فرات المحسن
بضغط ما أرتكب من جرائم قتل بحق المتظاهرين العزل، والاتهامات التي وجهت للجهاز الحكومي بالقتل العمد والاستخدام المفرط للقسوة ضد المنتفضين، أطلق رئيس الوزراء العراقي السيد عادل عبد المهدي تصريحات وجملة من قرارات ترقيعية، محاولة منه للملمة ما يمكن لملمته والتغطية على سوء إدارته وجرائم أجهزته وعجزها الكامل، والتي أثارت ضده قطاعات كثيرة من الشعب العراقي وجعلت هيئات ومؤسسات دولية تصدر بيانات تنديد وشجب واستنكار للجرائم المرتكبة بحق الشعب العراقي.
تعكس بيانات السلطة وتصريحات قادتها تناقضا حادا واضطرابا في السلوك السياسي والمهني، ففي الوقت الذي يلوح مستشار الأمن الوطني وقائد الحشد الشعبي فالح الفياض بالتهديد والوعيد للمنتفضين ومن يقف بجانبهم أو يدعو لتظاهراتهم، ومثله فعل قادة في الحشد ورجال سلطة وأعضاء أحزاب، حين اتهموا التظاهرات بالعمالة للأجنبي ولحزب البعث، وصرحوا دون خجل، بأن قواهم المسلحة وقوى أجهزة الأمن والشرطة والجيش تقف بالمرصاد للمتظاهرين،وهي وهم على استعداد لسحق المنتفضين وتدميرهم ومعهم المؤامرات الخبيثة التي تقودها قوى من خارج حدود العراق. وقد نفذت بعض تلك القوى وعودها وتهديداتها ووجه قناصتها رصاصهم الحي نحو رؤوس وصدور الشباب العراة السلميين، وقامت باغتيال واعتقال وخطف وتغييب أعداد كبيرة منهم. ولم يتوقف غضب هؤلاء الأوباش وتهديدهم ووعيدهم، عند حدود أبناء الانتفاضة فقط، وإنما وجهت آلتهم التدميرية للعبث وتحطيم وسائل أعلام وقنوات فضائية بحجة وقوف تلك الجهات الإعلامية بجانب انتفاضة الأول من أكتوبر 2019.
الرعب الذي أصاب الطبقة السياسية الحاكمة في العراق، جعلها تدرك جيدا أن انتفاضة الأول من أكتوبر، سوف تكون مقدمة لتداعيات مستقبلية وتؤسس لدور مؤثر لا بل كبير في الحراك المجتمعي وعلى مستوى البنى السياسية الاجتماعية والاقتصادية،وسوف تكون انطلاقة لجيل شبابي جديد يفجر ويزلزل كل ما بنته الطبقة السياسية الحاكمة من نظام مهلهل صنع أسوء نموذج لسلطة غاشمة تخدع الناس بشتى الوسائل وفي مقدمتها الدين، لتقتل وتسرق وتبيح المحرمات باسمه، وتعمل ليل نهار على تجويع شعبها وقتل طموح شبابه وتطلعاتهم لغد أفضل، واستخدمت العنف لترسيخ وجودها، وفرضت القهر والقتل لمنع انفجار الانتفاضة واستمرارها ومن ثم تحولها إلى ثورة عارمة.
