“القلم وبناء فكر الإنسان” رؤية أدبية عن قصائد الشاعر عصمت شاهين دوسكي للكاتب العراقي أحمد لفتة علي

الأيسري الصديق _ المغرب / قراءة تحليلية للكتاب

عن مكتبة كازى بوك العامة في مدينة دهوك صدر مؤخرا للكاتب العراقي أحمد لفتة علي سنة 2019 كتاب بعنوان ” القلم وبناء فكر الإنسان” رؤية أدبية عن قصائد الشاعر عصمت شاهين دوسكي، يقع الكتاب من 80 صفحة من الحجم المتوسط، وتصميم الغلاف من إنجاز المصمم العراقي نزار البزاز حيث يطغى عليه اللون الأزرق بكل تجلياته من الفاتح إلى الداكن، ويمثل اللون الأزرق السماء والبحر، ويرتبط بالأماكن المفتوحة، والحرية، والخيال، والتوسع، والإلهام، والحساسية فهو يشير إلى الحب للحياة وللمساحات الشاسعة.كما يمثل اللون الأزرق معاني العمق والثقة والولاء والإخلاص والحكمة والثقة والاستقرار والإيمان والذكاء ، له تأثير إيجابيّ على العقل والجسم، وبوصفه لون الروح، فإنه يستدعي الراحة ويمكنه أن يجعل الجسم ينتج مواد كيميائية تهدأ وتنشر مشاعر السكينة. تتوسط واجهة الكتاب صورة الشاعر عصمت شاهين دوسكي متمركزة وسط دائرة وهو يحمل بين يديه قلم وورقة تحت نظرات الترقب، وحول محيط الدائرة تصطف بشكل دائري صور أغلفة المؤلفات الثمانية للكاتب عصمت شاهين دوسكي. وتعتبر الدائرة نبضا للوجود الإنساني فهي تشير في تكويناتها إلى الطبيعة والأرض وجماليات الكون الحسية والمرئية والانفعالية والفكرية. إذا فالدائرة حكاية الأرض والسماء، المخيلة والإبداع، والواقع بكل ما يستخدم فيه من خامات ومواد تُصنع منها الدائرة ، وخلف الدائرة تدرج بنائي يجسد صورة بناء فكر الإنسان كمراحل . وقد جاء على ظهر الغلاف صورة للكاتب “أحمد لفتة علي” مرافقة بنبذة مختصرة عن شخصيته، ويعلوه عنوان الكتاب. (صفحات 3_4) كلمة حق: في مستهل الكتاب نجد كلمة حق للكاتب العراقي “أنيس ميرو” حيث قربنا بحسه الأدبي وببساطة صياغته من الترابط والتلاحم الحاصل بين الكاتب “أحمد لفتة علي” والشاعر “عصمت شاهين دوسكي”، حيث كان الأول يقتفي خطوات الشاعر بالثناء والتشجيع والتحفيز، وقد تطرق الكاتب “أنيس ميرو” إلى أزمة الحرب من دمار وخراب التي شهدتها مدينة الموصل، مما جعل معظم الكتاب والأدباء يهجرونها، وكان رحيل شاعر المرأة والوطن “عصمت شاهين دوسكي” إلى منطقة دهوك نقلة نوعية ساهمت بشكل كبير بتقدم ونمو الفكر والوعي الثقافي بين الساكنة، وذلك بما جاد به الشاعر من فيض وغزارة المنتوجات الأدبية والفكرية في معظم مجالات الحياة بالنشر الإليكتروني والورقي عبر العالم، وذلك رغم معاناته القاسية في عدم إيجاد فرصة عمل رغم البحث المستمر وقد واجه لوحده كل أشكال القهر والضنك وقسوة العيش بالصبر والكفاح. (صفحات 5_9) التوظيف الجميل :

يأخذنا الكاتب “أحمد لفتة علي” إلى مكامن وأسرار توظيف الفعل الجميل لذى الشاعر “عصمت شاهين دوسكي”، وقد قارن الكاتب أعمال الشاعر بكبار الأدباء والشعراء والفنانين الذين بقيت منجزاتهم خالدة عبر العصور رغم القوى الظلامية والأنظمة الاستبدادية، وذلك بفضل الفعل الجميل الذي تتسم به أعمالهم من تنوير وتسامح وسلام والنداء بالحرية والعيش الكريم، الشاعر “عصمت شاهين دوسكي” يرسم الحب والأمل والفكر النير ويضيء المسالك الوعرة بما يتوفر من معاجم اللغة ومدارك العلوم استطاع بحسه الشاعري

وبذكائه الوجداني أن يجسد كلمات الجمال والحب وتعتبر قصيدته ” شيرين والقلب الحزين ” نداء حب ووفاء وإخلاص بين فرهاد وشيرين أبطال ملحمة عشق كوردية وتناغمها وتوظيفها بشكل دقيق خلاق مع العشق المعاصر .

