هآرتس – بقلم موشيه بن عطار – 16/10/2019
إن قرار الرئيس الامريكي ترامب الانسحاب من شمال سوريا وتمكين تركيا من تغيير المعادلة الاستراتيجية في المنطقة، يجب أن لا تفاجأ أي أحد. الولايات المتحدة برئاسة ترامب غير معنية بما يجري في العالم، إلا اذا كان ذلك متعلق بشكل مباشر بمصالحها. هي مستعدة للتدخل فقط عندما يكون الامر متعلقا بالارهاب أو بتهديد مباشر لأمنها القومي. وعندما لا يتوفر هذين الشرطين، فان حلفاء مثل الاكراد يتركون لمصيرهم.
سياسة ترامب هي “امريكا أولا”، لكن يجب عدم الدمج بينها وبين الانفصالية. هذه سياسة معلنة لترامب وباسمها تم انتخابه. الامريكيون لا يريدون سفك المزيد من الدماء في نزاعات بعيدة وضارة. هل شاهدوا نتائج الحرب في افغانستان والعراق وتساءلوا: ما الذي سنستفيده من ذلك؟ باسم مصلحة الولايات المتحدة أعلن ترامب عن الانسحاب من سوريا وعزز القوات الموجودة في السعودية بثلاثة آلاف جندي.
الخط الذي وجه راسمي السياسات في واشنطن منذ الحرب العالمية الثانية هو أن السياسة الخارجية هي سياسة داخلية. أي أن سياسة خارجية قوية وناجحة تقوي امريكا ايضا داخل حدودها. ترامب ينتقد هذا الافتراض الاساسي، وعمليا هو اعلن الحرب على المؤسسة الامريكية. نتائج سياسته المتسرعة يمكن ملاحظتها الآن في الشرق الاوسط، مثلما في اماكن اخرى في العالم. الولايات المتحدة تنازلت عن الصدارة العالمية، ودول لها قدرة تستغل هذا الامر لتحقيق مصالحها.
ايران بالطبع هي الدولة الاولى التي لاحظت هذا الضعف. الزعماء فيها يعرفون كيف يستغلون بنجاعة الفرصة المتاحة بسبب الضعف الامريكي، وشد الحبل حتى النهاية والدفع قدما بخططهم من اجل الحصول على الهيمنة الاقليمية. اذا كان المجتمع الدولي لن ينشيء في المستقبل القريب اتفاق جديد لتقييد تطوير المشروع النووي الايراني، فان استقرار الشرق الاوسط سيتضعضع بشكل أكبر. يمكن الافتراض أن الاحداث الاخيرة بالذات هي التي ستسرع اتفاق جديد مع ايران، وليس بالضبط اتفاق يهديء من روع اسرائيل.
زعيمة العالم الحر حظيت بقوتها الدولية، ضمن امور اخرى، بفضل صدق ردعها. وما بقي من كل ذلك الآن هو الشعار الاجوف “لنجعل امريكا عظيمة مرة اخرى”. الولايات المتحدة ستعلن وستضغط وستفرض عقوبات وربما ستهاجم بصورة رمزية هنا وهناك، لكن فعليا، من كانوا قريبين من طاولتها ويحصلون على رعايتها، سيجدون أنفسهم معزولين، امام ايران وفي مراكز احتكاك
اخرى في العالم. التحديات العالمية تقتضي قيادة متحررة من رؤيا قومية ضيقة. ترامب هو عكس ذلك، وفي هذا يكمن خطر كبير.
تنويه: جميع المقالات المنشورة تمثل رأي كتابها فقط