أجبرت جموع الشباب المنتفض حكومة عادل عبد المهدي على الاعتراف بأن تظاهراتهم وإرادتهم السلمية قادرة على مقارعة أجهزته القمعية بمختلف مسمياتها، وكذلك تعريتها من ما تدعيه من أخلاق وسلوك حضاري ومهني. واستطاعت الانتفاضة أن تكشف الكثير من عورات تلك السلطات وتفضحها أمام الشعب العراقي والعالم أجمع. فكمية الأخبار والأفلام والصور المتداولة بين الجماهير، عن السلوك الشائن والعنفي، وطرق القتل والتعذيب التي مارستها قوى الأمن والشرطة وقوة سوات وبعض فصائل الحشد الشعبي، لا تدع مجالا للشك بطبيعة هذه القوات وأفعالها الشنيعة والوحشية وقدرتها البالغة واستعدادها الممنهج للقتل بدم بارد، وكذلك محاولتها التعمية على تلك المعلومات والأخبار التي تغطي وتعري جرائمها تجاه أبناء شعبها. تلك الجرائم التي تظهر حقيقة ارتباط تلك القوى وتمسكها بالماضي الذي نقش عميقا في ذوات الكثيرين من منتسبيها، وباتوا معها يحملون عوامل مرضية نفسية متوارثة ومستشرية بين أوساطهم، أكتسبها قادتهم والكثير من منتسبيهم كموروث ومشروع شخصي وجمعي، مارسوه أو أصيبوا بعدواه أثناء خدمتهم في أجهزة القمع على عهد الطاغية صدام، وهذا ما يفاخر به الفياض ورهطه والكثير من المرتزقة على مختلف مسمياتهم.
فرضت انتفاضة الأول من أكتوبر 2019 على السلطة الحاكمة خيار اعتبار قتلاها شهداء يستحقون التكريم وأعلنت الحكومة الحداد لمدة ثلاثة أيام حزنا على الضحايا.هذا الاعتراف الرسمي الذي أنتزعه دم الشباب من روح السلطة وجبروتها وعنجهيتها، يكفي للطعن وتفنيد كافة البيانات الصادرة عن فالح الفياض ورهطه وفرق الردح من مرتزقة القوى السياسية من كتاب ومحللين، ومن حاول ولازال يحاول توجيه التهم للشباب المنتفض بالعمالة لجهات أجنبية، أو يتهمهم الارتباط بحزب البعث، ويحاول ليل نهار وبجهد ومثابرة خبيثة إيجاد ولو خيط رفيع يربط بين الانتفاضة ومن يدير المؤامرة من خارج العراق. أي مؤامرة كانت ومن أي جهة تأتي، ليس ذلك بمهم بقدر إيجاد الخيط الرفيع، عندها تمجد وتؤله سلطة تجويع وهلاك الشعب سلطة الخطف وقتل الأبرياء وتكميم الأفواه، وترتفع عند هؤلاء المرتزقة قيمة ارتزاقهم وخستهم على حساب جوع الشباب وضياعهم وتدميرهم بالبطالة والمخدرات.
أصدر رئيس الوزراء بيانات وحزم قرارات تداولتها وسائل الإعلام رغم ما تحمل بنيتها ومحتواها من كذب فاضح وصريح. وقد قوبل جميعها من قبل الجماهير ووسائل الإعلام ليس فقط بالازدراء والريبة وإنما بالاستهزاء وعدم الثقة، وعززت تلك البيانات والقرارات حالة العزلة بين السلطة والشعب. فرئيس الوزراء الذي لم يتعلم من جنسيته الفرنسية غير كيفية الدخول إلى لوح الحاسوب والكتابة من خلاله، وأصابته مثل أي عجوز أخر، الدهشة من هذا العالم الغريب، فاستطاب منه نظام الاستمارات والإحصاء والقياس،فعد ذلك مظهرا من مظاهر الشعور بالعظمة والاعتزاز بالنفس والقدرات، فأخذ يبيع برأس العراقيين لبن مغشوش، وفذلكات وأحاجي سبق أن خُدع بها، لذا صنع فذلكة اخترعها بعد اختياره لرئاسة الوزراء، وله قصب السبق في هذا على جميع رؤساء الدول وسياسيها، حيث أعلن عن فتح باب الترشيح للوزارات عبر بوابة الكترونية، يقدم خلالها من يرغب بشغل حقيبة وزارية، سيرته الذاتية وخبراته، ليختار بعدها عبد الهادي من يجد فيه الكفاءة لشغل المنصب، ولكن مع مجريات الوقائع اللاحقة ظهر إن رئيس الوزراء قد ضرب وفذلكته ببوري معدل من قبل رفاقه، وأجبر على قبول خيار الكتل، ووزعت حقائب الوزراء حسب الأهمية والقرب من قوى المحاصصة، وما وجد الرئيس غضاضة في ذلك، ولم يكلف نفسه أو يقدم اعتراضا يذكر على ما فرض عليه، وبسبب هشاشة شخصيته فقد وجد فيما حدث نافذة للخلاص من المسؤولية كما سالف عهده بالمسؤوليات.
