نحنُ العراقيين.. هذه هي حالنا، فالى اين نسير ؟!

* رواء الجصانــي
———————————————————————-
مرة أخرى يتغلب الصوت والضمير على الصمت البليغ، حول رواهن اليمة ولئيمة راهنة… فتأتي هذه التساؤلات علّها تعلو ببعض شجى، وتفيض ببعض شجون، وتحاول توثيق موجز لرؤى كلا الجانبين، وبعيدا عن توصيفاتهما الحقيقية او المتداولة، فهما مدججان بالحجج التي يعتقدون بها، ومعهم انصار وموالون بلا تحفظ، بل وبتشنج لا يبارى في احيان اخرى..اما تلكم التساؤلات التي نريد فهي تبتدئ ولا تنتهى، لها نقاط انطلاق، ولكن مدياتها بلا حدود.. فلنـرَ على سبيل المثال، وبخاصة في ضوء ما جرى في الايام القليلة الماضية، ولا شكّ فأن ثوابت ومسارات الوعيّ والفهم والاخلاص تستطيع ان تميز الغثّ من السمين، المخلص عن سواه:

1/ يصرحون وبقناعة مطلقة بأن في الاحتجاجات الاخيرة راح فيها ضحايا وشهداء غوالي، طالبوا ببعض حقوقهم المشروعة… فينبري في الطرف المعاكس، من يقول بان الكثير منهم كان مغرر بهم، ومنساقون وموجهون، بل وبينهم مندسون. وإذ يحمل البعض الحكومة المسؤولية كاملة عن الضحايا الابرياء، يُتهمون بالمقابل بأنه كانت هناك مؤامرة من داخل وخارج الحدود..

2/ يدعون للتهدئة وحقن الدماء، فيصفهم آخرون بالترهل والخنوع، ويسعون للتصعيد دفاعا عن الحقوق، فيردّ عديدون بأن الارواح والدماء هي الاغلى.. اما التخوين فهو في عقول وقلوب الجميع، جاهز للبوح به سرا وعلانية.. يتهمون اهل الخارج بأنهم متبطرون في تحريضهم، لانهم بعيدون عن دوائر الحراك، والعراك.. فيتصدى آخرون بأنهم عراقيون وان ابتعدوا في بعض الجغرافية والتاريخ ..

3/ ثم هناك من يسعى ليوضح – بحسب رأيه – للمشاركين في الهبة الشعبية، اهمية السلمية، فيتصدى اخرون طالبين، ورائين، في التصعيد الحلّ الامثل، وان تطلب الامر تضحيات جلى، فالكرامة ومتطلبات العيش في حده الادنى لا يمكن الابتعاد عنها، وفق رأيهم..

4/ وثمة من يكتبون ويتضامنون بقدر ما يستطيعون، فيقول البعض بأن ذلك لا يكفي، والمطلوب مشاركة ميدانية، ودون ذلك فهو ادعاءات ومزايدات، بل ومتاجرة بالدماء .. والجانبان لهما عشرات الاسانيد التي يحملونها، ويتكئون عليها ويصرحون بها..

5/ وحين يتبنى البعض نجاحات التجربة المصرية والتونسية والسودانية، امثلة على اهمية التظاهرات والحراك الشعبي في نيل الحقوق .. ينبرى آخرون مذكرين بالحال الليبية والسورية واليمنية، وحروبها الداخلية التي احرقت وما تزال الاخضر واليابس.. وينبهون الى ظروف المنطقة واجواء المواجهات الدولية.. فيُتهمون بالتخاذل، والركون الى اليأس..

6/ وإذ يدين الكثيرون التدخل الايراني في الاحداث العراقية، سياسيا واقتصادا وامنيا، ومنذ سنوات وسنوات، موثقين ذلك بالارقام والدلائل.. يتصدى – وكثيرون ايضا – لتلك الاتهامات والاثباتات، بل ويزيدون بان لايران مواقف ثابتة في المساعدة على دحر تشكيلات داعش، وارهابه في البلاد العراقية ..

7/ وثمة الكثير ايضا ممن يدين الاجهزة الامنية بحسبها اجهزة النظام الضاربة، ولا وطنية، ومذهبية، مسؤولة عما ارتكب من قمع وقتل .. فيعارض ذلك التقييم كثير آخر، ويرى بان تلكم الاجهزة الامنية نفسها التي قدمت تضحيات كبيرة في التصدي لارهاب داعش، والفتن الطائفية وغيرها من احداث ..

8/ وينشر عديدٌ حاشدٌ أخبارا وتعليقات ومعلومات لا حصر لها ولا عدّ حول ماجرى من انتهاكات خلال الاحداث الاخيرة.. فيردّ عديد حاشد ايضا باهمية التدقيق في المعلومات، والاخبار، ومصادرها منعا من استغلال اشخاص وقوى وجهات لها مصلحة، او قناعة بضرورة أشتداد الاحتراب والتأزيـم..

