إجازة السوق .. هم يضاف لهموم العراقيين

قبل أيام قليلة بدأ موعد نفاذ وتطبيق قانون المرور الجديد رقم 8 لسنة 2019 ، وبغض النظر عن الطريقة التي شرع بها هذا القانون وكيفية تبنيه وإعطاءه هذه الأولوية في التشريع والسريان فقد بات أمرا واقعا وواجب التطبيق في الموعد المحدد له ، ولم يتبقى إلا أن نتمنى من الجهات المعنية في تطبيق ما يتضمنه من غرامات او عقوبات أخرى بعضها غاية في القسوة ( كونها تمتد إلى الحجز والحبس والمصادرة ) في إبداء المرونة المطلوبة في المراحل الأولى من التطبيق وعدم التعسف في تنفيذه حتى وان لم ينص على ذلك في متن المواد التي تضمنها القانون ، لارفضا لفرض النظام وحماية الأرواح والممتلكات من حوادث المرور التي تضر وتزعج وتؤذي العديد من المواطنين ولكن لأنه ولد في غير الموعد المخصص له وفي ظروف لم تتهيأ بعد بالشكل الذي يتناسب مع تطبيقه بحجم التغييرات التي طرأت عليه قياسا بالقوانين السابقة للمرور ، ونقصد بالتحديد التدرج في فرض العقوبات على المخالفات البسيطة والتي لا تسبب ضررا واضحا او جسيما لمستخدمي الطريق وسائقي وأصحاب المركبات ولممتلكات الصالح العام والخاص ، لان القانون تم نفاذه رغم صدوره قبل شهرين وهذه المدة لم تكن كافية لتعريف المعنيين بما يحمله من تغييرات وأثار كما إنها لم تكن كافية لتأمين المتطلبات الأساسية للتطبيق من حيث التدريب والبنى التحتية والأمور الساندة من المعرفة والإعلام وتوفير المستلزمات لإحداث هكذا نوع من التغيير ، ويضاف لذلك كله الوضع الحرج الذي يمر فيه بلدنا وهو يشهد ممارسات تتعلق بطلب التخفيف عن الأعباء والصعوبات التي تواجهها شرائح مهمة من مجتمعنا ، فالقانون يفرض غرامات عالية تعادل أضعاف ما يحصل عليه العاملين في مجال النقل في سيارات الأجرة ونقل الركاب والحمل والإنتاجية لبعض الحالات وكأن العاملين يعملون ك( عبيد ) لتسديد الغرامات .
والحق يقال ، إن هذا القانون يستوعب حالات عديدة تتضمن اغلب المسائل المتعلقة بسلامة وتأمين المرور وتنظيم الملكية وانتقالها بشكل انسيابي يضمن حقوق الأطراف المعنية ، ولعله استفاد من مزايا وأخطاء القوانين السابقة وواكب القوانين والتعليمات والإرشادات المطبقة في الدول الأخرى لاسيما التي تتميز باهتمامها بموضوع المرور وحقوق المالكين والمستخدمين والأطراف الأخرى ويترجم فلسفة الدول الديمقراطية بهذا الخصوص ، وهذا القانون لا يمكن وصفه بأنه ولد ميتا ولكنه يريد الانتقال بالوضع المروري من الوضع الفوضوي الذي كان يسود قبل وبعد 2003 إلى وضع مثالي وبجرعة واحدة وليس بمراحل متسلسلة تتناسب مع الرغبة في التطبيق ومدى توفر البنى التحتية وملائمة الملاكات التي ستتولى التنفيذ ، والأهداف التي يسعى لبلوغها هذا القانون مشروعة وتأتي من باب الأمنيات والطموح ولكن تحقيقها يصطدم بمجموعة من العقبات ، فدوائر المرور لا تزال تعاني من عدم ملائمة اغلب الأبنية المخصصة لها لان بعضها يستخدم الكرفانات كما إنها تفتقر إلى التقنيات الحديثة في المراقبة والسيطرة وتداول البيانات والمعلومات ، وكمثال على ذلك فان هناك العديد من المركبات لا تزال تتجول بلوحات تسجيل متعددة الأشكال والألوان ( صدامي ، إدخال كمركي ، ألماني ، شمالي ، ورقية ) ولم تمتلك المرور لحد اليوم معملا لإنتاج لوحات التسجيل بمواد خاصة بها ، كما إن مواقعها في بغداد والمحافظات غير قادرة على استيعاب متطلبات انجاز معاملات العدد الكبير من العجلات والمركبات والدراجات وجميع الممتلكات التي وردت في القانون ، كما إن مستوى وعي بعض المواطنين من مستخدمي المركبات والطرق لا تزال بحاجة إلى كثير من الجهود لتنميتها والإيمان بها وتطبيقها بالشكل الصحيح ، والقانون الجديد وضع فرضية ليست بالضرورة هي الفاعلة في كل الحالات لأنها تقوم على استخدام العقوبات والجزاءات على المخالفين لإيصالهم إلى جادة الصواب ، وهو أسلوب قد يكون ناجحا نوعا ما ولكنه لا يوفر الضمانة والشفافية على طول الطريق لان هناك من سيحاول اختصار موضوع العقوبات من خلال الفساد لأنه ليس كل البشر من الملائكة الصالحين ورجال المرور رغم وجود نزيهين إلا إنهم من البشر أيضا .
