حوار الرصاص والمأزق الكبير

في كل البلدان، وعلى اختلاف انظمتها السياسية، هناك حوارات مفتوحة بين الشعب والحكومة، تعتمد في آلياتها وأساليبها وأهدافها على فلسفة الحكم وشكل السلطة، وخلافاً لمنهج القمع والتسلط وفرض الراي الواحد في سلوك الانظمة الدكتاتورية مع شعوبها، تختار الانظمة الديمقراطية حوار المشاركة الفاعلة مع الشعب في صنع القرارومراقبة تنفيذه، باعتباره مصدر السلطات والمسؤول عن اختيار الحكومة عن طريق الانتخابات .

التظاهرات والاحتجاجات العراقية السلمية منذ عام 2011 هي أحدى أساليب الحوار العلني مع السلطات لمواجهة الفساد، ومكفولةً بالحماية من القوى الامنية وفق الدستور، لكن سلسلة التجاوزات على المتظاهرين باساليب قمعية مخالفة للقانون، تصاعدت بشكل منظم خلال السنوات الماضية، وتجاوزت كل الحدود في التظاهرات الاخيرة، باستخدام الرصاص الحي عن قرب ورصاص القنص بوحشية مفرطة، تسببت باستشهاد المئات واصابة الآلاف من المتظاهرين، في سابقة خطيرة لم تحصل على مستوى العالم، حتى في البلدان التي تحكمها اعتى الدكتاتوريات .

الملفت للمراقبين في الداخل والخارج، أن الرئاسة والحكومة والبرلمان وكبار الفاعلين في القرار العراقي أقرت بحق المتظاهرين بالاحتجاج، واستنكرت استخدام رصاص القتل في مواجهتهم، بعد حدوث المجزرة بايام، وهو مؤشر واضح على الفوضى والتخبط في مراكز القرار الرسمي والساند معاً، ولم تجد السلطات منفذاً لتخفيف الاحتقان سوى الوعود باصدار حزم قرارات طالب بها المتظاهرون، وكأنها كانت غائبة عن تفكير الحكومات طوال السنوات الماضية .

المأزق الخطيرالذي وقعت فيه السلطات والأحزاب والاطراف الاقليمية والدولية المستفيدة من الفوضى والفساد في العراق، هوتوقيتات التنفيذ، وحجم المبالغ المطلوب تخصيصها، قبل ان تتصاعد سقوف مطالب المتظاهرين في حال التلكوء والمماطلة والتسويف، المعتادة عليها السلطات وجهازها الاداري والمالي المنخور بالفساد منذ سقوط الدكتاتورية.

لكن ملف (قتلة المتظاهرين) هو الاختبار الأول لقدرة وجدية الحكومة على الاجابة على الاسئلة خطيرة، من أصدر الأوامر؟ من هم القتلة ؟ هل هم منتسبون للقوى الامنية، ام لقوى مسلحة خارج القانون؟وهل (ومتى) سيتم تقديمهم للمحاكم؟، خاصةً وأن اي تأخير أو تضليل أو تساهل سيزيد الاحتقان ويدفع المتظاهرين الى اليأس من اجراءات الحكومة، التي هي أصلاً محكومة بالاعلان عن نتائج تحقيقاتها خلال اسبوعين، لم يبقى منهما الا اسبوعاًفقط، وحين تخفق، لااحد يستطيع تصور ماسيحدث في تظاهرات يوم الجمعة الاخير من هذا الشهر، لأنه تأريخ فاصل لاتنفع معه الوعود وخطب المواعظ والتخدير .

علي فهد ياسين

تنويه: جميع المقالات المنشورة تمثل رأي كتابها فقط
Read our Privacy Policy by clicking here