عجز في ميزانية السلام

هآرتس – بقلم نوعا لنداو – 13/10/2019

على الحدود بين اسرائيل والاردن، غير بعيد عن كيبوتس تيرات تسفي، يقف بشكل وحيد نصب رمزي يشير الى وضع اتفاق السلام الذي تم توقيعه في مثل هذا الشهر قبل 25 سنة. جسر “بوابة الاردن” المهمل كان يجب استخدامه كمنطقة صناعية مشتركة بين الدولتين، وهي الفكرة التي ولدت في 1994، لكن اقامة المشروع ما زالت تراوح في المكان منذ ذلك الحين، بالضبط مثل العلاقات المعقدة بين الشعبين. صحيح أنه في شهر شباط الماضي تم أخيرا الانتهاء من اقامة الجسر، الذي دشنه بصورة احتفالية وزير التعاون الاقليمي تساحي هنغبي، إلا أنه من بين المشكلات التي تعيق المشروع ينقص ايضا عنصر بسيط وهو شارع يؤدي الى منطقة المشروع.

الوزارات متخاصمة فيما بينها حول من يقوم بتمويل شق الشارع، الذي تقدر تكلفته بـ 60 مليون شيكل، وهذا مبلغ صغير بالنسبة لدولة يصادقون فيها على اضافات بمليارات الشواقل من اجل الدفاع الجوي. لذلك، الامر يحتاج الى قرار حكومي. ولكن العفو. منذ نصف سنة لا يوجد لدينا حكومة مستقرة تستطيع اتخاذ القرار. إن تطور هذه القضية يلقي الضوء على مشكلة معروفة: في اسرائيل يوجد بشكل عام كمية غير قليلة من الاموال واهتمام بالحروب والاحتياجات الامنية، واهتمام أقل بالسلام.

قضية “بوابة الاردن” لا تعتبر شيئا بالنسبة لخيبة الأمل التي مروا بها في عمان، وضمن امور اخرى، من تراجع وعود اخرى رافقت اتفاق السلام مثل اقامة مطار مشترك، وبالطبع مشروع قناة البحرين. خلال سنوات وعدوا بأنه سيتم نقل المياه الى الاردن من اسرائيل، وفي هذه الاثناء الجفاف الشديد في الدولة الفقيرة يزداد ويتعاظم فقط، والثقة بالنظراء الاسرائيليين حول هذا الامر آخذة في الزوال. الاحباط في الاردن من سلوك حكومات اسرائيل خلال كل الفترة فيما يتعلق بدفع مشاريع مشتركة الى الامام الى جانب الضغط الكبير في الاردن ضد الاتفاق، تجلى مؤخرا ايضا باعلان الملك عبد الله. في شهر كانون الاول 2018 قال الملك إنه ينوي تطبيق البند الذي يسمح له باعادة المناطق في سوفر ونهرايم للسيادة الاردنية. وموعد انتهاء سريان الاتفاق هو في الشهر القادم، 8 تشرين الثاني.

في ظل اعلان الملك قرر رئيس الحكومة بنيامين نتنياهو، خلافا لموقف المستشار الاقتصادي البروفيسور آفي سمحون وجهات في سلطة المياه، أنه لا مناص من الدفع قدما مع كل ذلك بمشروع البحرين المضمون لاسباب سياسية، رغم التحفظات الاسرائيلية حول فائدة المشروع. الرأي العام في الاردن سيجد صعوبة في هذه الاثناء بالموافقة على البديل الذي يوجد في المرحلة النظرية، على شكل انبوب بحماية دولية من البحر الابيض المتوسط الى بحيرة طبرية. في موازاة ذلك، تجري مفاوضات سرية حول ترتيبات وصول الاسرائيليين الى سوفر ونهرايم، ايضا حتى بعد انتهاء سريان الاتفاق. هكذا ربما سيواصلون العمل هناك تحت السيادة الاردنية. ولكن لا أحد يصدق بأنه سيكون أكثر من ذلك. اتفاق السلام يمنح الاردن الحق الواضح في تطبيق سيادته، والشعب في الاردن يأمل بأن يتم ذلك بجدية.

العوامل التي تعيق السلام مع الاردن

· التركيز على المجال الامني – السري بدلا من العلاقات العلنية.

