تقصير السلطات التنفيذية أهم أسباب الفساد المالي

الدكتور أحمد إبريهي علي

تقترن مكافحة الفساد المالي بهيئة النزاهة والقضاء، وفي الصحافة والسياسة: ملفات لدى النزاهة، هي وثائق إتهام بالسرقة والأنتفاع غيرالمشروع بالمال العام، تدقق تلك الملفات وتعرض على القضاء، ثم تحقيق لإثبات التهم أو نقضها، والنتيجة كفاية أوعدم كفاية الأدلة حسب تعريف القانون لشروط الأثبات أو الدحض. إختزال العجزالحكومي الى” فساد مالي” داخل دائرة الخطا والصواب القانوني، والقاء المسؤولية على الأجهزة الرقابية والقضاء، وتواطؤ الرئاسات لتكريس هذه الغفلة، كان عاملا فاعلا في تعميق الأنحراف، وعجزالدولة عن أداء وظائفها.

يتحرك الوعي ضمن فضاء غابت عنه المسؤولية السياسبة والأدارية للسلطة التنفيذية من رئاسة الوزراء الى المدير العام وقاعدة الهرم. لأن المشكلة، عندهم، ليست في الفشل الأداري، هذه الحقيقية الكبرى في العراق، إنما هي سرقات او تجاوزات على القانون لا يحاسب عنها الوزير أو المدير، بل على المُخبر ان يقدم من الدلائل ما يكفي لأثباتها بوسائل تقترب في مجملها من مضمون القول المعروف ” الأصرارعلى مشاهدة الفيل بالمجهر”. ولم يتجاوز حراك الاصلاح هذه الدائرة وفحواه ان المتنفذين منعوا وصول الأخبارعن تلك السرقات الى النزاهة أوعرقلوا عرضها على القضاء لمعاقبة الفاسدين.

هو يعلم يقينا بأن مواصفات المشروع المنجز تختلف عن تلك المتعاقد عليها، أو ان مجموع ما أنفق على المشروع ضعف الكلفة المعيارية، أو ان المواد المجهزة للوزارة، الدائرة، يمكن الحصول عليها بنصف المبلغ المتعاقد عليه. لكن هذه الأشكال البشعة من هدر المال العام، والدونية الأخلاقية في التعامل مع مصالح الشعب، لا يكترث بها السيد المسؤول، فعلا، لأن الأمر يُختزل الى إثبات أوعدم إثبات السرقة. فالتدقيق في التكاليف والنوعية ومجريات الأداء ليس من بين المهام المحترمة، وإن يحصل فهو للأطلاع. سعادته أو معاليه …، متفرج على ملاحم التخريب، وهو متفضل بأن لا يمانع، في حالة إثبات سرقة أو اختلاس، من معالجة المسألة في هيئة النزاهة والمحكمة، وعند البراءة أو الأفراج يعود المدير الى مزاولة مهامه النبيلة رغم أنف الحاسدين.

الأدارة ليست سلطة مسؤولة عن التدني الفاحش لنسب الأنجاز الى الأنفاق، في منهج التفكير السياسي على المستوى الفعلي، ولا يستطيع مجلس الوزراء أو الوزير معاقبة التقصير الأداري، طالما ان صاحب الصلاحية لم يسرق، بالمعنى القانوني، وإذا سرق فهي مهمة

القضاء ، أما اصحاب المناصب السياسية وكبار المدراء فقد أوكل اليهم التاريخ وظيفة الدعوة الى الأصلاح والشكوى من الفاسدين. ولا مرة اشارت التقارير الى جلسة لمجلس الوزراء تدارس فيها ارتفاع تكاليف المشاريع والتجهيزات، ولا مرة قيل لأحد بأن كلفة هذه البناية مليار دينار وأنفقتم عليها ثلاثة مليارات، هذا فشل إداري لا بد من تصحيحه، ولذلك على فلان وزملائه مغادرة العمل الحكومي، ولسنا في معرض النزاهة من عدمها، لكن هذ الأنحراف عن مقاييس الأداء السليم يدل على قصور أو تقصير وفي الحالتين عليكم ترك مواقعكم.

ورغم إبتهاج الناس لأحالة ملفات عدد كبير من منتسبي أجهزة الدولة ومنهم بمواقع عليا الى القضاء، لكن البداية الصحيحة للأصلاح ان يتولى مجلس الوزراء مقارنة الأنفاق الفعلي على المشاريع والتجهيزات مع تكاليفها المعيارية.ويعاقب الأنحراف ويصحح الخلل بصلاحياته وأقصى استخدام لتلك الصلاحيات، مضافا اليها النفوذ السياسي لرؤساء الكتل التي يمثلها الوزراء. أما إتقاء أصحاب النفوذ بهيئة النزاهة والقضاء فلا يعني سوى المحافظة على الوضع الراهن.