إثر الرعب الذي أثارته انتفاضة الجياع وبعد التمرين القاسي الذي مارسته القوات العسكرية والأمنية للقائد العام رئيس الوزراء، ضد العديد من الاحتجاجات السابقة وأخرها ما حدث مع خريجي الكليات العاطلين عن العمل ثم شباب انتفاضة الأول من أكتوبر. أختار رئيس الوزراء ذات الطريقة السابقة، وهي توزيع صحيفة الكترونية على العاطلين ووجوب سعيهم للحصول عليها وملؤها بالمعلومات الشخصية ومن ثم تقديمها للحصول على مبلغ الرشوة البالغ 175 ألف دينار عدا ونقدا ولمدة ثلاثة أشهر فقط وبعدها يرمون في أتون البطالة مرة أخرى ، وهذه العطوة جاءت لكسب الصمت ليس إلا. وعبد المهدي سليل العائلة الإقطاعية هو الأعرف بحاجة الناس وكيفية التعامل مع الفلاحين. ومع ما خطط له ورهط مستشاريه الذين فضلوا خيار تقديم الطعم للشباب الثائر لمدة ثلاثة أشهر وحزمة من تعيينات للبعض من الخريجين. سوف يجدون آلاف الشباب تطرق أبواب مؤسساتهم بحثا عن هذه اللقمة اللعينة عسى ولعل تسد بعض جوع .
يعرف رئيس الوزراء ومجلس مستشاريه ومن سانده ووضعه على رأس السلطة، وهي تلك القوائم الحزبية الخبيثة التي تطعن بأحلام الشباب وتسفهها كل يوم، وتغذي بين أوساطها مثلما المخدرات، الخيبة والخذلان. جميع هؤلاء ممن يشاطر الرئيس المسؤولية في إدارة الدولة وحتى البرلمان العراقي، جميعهم يعرف جيدا أن البوابة الالكترونية أو تلك الاستمارة اللعينة المطلوب من العاطل ملئها، سيكون الحصول عليها عصيا على غالبية العاطلين عن العمل، لأسباب عديدة في مقدمتها فقرهم وإملاقهم وعدم امتلاكهم لجهاز كمبيوتر أو عدم قدرتهم الوصل إلى أماكن توزيعها. ولكن المصيبة الأكبر والأعظم ستكون في مشهد تكرر ويتكرر دائما وتحت أنظار العالم أجمع، ودون أي حياء أو تأنيب ضمير،وسبق لرئيس الوزراء أن وقع فيه ومارسه وغاص في وحله حد رقبته الضامرة، إلا وهو استحواذ الأحزاب ورجال الحكم وقادة الفصائل على تلك الاستمارات لتقديمها بأسماء حقيقية أو وهمية للاستحواذ على الدرجات الوظيفية لصالح رعاياهم ومرتزقتهم. أو حتى الحصول عليها ومن ثم بيعها للآخرين لشراء ذممهم أو مساومتهم على بعض ما يحصلون من مال.