ولان الحديث عن هذا القانون يطول فإننا سنتناول جانبا منه المتعلق ب( إجازة السوق ) التي تناولتها المادة 25 من القانون ( الذي سينفذ بعد أيام استنادا للمادة 50 منه نظرا لمرور 60 يوما على نشره في الجريدة الرسمية – الوقائع العراقية ) حيث جاء في الفقرة ثالثاً من المادة 25 ، يعاقب بغرامة مقدارها (50000) خمسون ألف دينار كل من ارتكب فعلاً من الأفعال الآتية :ــــ
أ ـ قيادة مركبة بإجازة سوق غير مختصة بنوع المركبة .
جـ ـ عدم حمل إجازة السوق أو إجازة التسجيل أو الامتناع عن إعطائها عند طلبها من رجل المرور .
م ـ عـــــــــــدم تجديد إجازة السوق أو التسجيل بعد مهلة الشهر الممنوحة له بموجب هذا القانون .
وهذه الفقرة ليست مستحيلة التطبيق ولكن تطبيقها يضيف هما إلى هموم اغلب العراقيين من سائقي المركبات بأصنافها المختلفة وبالأخص ( الخصوصي ) ، فهناك ثلاث حقائق بهذا الخصوص ، أولها إن عدد الحاصلين على إجازة السوق قبل 2003 لا يشمل إلا نسبة قليلة من مجموع سائقي المركبات حاليا وهؤلاء لم يجددوا نفاذية إجازاتهم لان المرور توقفت عن هذا النشاط لسنوات وعند المباشرة به تم الاهتمام بإصدار إجازات السوق الجديدة وعدم التجديد ( للقديمة ) بحجة صعوبة الرجوع للأوليات او الادعاء بان الغرامات المترتبة على عدم التجديد أكثر من تكاليف إصدار الإجازة الجديدة ومرورها بنفس إجراءات التسجيل الجديدة من الفحص الطبي والبصمة والصورة او الامتناع عن التجديد باجتهاد من بعض العاملين في المرور ، وثانيها إن المرور قد أخذت فترة من السبات في إصدار إجازات السوق دامت لسنوات بعد 2003 ثم أخذت تصدرها بشكل خجول سادته العديد من حالات الفساد بحيث إن ( رشوة ) انجازها كانت معروفة الأسعار للجميع ولهذا فان هناك الكثير من إجازات السوق النافذة ليست صحيحة وتمت عن استحقاق فعلي كما إن تعليمات المرور تباينت بعد المباشرة بإصدار إجازات السوق فمرة كانت المعاملات تنجز في قواطع المرور ومرة انتقلت إلى المواقع المرورية وقد تمت من خلال المواقع الالكترونية التي تعذر الوصول إليها في حالات عديدة ، وثالثها إن عدد الذين بحاجة إلى إصدار إجازات السوق يفوق الإمكانيات الحالية للمرور في بغداد والمحافظات لان مستخدمي المركبات تضاعفت أعدادهم بمتواليات هندسية بعد 2003 حيث ازداد عدد السيارات المستوردة بشكل كبير جدا بدليل إن الازدحامات تسود دوائر المرور لإصدار إجازات السوق والمعاملات تمر بإجراءات بطيئة وصعبة ومنها الفحص الطبي الذي تحول إلى أمنية بعد الإخفاق في التنسيق مع وزارة الصحة لإيجاد لجان موقعية للفحص الطبي وقيام الصحة بتحويل الفحص الطبي إلى عملية ربحية بإسنادها إلى العيادات الطبية الشعبية بقصد الحصول على اكبر قدر ممكن من الإيرادات وترك الهامش للفاسدين بعد أن تنصلت تلك العيادات عن واجباتها الحقيقية .