(( عالمنا شيرين

رهن الضباب ، رهن الدخان

وزيف العنفوان

ولمعة السراب واللا سراب

عالمنا يعج بالخرافات

والصالات والأغنيات

وتحت الأنقاض شباب

أودعنا سر الشهداء

سر المفقودين والبؤساء تحت التراب

منحنا الشمس اشتعالا

خطواتنا تملأ الأرض زلزالا

وما زال حلمنا عذاب )) .

(صفحات 10_18) نقاء الإنسانية ونبض الإبداع : وينتقل بنا الكاتب “أحمد لفتة علي” بأسلوب سلس وصياغة متمكنة إلى ركن من كتابات الشاعر “عصمت شاهين دوسكي” التي تتميز بنقاء الإنسانية ونبض الإبداع، حيث ينقل لنا بكل أمانة كل أحاسيس وشحنات الأحزان عند الشاعر التي تتحول بكل صدق وشفافية إلى شعور الحب والصفاء، حيث من العدم يرسم لوحة الأمل والتفاؤل إلى كل المعوزين والفقراء رغم ما يعانيه من الحرمان، يعطي ويمنح بدون حساب وبكل سخاء، لا يرضى بالذل والهوان، ولم يمد أبدا يده للطلب، يشارك البسمة مع الناس. وحاول الكاتب بكل جدية أن يجسد لنا كل مميزات الإنسانية عند الشاعر “عصمت شاهين دوسكي” من خلال قصائده، وتعد قصيدته الرائعة “آسف جدا” حاملة لرسالة المجد والإنسانية في حب الوطن.

(( آسف جدا – للحروب والدمار والخراب

للتشريد والتهجير في وطن الأطياب

للقيود والجهل ورؤى السراب )) . وتعتبر قصيدة “عفرين” إحدى الروائع الشاعرية لنبذ العنف والدمار والإبادة، فكل الأديان والكتب السماوية تمجد الإنسان وتنادي بالحرية والحب، ومن ضمن أجمل ما كتب الشاعر عن الحرية (ورأيت الزيتون يبكي بلا حدود ) .

(( عفرين

عودي إلي واتركي صحراء الركود

يا سيدتي أحتاج لامرأة – تخرجني من محراب القيود

سمعت عنك ، قرأـ عنك

ورأيت الزيتون يبكي بلا حدود )) . وفي قصيدة “ماذا تبيع يا ولدي” نقل لنا الكاتب صور تراجيدية وملحمات إنسانية في شعر “عصمت شاهين دوسكي” حيث يقاسي الفقراء من جبروت وأطماع الطغاة .

(( ماذا تبيع يا ولدي – الجبابرة باعوا كل شيء

حتى العشق باعوه بلا ماعون )) . وختم الكاتب ركن نقاء الإنسانية ونبض الإبداع بتحفة شعرية “أنا بلا عمل” والتي وصف فيها الشاعر أزمة البطالة وقساوتها رغم ما يحمل الإنسان من شهادات وكفاءات لكن لا يجد فرص العمل فحمل الوطن ورحل بعيدا عن الفاسدين.

(( في وطني بسطاء – بلا نفاق وشقاق ومنعزل

لا أركض وراء شهادة ورقية

أنا الشهادة ، أنا الهوية ، أنا الأجمل

فهل تبحث لي عن عمل

أم أحمل وطني وارحل ..؟ !!! )) . (صفحات 19_25 ) في ركن بين الفناء والجلاء، الرسائل الشعرية رسائل عالمية: مازال الكاتب “أحمد لفتة علي” يغوص بنا في بحر شعر الشاعر الراقي “عصمت شاهين دوسكي” ليخرج منه الدرر واللآلئ، يحمل بين طياته كلمات عميقة ورسائل إنسانية للعالم، فالشاعر كتب في جل المواضيع من الوطن والمرأة والمواقف الاجتماعية والأخلاقية، فهو عايش عن قرب كل معالم الحياة، وتعتبر قصيدته “دلوعتي” من ضمن أبهى ما نسج من كلمات الحب والغزل للمرأة، فالشاعر يقول: (( دلوعتي أرعى قلبك كلما قلب – مهما عابوا ومسوا قوافي عشقي – أقول لهم : أنا إليها أنتسب )). ولا يفوت الكاتب محاسن قصائد الشاعر المتمكن لينقلنا إلى إحدى أجملها “الدبدوب الأحمر ” الغنية بمعاني الوجدان والحنين ورعشة الفجر.وماتراب الوطن إلا جزء من خلايا الشاعر به يحيى ويتنفس، وقد تجسد ذلك الحب الأبدي في قصيدة “بادى” ويتساءل الشاعر بقوله: (( نفحة الأجداد دارت فوق مدار – وحقول في ربوع الغربة تنادي – أين الأصيل والكريم والمقيم / أين من زرع الجبل والسهل والوادي ؟ ) .