· التباطؤ في تنفيذ مشاريع مدنية مشتركة.

· الجمود السياسي بين اسرائيل والفلسطينيين والاعلان عن الضم و”الخيار الاردني”.

· الرأي العام في الاردن هو ضد سياسة اسرائيل في المناطق.

· تآكل مكانة العائلة المالكة الاردنية في منطقة الحرم.

· حادثة اطلاق النار من قبل الحارس في السفارة الاسرائيلية على مواطنين اردنيين.

· انسحاب الولايات المتحدة من منطقة الشرق الاوسط.

قضية التوتر بين السلطات الاردنية وبين الرأي العام في الاردن بالنسبة لاسرائيل أو الفجوة بين العلاقات العلنية والعلاقات السرية بين الدولتين عادت وظهرت في جميع المحادثات التي أجرتها “هآرتس” في هذا الشهر مع عدد من الخبراء واصحاب المناصب الرفيعة في الجانب الاسرائيلي والجانب الاردني، بمناسبة مرور 25 سنة على انشاء العلاقات الرسمية. ايضا جملة “تفويت الفرص” قيلت عدة مرات. في هذه الاجواء ليس من المدهش أن يتنازل الطرفين عن مراسم الاحتفال بالذكرى الـ 25 لاتفاق السلام.

سلام أمني

معظم الاشخاص المطلعين على ما يجري الآن من وراء الكواليس يوافقون على أن التعاون الامني – الاستخباري، الذي بدأ سرا الى ما قبل التوقيع على اتفاق السلام، تحسن وتطور جدا مع مرور السنين ووضعه جيد. الحدود الطويلة لاسرائيل مع الاردن تعتبر آمنة نسبيا، وأذرع الامن المختلفة توجد في علاقة وثيقة فيما بينها، وهناك تنسيق تكتيكي واستراتيجي بارز، الحيوي هو جدا بالنسبة لاسرائيل في الفضاء الاقليمي المتغير.

رئيس هيئة الامن القومي في مكتب رئيس الحكومة، مئير بن شبات، وهو شخصية رفيعة سابقة في الشباك ويتحدث اللغة العربية بطلاقة، انشأ عند توليه منصبه جسم جديد من اجل معالجة “الساحة القريبة”، وعلى رأس هذا الجسم يقف شخص سابق من الشباك يسمى احيانا في وسائل الاعلام معوز. في التقدير الاستراتيجي السنوي الاخير لهيئة الامن القومي اعتبر “تعزيز العلاقات مع دول الطوق أحد الاهداف البارزة له. ولكن في الصراع بين الاجهزة الامنية المختلفة ذات العلاقة بالامر، التي توجد في تنافس دائم فيما بينها، الآراء مختلفة في موضوع الى أي درجة حقا هذا الاسم يساهم في التعاون في هذا المجال. في الحقيقة هم يتفقون على أن هذا الجسم يجري حقا عدد غير قليل من النقاشات بمشاركة معظم الجهات في محاولة لزيادة التنسيق، واحيانا هذا يكون اسبوعيا. باستثناء أمن الحدود واحباط الارهاب وامور مشتركة كثيرة اخرى في المجال، فان مجال العلاقات السرية يشمل ايضا مسائل في مجال الطاقة والطيران.

كلمة المفتاح لكل ذلك هي السرية. وبما يشبه الادعاءات التي تسمع عن العلاقات الدبلوماسية بين اسرائيل ومصر، ايضا في محور عمان – القدس يفضلون التعاون الهاديء بين السلطات المسؤولة عن الاجهزة الامنية، التي عدد قليل من الجمهور هو مطلع عليها في الحياة اليومية. هذا خلافا للمجال الاجتماعي – الاقتصادي، العلاقات بعيدة المدى بين الشعبين، الذي فيه معظم المشاريع عالقة ويبدو أنه لا يستثمر فيها ما يكفي من المبادرات، الابداعية والموارد، في محاولة لتحسين الوضع. الامر الشاذ في هذا المجال هو مشروع تشغيل العمال

الاردنيين في الفنادق في ايلات، الذين ارتفع عددهم من 500 الى 2000 عامل خلال السنين، والآن توجد خطة لتوسيع المشروع الى البحر الميت.