ورغم إننا لا نمتلك إحصائية دقيقة وكذلك المرور العامة وأية جهة حكومية او أهلية ( كما نعتقد ) ، فان من المتوقع أن يكون عدد الحاصلين على إجازات سوق نافذة وصحيحة ( غير مزيفة ) ومجددة هو اقل من عدد سائقي المركبات في العراق ، ما يعني تعرض عشرات الآلاف منهم إلى الغرامات المرورية بمجرد نزولهم إلى الشوارع ومطالبتهم بإبراز إجازات السوق من قبل ملاكات المرور من المفارز وفي السيطرات وعند ارتكاب الحوادث والمخالفات ، وكما هو متوقع فان بعض رجال المرور ( من رتبة الشرطي إلى أعلى الرتب ) سيكونون بالمرصاد لكل مخالف ليلا ونهار وعلى مدار 24 ساعة يوميا فالقضية بسيطة جدا وهي توجيه سؤال ( أين إجازة السوق النافذة ) وهو ما سيدفع بعض السائقين ممن لا يحملون إجازات السوق ليس عنادا ولكن لان استصدارها وتجديدها ليس بالأمر السهل باتخاذ ردود أفعال متباينة ، فقد تكون الامتناع عن السياقة او قبول المجازفة بالخروج وتحاشي المرور بنقاط السيطرة والتفتيش او المواجهة وتقبل الأمر الواقع بقبول الغرامة او الدخول بمجادلات ومجاملات وإبراز الهويات او العضلات ، دون أن يغيب عن البال إن غرامة بمقدار 50 ألف دينار ليست أمرا سهلا على الجميع فإيرادات السائق العمومي من الصعب أن تصل إلى هذا المبلغ ، كما إن الموظفين والطلاب وغيرهم من الذكور والإناث ليس من المتوقع أن تكون في جيوبهم مبلغ الغرامة إن كانت فورية مما سيضطر رجال المرور لحجزهم لحين التسديد ، وإذا كان المخالف في عجلة من أمره ولا يملك هذا المبلغ في جيبه او في بيته فالأمر ربما سيدفعهم لاتخاذ مجموعة من الخيارات قد تبدأ بالتوسل او التعصب مما يعرض المروري للإحراج ، ولا نعلم كم من الكرامات ستهدر إزاء مخالفة سببها المرور لأنها لم تيسر إجراءات الحصول على إجازة السوق لأنها تتطلب الذهاب إلى موقع ( التاجيات او الحسينية ) في بغداد للانتظار أمام الأكشاك والشبابيك صيفا او شتاءا للحصول على استمارة ثم الذهاب للفحص الطبي واختبارات علامات المرور والسلامة والميكانيك ثم اختبار السياقة ، والانتظار بطوابير في كل مرحلة لساعات او أيام او أسابيع بعد قطع بعض شرايين الرشوة والمعقبين والدلالين ، والمواطن العراقي لا يحب مخالفة القوانين ولكن البيروقراطية هي التي تمنعه من ذلك فحين تيسرت أمور إصدار جوازات السفر حصل الكثير من المواطنين على الجواز رغم أنهم ليسوا في حالة سفر عاجلة ، ولو كانت إجازة السوق سهلة المنال وتتم ببساطة لما عزف أحدا في الحصول عليها او تجديدها وعدم تعريض نفسه للمخالفات ، ولأن ( العافية بالتدريج ) فان المقترح الذي قد يكون مناسبا هو التساهل بهذه المخالفة ولمدة عام على الأقل للموظفين والعسكريين وأصحاب المهن والأعمار التي تزيد عن 20 سنة على أن تصاحب هذه السنة زيادة منافذ إصدار الإجازات وانتشارها في المناطق السكنية وليس حصر( شعب ) بتعداد مليون او أكثر بموقع في إطراف المحافظات ، ومن الضروري إصدار قرار بمنح العفو عن غرامات تأخير تجديد الإجازات كما حصل في العفو العام عن المسجونين والمحكومين بالإعدام لمرتين باعتبار إن مخالفة عدم حمل إجازة السوق او حملها للبالغين ليست من جرائم الإرهاب او الفساد او الزنا بالمحرمات او التخريب الاقتصادي التي استثنيت من قوانين وقرارات العفو العام .
باسل عباس خضير

تنويه: جميع المقالات المنشورة تمثل رأي كتابها فقط
Read our Privacy Policy by clicking here