(صفحات 26_32) الإرهاب ودمار الحدباء: بروعة الكتابة وبحس فني راق في إيصال المعلومات ومعاني كتابات الشاعر “عصمت شاهين دوسكي” إلى أكبر شريحة ممكنة، بدأ الكاتب “أحمد لفتة علي” هذه الزاوية بعبارات: (من أراد أن يصور الحرب إلى أنها دماء ونيران… فهو غبي! ومن أراد أن يصور الحب على أنه قبلات… فهو أيضا غبي!) فقد صنف الكاتب رواية “الإرهاب ودمار الحدباء” للشاعر عصمت شاهين دوسكي من بين الروايات العالمية بأسلوب واقعي وأدبي توثيقي لحالة الدمار والخراب الذي شهدته منطقة نينوى ومدينة الموصل. وبهذه الرواية استطاع الشاعر أن يضاهي بكتابته السردية لحالة الحرب لكتاب عالميين كتبوا عن موضوع الحرب أمثال الكاتب الفرنسي “جان لويس بوري” والكاتب الألماني “إيريك ماريا ريمارك”. وقد حملت الرواية وقائع عن مأساة الحرب من هتك واغتصاب وسبي النساء وذبح الأبرياء وتجليدهم وهدم البنية التحتية .وتعتبر الرواية ثمرة استماع ومناقشة وتعاون بين الكاتب “أحمد لفتة علي” والشاعر “عصمت شاهين دوسكي” من خلال مواقع التواصل الاجتماعي، وبدعم من “شبكة الإخاء والسلام وحقوق الإنسان” صدرت الرواية بفضل جهود رئيس شبكة الأخاء الكاتب “سردار سنجاري”. وهنا ينادي الكاتب “أحمد لفتة علي” بتضافر الجهود والتعاون بين كافة النخب الثقافية والسياسية والوطنية لدعم رواية ” الإرهاب ودمار الحدباء” للشاعر “عصمت شاهين دوسكي” من أجل إخراجها على شكل فيلم لما تحمل من مأساة ومعاناة إنسانية من خوف وقلق وضياع وقتل لكي تكون بذلك عمل مرئي توثيقي للعمل الأدبي، وبالقيام بعدة ندوات ولقاءات لأحداث الخراب الذي شاهدته نينوى. (صفحات 33_37)موهوب بلعنة الكتابة، منكوب في بيته ومسكنه: الكاتب “أحمد لفتة علي” لن يترك أي شبر من أرضية الشاعر “عصمت شاهين دوسكي” إلا ونبشه، يزرع وروده ليستنشق عبيرها، لقد ارتأى أن يصنفه من ضمن الوزراء والرؤساء لو كان يعيش في دول تسودها الديمقراطية والعدالة مما يتوفر عليه الشاعر من أدبيات النقد والكتابة والشعر، حين يمنح له الدعامات الأساسية لتحقيق مراده. قسا ومر الشاعر “عصمت شاهين دوسكي”من ويلات الدمار والخراب، حيث دمرت بيته في الموصل بصواريخ طائرة حربية ثم قالوا له عذرا بالخطأ !! خرج سالما مع زوجته وابنته من تحت الركام والأنقاض بتاريخ 1-10-2017 م .وتعتبر قصيدة “مشردون” مؤججة بالآلام والأحزان بالحنين والشوق بالآمال والأحلام حيث خرج من بيته خال الوفاض.ويقول الشاعر في هذه القصيدة: (( بعد التحرير مشردون / لا بيت لا ملجأ لا حصير / تطوينا فيافي وترمينا / كقشة تطفو بلا مصير )) وبعدما وقع للشاعر من التشرد والضياع، دعا الكاتب “أحمد لفتة علي” لكل الأنظمة الغير الديمقراطية والتي تتنكر للمواطن الصالح بالتعاسة والزوال، وينادي بكلمة حق برحيل هؤلاء الفاسدين الطامعين الذي جعلوا الشاعر “عصمت شاهين دوسكي” يعيش مغتربا داخل وطنه . (صفحات 38_44) بين حقيقة القلم ووجع المرأة : يواصل الكاتب “أحمد لفتة علي” التحليق بقلمه إلى العلى ليستنبط من سماء أنوار الشاعر “عصمت شاهين دوسكي” نجوما تضئ الكون، فليس غريبا عن الشاعر تنوير المحيط بأفكاره الراقية التي تعري الفاسدين من جورهم وظلمهم، غير خائف، يدافع بكلمة حق عن المتعلمين والمثقفين وأصحاب الشهادات والكفاءات،ويقف بكل حزم إلى جانب اليتامى والأرامل بنبذ التسول في صورة شعرية تكشف كل النوايا الدنيئة لهؤلاء الطغاة فيقول الشاعر: (( أبحث عن فكر لا يخاف / ولا يحتاج لسوط جلاد وحراس / أبحث عن وطن يسمو بالحب / ولا يقطع الأنفاس )) . فالشاعر “عصمت شاهين دوسكي” كتب عن حقوق المرأة عن الحب عن الشرف، فالمرأة هي رمز التضحية والوفاء والحياة . فقد أحس الشاعر بآلام وأوضاع المرأة حيث يقول: (( وجعك أيقظ خفية وجعي / فهل تدرك سالت أدمعي / شوقي لهيب أحرق جفني / وبح ندائي فهل تسمعي ؟ )) مازال الشاعر ينادي بالاهتمام بالمرأة لتزول أوجاعها وآهاتها.