من منهم لا يعلم ان قيمة الخدمات التي تقدمها وزارة الصحة لا تتناسب بكل المقاييس مع ما ينفق عليها من اموال النفط، وهو “ملك لكل الشعب العراقي” بما فيهم العاطلين عن العمل وسكان العشوائيات؛ والكهرباء ايضا، إهانة للعقل والضمير؛ واين الأنجازات المعلومة والمقنعة للسيطرة على التكاليف وضبط الأنفاق في قطاع النفط والغاز… وفي كافة الوزارات والهيئات المستقلة تعجز الحكومة عن إحترام قواعد الأدارة المتعارف عليها في كل مكان. ويتذرعون بضغوطات الأحزاب ورؤساء لهم نفوذ في مجلس النواب وخروقات دول مجاورة وبعيدة … لكن أين التدابير التي اتخذتم والضوابط التي فرضتم، ومتى حاولتم إعادة تنظيم مديرية عامة واحدة باشراف مجلس الوزراء، ام ان هذه مطالب ساذجة واهتمامات صغيرة شغلتكم عنها “ألمهام الأستراتيجية” كما تزعمون.

اليس الأستئثار بمواقع الخدمة العامة في الرئاسات الثلاث والسلك الخارجي وكل المواقع ذات المزايا. هذا الأستئثار الجنوني، هو دعوة صريحة للفساد وعدم الأكتراث الأخلاقي بالمشترك أيا كان، لأن العقل يعمل بالقياس والمقارنة، والناس على دين ملوكهم. كيف يُفهم إدعاء الخوف على التنمية من ضخامة فقرة الرواتب في الموازنة العامة إزاء الأصرارعلى عدم المراجعة الجادة للرواتب والمخصصات، وتهذيب التفاوت اللامنطقي عموديا وأفقيا حتى لنفس سنوات الخدمة والمستوى التعليمي والدرجة بذرائع لا تمت الى الواقع بصلة. وماذا عن اصناف التبذير الأخرى بما في ذلك الأيفادات و90% منها بلا معنى. عشرات المؤتمرات والندوات

واللجان غير الهادفة، فعلا، لتنشيط الأستثمارواستقطاب الأستثمارالأجنبي يكفي بدلا عنها عدم السماح لدوائر التراخبص والأجازات إبتزاز المستثمر، هؤلاء ايضا تخشونهم على ماذا ؟!.

السلطات، دون أجهزة الرقابة والقضاء، تدير الدولة بما يضمن النزاهة وحسن التصرف بالموارد، هذا هو المطلوب في الدستور والقوانين …، أما ان تكتفي السلطة التنفيذية بإحالة ملفات الى القضاء، ومجلس النواب مخبر للنزاهة فلا أمل بالخروج من هذا النفق.

من بين الذرائع الأخرى النظام الديمقراطي النيابي، وهو موجود في العديد من دول العالم المتقدمة والناهضة، وحتى لو كان النظام الرئاسي أفضل تبقى الفروقات المتوقعة في الأداء محدودة لا تفسر هذا الأخفاق. ويقال المشكلة في التوافقية والتمثيل النسبي بينما العديد من الدول تماثل العراق في هذا ومنها بلجيكا في اساس النظام، وايطاليا وغيرها لأسباب أخرى.

وذريعة أخرى ان القطاع العام مهيمن في الأقتصاد ، واغلب الأراضي مملوكة للدولة، لذلك لا يستطيع القطاع الخاص التحرك حرا، …ماذا تريدون…!!

بقيت كلمة، ان الحكومة والمجلس النيابي والزعماء أولى بالحرص على الديمقراطية ودرء مخاطر عودة الدكتاتنورية، وبمجموعهم عليهم واجب الحفاظ على السلم الاهلي. اما ان يرفض رؤساء القوم الألتزام بضوابط الاجتماع الأنساني والحضارة، وعلى عموم الناس محاربة الأرهاب والتصدي لأعداء الديمقراطية والحفاظ على النظام السياسي ” حشف وسوء كيل”.

تنويه: جميع المقالات المنشورة تمثل رأي كتابها فقط
Read our Privacy Policy by clicking here