هذا الوضع، كما قال معظم المشاركين، يخلق نظرية “البيضة والدجاجة” في العلاقات. كلما تدهور الرأي العام الاردني تجاه اسرائيل كلما كان من الصعب أكثر للدولة الدفع قدما بمشاريع مشتركة دولية، التي كان يمكنها تحسين العلاقات المدنية. الاعتماد الحصري للعلاقات السرية على السلطات وغياب الاستثمار في “القوة الناعمة” المدنية، يمكن ايضا أن يضر في حالة أن القيادة مثلا سيتم استبدالها ذات يوم.

الفلسطينيون والسيطرة على منطقة الحرم

العناصر التي أدت الى التدهور الشديد في العلاقات العلنية كثيرة ومعقدة. عدد منها هو تاريخي وعدد آخر هو آني. وعدد منها تتحمل المسؤولية عنه عمان وعدد آخر تتحمل مسؤوليته القدس. ولكن لا يوجد شك بأن العنصر رقم واحد في التوتر بين اسرائيل والاردن كان دائما، بطبيعة الحال، الصراع مع الفلسطينيين. ومن بين امور اخرى شملها اتفاق السلام في حينه التوقع الاردني بأن حل النزاع سيشمل مستقبلا قيام كيان فلسطيني مستقل. في المقابل، نظرية “الخيار الاردني”، التي دفعت بها منذ العام 1967 جهات في اليمين الاسرائيلي، والتي تقول بأن الضفة الشرقية هي الوطن القومي للفلسطينيين، تم النظر اليها دائما كتهديد مباشر على استقرار حكم العائلة المالكة الهاشمية. مع مرور السنين وكلما ترسخ الجمود في المفاوضات حول حل الدولتين، فان الخوف من ذلك كان يزداد في الاردن. لذلك فان كل ذكر من قبل سياسي صغير في اسرائيل أو من قبل نجل رئيس الحكومة للخيار الاردني، يثير الغضب في الاردن.

ضربة عامة قوية بهذا الشأن كانت تصريح رئيس الحكومة الاخير، نتنياهو، أنه ينوي ضم غور الاردن. الملك عبد الله هاجم بشدة هذا التصريح، وحذر في تلك المناسبة بأن عدم تطبيق حل الدولتين سيؤدي الى واقع ابرتهايد في اسرائيل. مصادر مطلعة على المحادثات بين الطرفين تعتقد أنه مبدئيا، الشعب الاردني يفضل السيطرة الامنية الاسرائيلية على الغور، ولكن “الضم”، بالمفهوم السيادي، هو موضوع مختلف تماما.

عنصر رئيسي لا يقل عن ذلك في موضوع العلاقات بين الدولتين، كان وما زال الوضع في الحرم. جذور الشرعية الحاكمة للعائلة المالكة توجد، ضمن امور اخرى، في دورها الديني والتاريخي كمسؤولة عن الحرم. ولكن في السنوات الاخيرة تضعضعت المكانة الخاصة للاردن في الحرم. وهذا ايضا بسبب تغييرات من جانب اسرائيل في الوضع الراهن، في الفترة التي يسمح فيها الحاخامات أكثر فأكثر لليهود بالصعود الى الحرم وبسبب الاحتكاك مع الفلسطينيين ودخول لاعبين آخرين الى هذا المجال الحساس، مثل تركيا التي تحاول ترسيخ مكانتها في المنطقة. في هذا الشأن الخلاف على مكان الصلاة للمسلمين في باب الرحمة يستمر في الاضرار بالعلاقات ايضا. منظمات يمينية وضعت لنفسها هدف اخلاء المكان، ولكن في الوقت الراهن الحكومة تفضل تسوية تمنع الاخلاء العنيف الذي يمكن أن يعرض للخطر العلاقات مع الاردن.