(صفحات 45_47) الإنسانية النقية : لن يهدأ بال الكاتب “أحمد لفتة علي” في الإبحار بسفينته في كل بحار الشاعر “عصمت شاهين دوسكي” ، يجدف بقوة فكره نحو عالم الشاعر يساير أمواجه وتياراته، في هذا الركن ترسو سفينة الكاتب في مرفأ الإنسانية النقية عند الشاعر “عصمت شاهين دوسكي” الذي يتميز بسمو قلبه وشموخ عقله، حيث يملك عقلا صافيا وقلبا طاهرا مفعم بالحب والمودة، يكره كل أشكال العنصرية والتمييز بإسم الدين أو اللون أو اللغة أو الطبقات الاجتماعية، فقد أسقط الشاعر كل الأقنعة والأوسمة والنياشين فحمل فقط جنسية الإنسانية السمحاء، يوزع بواسطة قصائده الشعرية الزكية عبير ورود المحبة والآمال. هنا يحث الكاتب “أحمد لفتة علي” الشاعر الراقي “عصمت شاهين دوسكي” بالاستمرار في الكتابة بعوالم إنسانية بها يزيح جبل الهم والآلام على الصدور والتنفس بلغة الشعر والإنسانية. (صفحات 48_53) حلم الأمازيغية : حلم الأمازيغية

تعد قصيدة حلم الأمازيغية الرابط الروحي بين الرافدين وتامزغا حيث استطاع الشاعر “عصمت شاهين دوسكي” أن ينسج من كلمات شعرية أروع رابط امتداد الوطن وهو الذي عانى ويلات الدمار والتشرد والهجران، هنا يناجي الأمازيغية أن تعالج آلامه ومعاناته بين الضياع والتيه وأن ترمم وتجمع أطراف وطنه المشتت، فقير ومعوز في وطن يشرب النفط، جاء يطلب ويستغيث ليلقى شفاء وبلسم لكل صمته وصبره ورؤى آهاته.

الأمازيغ هم السكان الأصليون لمنطقة شمال أفريقيا. ويعني لفظ الأمازيغ ” الأحرار”. وتمتد “الجغرافيا الأمازيغية” من واحة سيوة المصرية شرقا إلى المحيط الأطلسي غربا، ومن البحر الأبيض المتوسط شمالا إلى الصحراء الكبرى جنوبا. ويوجد الأمازيغ في مالي وفي النيجر وشمال بوركينا فاسو إضافة إلى جزر الكناري، يمتد تاريخ الأمازيغ إلى أكثر من 3000 سنة، تكتب اللغة الأمازيغية بالحرف الأمازيغي الذي يسمى بـ “تيفيناغ”.

(( يا أمازيغية الحياة

والصمت والصبر ورؤى الآهات

يا صوت ينادي الجبل والنهر

والورد وسحر الأمسيات

أغيثيني من وجع الأحلام

والسفر بلا سفر ـ ونزيف الأمنيات

أغيثيني من شعر يتدرج

على أكتاف الحرمان

بين ضباب المكان ونبرة الأنات

من عيون أبحرت – بين الجنان بلا أجنحة

ولا حقيبة حبلى بهزائم الانتصارات )) .

تنويه: جميع المقالات المنشورة تمثل رأي كتابها فقط
Read our Privacy Policy by clicking here