9/ وامام المطالبين بالتغيرات الجذرية، حلاً، لا بديل له، يقف في الجانب المواجه من يرى بالتسوية حال واقعية في ظل ظروف كالتي تعيشها البلاد.. وفي الوقت الذي تعيب فيه جموع واسعة ما طُرح ويطرح من اصلاحات او مشاريع اصلاح، ضد الفساد المالي والاداري المستشري، يدافع المقابلون بأن الانتظار ممكن لفترة، لكي يتبيّن الخيط الاسود من الابيض كما يقال..

10/ وحين تتسلح فئات واسعة بحججها على فساد النظام الانتخابي، وقوانين الديمقراطية، يناهضهم في الموقف، وبحجج مشابهة بأن لا طريق آخر غير ما هو سائد في الدستور، بكل نواقصه. ويعود الطرف الاول ليؤكد فساد كل الاحزاب التي اقرت الانظمة والقوانين ذات العلاقة، والمشاركة في العملية السياسية.. فيقابلهم آخرون بأن للعديد من تلك الاحزاب جماهير وتاريخ وامتدادات نضالية ليست قليلة..

11/ وعلى ذات طريق التخاصم والمواجهة يبرز كتاب ومثقفون في كلا “الجبهتين”يتهم كل طرف، الثاني، بالانحياز لهذا الموقف بسبب الرشى او التخاذل او التشدد او التخلف الذهني ، وبغيرها من التوصيفات والاوصاف ، وبقسوة لا مثيل لها: العمالة، التحجر، التدين، الالحاد… كما يصيب ذلك وهذا، كم من الاعابات المثيلة من يصمت لهذا السبب أو لغيره، فلا مساحة – حتى لونية- بين الاسود والابيض..

12/ ويؤكد كثيرون بأن ليس للطائفيين ادوارا في مسيرات الاحتجاجات التي يرونها هذه المرة عراقية عامة شاملة.. فيرفض الاخرون ذلك الحديث ويؤشرون الى ان الاحتجاجات لا صدى لها

في المحافظات الغربية، ويزيدون بان تبريرات ذلك غير مقبولة، ومنها انهم لا يريدون ان يوصموا من جديد بتوصيفات حواضن داعش والارهاب..

13/ وحين يرى قسم كبير من المعنيين بأن الاحتجاجات جاءت عفوية، وبلا تدابير مسبقـة، ولربما لها مسؤولون ومنظمون من غير المناسب الكشف عنهم، لأحترازات أمنية.. يروح قسم آخر من المتابعين بأن عدم اعلان الهيئات المنسقة يحمل في طياته الكثير من التساؤلات، ويثير الريبة والشكوك ..

14/ واذ يُبرز البعض دورا لبقايا البعثيين الصداميين في الحركات الاحتجاجية، ويبرزون ما عندهم من ادلة وأثباتات.. يرد مقابلون بأن اعداد غفيرة من المشاركين في التظاهرات لم يكونوا قد ولدوا بعد حينما كان البعث حاكما، او كانو اطفالا لا يفقهون ..

15/ ويعترف ويقرّ الكثيرون بان نظام ما بعد 2003 هو اسباب ما حلّ ويحلّ بالبلاد من مآسٍ ودمار، وانه لم ينجح في التغيير المطلوب.. ويوافقهم كثير آخر بذلك مع استدراك وتأكيد بأن اساس البلاء هو التراكمات الموروثة من نظام صدام حسين ورهطه، ولربما ما قبله ايضا، وكذلك ما شهدته البلاد، والامة العراقية من توحش وارهاب، وتدخلات خارجية واقليمية ..

وهكذا تبقى الدوائر تدور، والحلبات مصارع للحوار القاسي او الحضاري، ويبقى المجتمع على انقساماته، التي قد تزداد عموديا وافقيا، وتضيع البوصلة او تكاد عن اعين المعنين في القيادات والقواعد، دعوا عنكم العامة الصامتة، وهي الاغلبية حتى الان ..

واخيرا، وماذا عنك ايها الكاتب لهذه الاجتهادات والتي قد لا تكون جديدة عند الكثيرين سوى انك وثقتها من هنا ومن هناك، وصغتها ونقطتها .. ولا جواب لديك سوى ان تقول- ومؤكد ان ثمة من سيقول، كما يتقول، عنها ما يشاء وبحسب مداركه وخلفياته: انك تتفق، وتختلف، في آن واحد، مع الجميع، وبهذا القدر والفهم والوعي او ذلك.. وذلكم صحيح لحدود بعيدة، ولكن !!! بعيدا عن الخطوط الحمر: الدماء والقتل والدمار، باي شكل ومن اي مصدر وفي كل زمان، بفهم وادراك منك لتلك القناعة، أو بعواطف انسانية، او كلاهما .. ولا ضيّر، فلتتحمل الاراء الموضوعية، بل وحتى “الاتهامات” و” المزايدات” ما دمت قد بحتّ بصوت الضمير بحسبما تزعـم..

————————————————* رواء الجصاني 2019.10.14

تنويه: جميع المقالات المنشورة تمثل رأي كتابها فقط
Read our Privacy Policy by clicking here