جمود العملية السياسية وتآكل مكانة العائلة المالكة في الحرم وتعميق السيطرة الاسرائيلية في المناطق والاعلان عن ضم أو “الخيار الاردني” وحتى ابعاد الاردنيين عن النقاشات في “صفقة القرن” الامريكية – كل ذلك يقف على رأس قائمة العناصر الاساسية التي تثقل على العلاقات بين الدولتين. ولكن كانت هناك احداث معينة أثرت

على هذا التوجه، مثلا، عندما قام حارس اسرائيلي في السفارة الاسرائيلية باطلاق النار على مواطنين اردنيين في تموز 2017 لأن احدهما، حسب شهادة الحارس، هاجمه بمفك. فانه، لدهشة الاردنيين، حظي الحارس مطلق النار على استقبال حار بشكل خاص من قبل نتنياهو. وردا على ذلك تم وقف عمل السفارة في الاردن. عودة السفارة الى العمل حدثت بعد أن اعتذرت اسرائيل عن الحادثة ووافقت على دفع تعويضات لعائلات القتيلين. صحيفة “الغد” الاردنية كتبت بأن اسرائيل دفعت نحو 5 ملايين دولار للعائلات، اضافة الى تعويض دفع لعائلة القاضي الاردني الذي قتل في جسر اللنبي في العام 2014. هذان الحادثان أثرا جدا على الرأي العام في الاردن تجاه اسرائيل، وصعبا على السلطات صد الضغوط المتواصلة من جانب المعارضين لاتفاق السلام.

عنصر آخر للوضع المعقد للعلاقات والذي يتم ذكره دائما هو عدم الثقة بين الزعماء انفسهم ايضا، الملك عبد الله ونتنياهو. في هذا الشأن رفضت جهات تحدثت مع “هآرتس” اعطاء تفاصيل حول المرة الاخيرة التي التقيا بها. لكنها أكدت بأنه من غير الصحيح القول بأنه توجد قطيعة كاملة بينهما. في شهر آب الماضي نشرت صحيفة “القدس العربي” بأن الملك رفض طلب لنتنياهو بالالتقاء، لكن لم تتم المصادقة الرسمية على ذلك.

ايضا انسحاب الولايات المتحدة من منطقة الشرق الاوسط يتم ذكرها كعائق امام العلاقات. فمنذ ثلاث سنوات لم يتم تعيين أي سفير امريكي في عمان، وحتى تم سماع تهديدات حول تقليص المساعدات للاردن، في الوقت الذي يغدق فيه الرئيس ترامب المحبة المتزايدة للسعودية. في السابق اعتبرت اسرائيل هي الحليفة المهمة للاردن، وفي واشنطن ايضا. ولكن الآن، مع رئيس له نزوات مثل ترامب، مشكوك فيه أن هذا الامر سيساعد.

هل تعاملنا معهم بما يكفي من الاحترام

في النقاش الذي جرى في معهد بحوث الامن القومي، وصف رئيس الموساد السابق، افرايم هليفي الذي اجرى اتصالات سرية كثيرة مع الاردن، في الشهر الماضي، كيف تم اتخاذ قرار أن اراضي تسوفر ونهرايم سترجع الى السيادة الاردنية بعد 25 سنة. “لقد جلسنا على الطاولة مع رئيس مكتب الملك وتناقشنا فيما اذا كنا سنستأجر لعشر سنوات أو 15 سنة، الى أن وصلنا في النهاية الى 25 سنة. ومثلما في مفاوضات ابراهيم حول الصالحين في سدوم، اعتقدنا أنه حتى ذلك الحين لن تكون أي مشكلة”.

ولكن اكثر من أي شيء آخر اوضح الوضع البائس هو وجود جنرالين اردنيين سابقين في النقاشات التي جرت في معهد بحوث الامن القومي – لقد صمما على عدم ذكر اسمهما خشية من أن يعرفوا في الاردن بأنهم شاركا في النقاشات. وقد دخلا من جسر اللنبي دون الختم على جوازات السفر، وهما ليسا الوحيدين. في ظل غياب تشجيع حكومي، فان القليل من اللاعبين المدنيين يتجرأون على أن يجتازوا علنا الحدود من اجل الدفع قدما بالحوار. تذكار آخر لأنه رغم النجاحات في مجالات معينة، ما زال هناك الكثير مما يمكن فعله في الطرفين للدفع قدما بالسلام الى الـ 25 سنة القادمة.

تنويه: جميع المقالات المنشورة تمثل رأي كتابها فقط
Read our Privacy Policy by clicking here