودية كي تفهم أن ضم الممثلين المنتخبين للجمهور العربي في كتلة هو أمر ضروري للديمقراطية. بالتحديد رجال اليمين فهموا منذ فترة طويلة أن هذا من الضرورات السياسية لتغيير حكمهم وليس مجرد ترف وطني. خلافا للرأي السائد، ليس فقط عنصرية تقف في اساس حملات التحريض التي يقودونها ضد الوسط العربي وقادته، بل هي استراتيجية مدروسة، وعلى الاغلب ناجحة. وهي اخراجهم الى خارج كتلة الـ 61 لليسار وقطع كل احتمال للتوصل الى انهاء الاحتلال ومعه نهاية حكم اليمين. المستوطنون وشركاؤهم المفكرين الذين يتطلعون الى تخليد الاحتلال لن يعطوا لاصابع ايمن عودة أو احمد الطيبي أو عائدة توما سليمان كي يحسموا مصير حياتهم. وبدونهم هكذا هم يحسبون جيدا، ليس هناك ولن يكون من يوقف مؤامراتهم للضم وتحويل اسرائيل الى دولة ابرتهايد.

هذا بالضبط هو السبب، في أن من يعرف مثلنا أن الاحتلال ليس كلمة فارغة ومهملة، بل واقع يومي رهيب يدمر حياتنا جميعا، مجبر أن يفعل كل ما في وسعت من اجل اقامة تحالف مشترك يرتكز الى التزام حقيقي من اجل انهائه. محظور ومن غير الممكن الاكتفاء بكلمات موصى بها بشأن أهمية الدفاع عن الديمقراطية الاسرائيلية، لأنه بعد 52 سنة يمكن النظر بشجاعة الى الواقع ورؤية أنه لا يوجد ولن يوجد في اسرائيل ديمقراطية حقيقية طالما أن الاحتلال مستمر.

إن النضال من اجل الديمقراطية يمر عبر النضال ضد الاحتلال، النضال الذي يمكن أن يعيش فقط من خلال شراكة قوية مع الجمهور العربي. أن ترغب في اصلاح المعطوب ولكنك تستمر في قمع ما يحدث في الجانب الآخر من الخط الاخضر، هذا ليس نفاق بل غباء جنائي.

اليوم وبعد عشر سنوات على التحريض الجامح، يمكن أن نفهم الرغبة في تحقيق بشرى المعسكر في أن نشعر بالراحة في اعقاب الانجاز النسبي في الانتخابات وأن نتنفس هواء نقي أكثر من الذي تعودنا عليه والسماح لانفسنا بأن نأمل أنه حقا تم وقف الخطوات التدميرية التي وجهت ضد اجهزة القضاء والتعليم والثقافة وضد حراس العتبة والاعلام. ولكن حزبي اليسار الصهيوني ليس لهما الترف في التخلي عن مواجهة المسألة الاساسية، التي

توجد في اساس وجودنا هنا. على اليسار اليهودي – الصهيوني أن لا يتخلى عن وظيفته الاساسية وهي معارضة الاحتلال، هذا سيكون تراجيديا اذا عرفنا أن الاصوات الوحيدة التي ستناضل ضده في هذه الكنيست ستأتي من اوساط حزب واحد الذي يسهل عزله.

إن استعراض منتخبي الحزبين، العمل والمعسكر الديمقراطي، يظهر بالضبط هذا الخوف. فالاول يرفع عاليا العلم الاجتماعي، الى درجة أن ظل كبير يخيم على الموضوع السياسي. حتى اجزاء من الخماسية الديمقراطية التي بنيت على قاعدة بيرتس، لا يتميزون بحماسة مضادة للاحتلال.

لذلك، هذا هو الوقت الذي فيه تندمج عشرة ايام التوبة مع الفترة الانتقالية بين نهاية الحملات وحل لغز القطار الحكومي، يجب استغلالها ايضا للقيام بمحاسبة النفس اليسارية، وليس حساب النفس المقيت من نوع “مشكلة اليسار”، بل انتقاد يتركز على بلورة وتعزيز تفاهمات تمكن من شراكة يهودية عربية ومعارضة للاحتلال.

رؤساء القائمة المشتركة قاموا بخطوة اولى، التي يصعب الاستهانة في اهميتها التاريخية. فالتوصية برئيس اركان “الجرف الصامد” واصدقاءه في قمرة القيادة، الجنرالات، ومقاطع الزعبيين يئير لبيد، هي ضفدع كبيرة يصعب ابتلاعها. ولكنهم فعلوا ذلك. في الانتخابات السابقة انقذ الجمهور العربي ميرتس، وفي الانتخابات الاخيرة رفع بصورة دراماتيكية نسبة التصويت وانقذ بني غانتس. في البحث عن شريك فان ممثلي الجمهور العربي مدوا اليد لمرة ومرتين وثلاث مرات، والآن جاء دورنا.

تنويه: جميع المقالات المنشورة تمثل رأي كتابها فقط
Read our Privacy Policy by clicking here