الأغرب في تلك القرارات والبيانات ليس التغيير الوزاري الذي لم يجد البرلمان العراقي ووسائل الأعلام ومعهم الكثير من المحللين السياسيين،لم يجدوا فيه أو له طعما ورائحة، وجاءت جميعها دون معنى ودلائل أو قرائن وإدانات واتهامات،رغم السلوك الشائن والخائب والضعيف لا بل الغامض والخالي من الأداء المهني عند غالبية الكابينة الوزارية، التي لم تقدم للشعب غير الخيبات وسوء الأفعال والخدمات.فرئيس الوزراء وبعد أن ارتجفت فرائصه من هول الانتفاضة أراد أن يشرك الشعب بقراراته الخاصة التي تسعى لمطاردة الفساد، الذي بات يشكل مظهرا من مظاهر الخراب العام، وأصبح دالة ترزح تحتها جميع مفاصل مؤسسات الدولة، ومعه تزداد يوما بعد يوم عذابات الناس وقهرهم وجوعهم، وفي الوقت نفسه تنمو عصابات الجريمة لتشكل كارتلات وائتلافات تمتد أذرعها خارج العراق، وبعضها اقرب من حبل الوريد لمحيط رئيس الوزراء وأخوته في النضال السابق والحالي.وهو مثلما عرفنا عن سابقيه من رؤساء الوزارة العراقية يتماها ويحاكي بتناغم تلك العصابات، لذا يتساءل ببراءة الأطفال وفي مؤتمره لتشكيل لجنته المنحازة سلفا لتقصي الحقائق حول جريمة قتل المنتفضين، نجده وكأنه السيد المسيح في طهرانيته وتجلياته، يسأل جلاسه والشعب عن وجود قناصين وقنابل يدوية ومولتوف وحرق بنوك وتحطيم دوائر ووو وهو القائد العام لأكبر مؤسسات البلد وأضخمها والأكثر استهلاكا وأنفاقا. ولترقيع تلك البراءة وتحسين الصورة وبسخاء مفرط وفي غفلة من الزمن، يعلن عن طرد أكثر من ألف موظف حكومي عن أعمالهم، بسبب تهم الفساد والارتشاء والمحسوبية، ثم يردف هذه الوجبة الدسمة من الفاسدين بوجبة أخرى لعدد من المسؤولين الكبار تمت إحالتهم إلى المحاكم بتهم فساد أيضا.
من هم هؤلاء الأشباح الذين طردتهم أو أحلتهم للمحاكم، وبأي تهمة أدينوا وما طبيعتها ووفق أي قواعد ومعايير قانونية عاقبتهم، وأنت تبحث عن الدولة وتحارب الانحراف نحو اللادولة، وتحكم بلدا ديمقراطيا حد الكَشر، يطعم شعبه رصاصا وغازا مسيلا للدموع. وبعد كل الذي جرى تحت قيادتك وضمن مسؤوليتك ، تطلب منا أن نصدق هذا الذي ذكرته وفعلته في بياناتك، وأنت ولحد الساعة تتساءل عن الذي حدث وتبحث عن وقائع جرمية لتحمل شباب الانتفاضة وزرها، رغم إنك وأقولها بالفم المليان قد شاهدت عسكرك ورفاقك ومليشياتك، كيف كانوا يتصيدون شباب الانتفاضة برصاصهم وبدقة العارف والقادر يصيبون الرأس دون باقي الجسد.
من هم هؤلاء الأشباح من الفاسدين الذين أخرجتهم من وسط سلطتك الموبوءة بالفساد والمنخورة حد العظم.ومن هم هؤلاء الذين كانوا يتصيدون الشباب برصاصهم القاتل. أتريدنا أن نصدق ما فعلت بهذا الكم من الأشباح مجهولي الهوية، وتدعونا لمشاركتك في المطاردة والبحث عنهم وكشفهم.ونحن نرى جيدا من يحيط بك ومن هو أقرب لك وأعزهم رفقة وصداقة ، وجميعهم من عتاة القتلة وسراق المال العام والخاص، ونشاهدهم يوميا يمرحون بظل سلطتك ويجلسون بكل أريحية واطمئنان جوارك وتمارس معهم لعبة سلب الناس حقوقها.
تنويه: جميع المقالات المنشورة تمثل رأي كتابها فقط