هل الهم العراقيون لبنانيين بتظاهراتهم الاحتجاجية ضد الفساد و الفشل ؟

بقلم مهدي قاسم

لم تمض إلا أياما قليلة على تظاهرات العراقيين المصحوبة
بتضحيات كبيرة مع سكب دماء غزيرة ، حتى حذا لبنانيون حذوهم ، منطلقين بتظاهرات جماهير حاشدة متماثلة ومتشابهة من حيث المطالب والأهداف : أي مكافحة الفساد مكافحة جدية ، إلى جانب توفير فرص العمل و تحسين المستوى المعيشي والخدمات المتلكئة و أشياء أخرى من هذا القبيل
..

ومن سخرية القدر أن يشبه الوضع السياسي في لبنان تماما
الوضع السياسي الحالي في العراق : يعني نظام طائفي فاسد وفاشل يقوده ثلة من لصوص جشعين ، كزعماء ” مقدسين ” و إقطاعيين مدللين !!، و من حيث اعتباره من أسوأ و أحط أنظمة حكم وجُدت على الأرض إطلاقا و قاطبة حتى الآن في عصرنا الراهن ، تتحكم به أسر و عائلات معينة ،
ربما تُعد نفسها خير عائلات و أسر نُزلت للناس !! ، لكونها تعتبر نفسها وصية وقيمة على مصير الشعب والوطن ، كأنما لديها وكالة من الله مباشرة لتتحكم وتتزعم هكذا بمصير الناس وإلى أبد الآبدين متنعمة بكل مزايا و امتيازات و رفاهية ملوك صغار، طبعا على حساب إفقار و
تجويع ملايين من الناس و استهانة بكرامتهم الإنسانية و إمعانا بهم مذلة واستخفافا ، و بما أن كل ما هو مصطنع و هجين وقائم على باطل هو باطل بالأساس و مهدد بتزعزع و انهيار، فكذلك الأمر بالنظامين السياسيين الطائفيين في كل من لبنان والعراق :

فسبب هذا النظام المصطنع و الهجين القائم في لبنان حدثت
عدة حروب أهلية طاحنة بين المكوّنات اللبنانية ، سيما في الخمسينات والسبعينات من القرن الماضي مع تجددها بين فترة و أخرى و إن كان على نطاق أضيق كان يسهل تطويقه بعد مساومات بين زعماء هذه العائلات والأسر لتقسيم المناصب والأمتيازات فيما بينها ، و القيام في الوقت
نفسه بتضليل وخداع جماهيرها بوعود معسولة لم تجن من ورائها هذه الجماهير غير الخيبة و المرارة ومزيد من فقر وعوز وحرمان ..

و تقريبا الشيء نفسه حدث ويحدث في العراق بعد إقامة نظام
طائفي هجين وفاسد ، تتحكم فيه عائلات و أسر ” مقدسة ” أو إقطاعية كعائلة الحكيم و الصدر و المالكي و النجيفي و البارزاني و الطالباني والكربولي والترعوزي والقرقوزي ، فمع ازدياد ثروات هذه العائلات و الأسر المتحكمة بشكل خيالي وفريد ، يعني بعشرات مليارات دولارات
!، أزدادت نسبة الفساد المالي بتواز مع تفاقم نسبة الفقر والعوز عند شرائح مليونية من المجتمع العراقي و بشكل مريع ، جنبا إلى جنب مع تردي مستوى الخدمات والتعليم والصحة ، بل فقد زادت الأمور سوءا أكثر من ذي قبل ، على الرغم من مرور 16 عاما على وجود هذا النظام الفاسد
والهجين و بشكل لا يوجد أي أمل في تحسينه إلا عبر انتفاضة جبارة و جارفة و كاسحة..

لكون كل تلك التظاهرات السلمية والمناشدات والمطالب السابقة
لم تجد نفعا و لا أذانا صاغية أو قلوبا متعاطفة و مستجيبة.

لذا فمصير العراقيين واللبنانيين يكاد أن يكون متشابها
من حيث انحطاط نظام الحكم المافيوي في كلا البلدين ، الأمر الذي يتطلب من كلا الشعبين الانتفاضة الجبارة و المطالبة بالتغيير الجذري الذي يجب أن يؤدي إلى الخلاص من سلطة هذه العائلات و الأسر ” المقدسة ” و الإقطاعية المدللة .

ومن أجل تحقيق ذلك ينبغي قبل كل شيء آخر ، الخلاص من الاصطفاف
الطائفي ــ الذي يتخذه الزعماء الطائفيون سلما للصعود نحو قمة السلطة في كل مرة بعد أخرى ــ و الدخول الجماهيري الواسع إلى الرحابة الوطنية الحقة ومن خلال ذلك التحرك الكاسح نحو تغيير جذري وحاسم جدي.

تنويه: جميع المقالات المنشورة تمثل رأي كتابها فقط
Read our Privacy Policy by clicking here