الشباب عادوا الى منازلهم مع خيبة امل والمزيد من الاصرار.. حان وقت الحزن.. الاحتجاجات العراقية تعمّق الانقسام بين جيلين

مصطفى حبيب

تراجعت الاحتجاجات وعاد الشباب الذين قادوها الى منازلهم مع الكثير من الالم والغضب وذكريات اصدقائهم الضحايا كان للاحتجاجات مفعول سياسي وآخر اجتماعي تمثل في تزايد الانقسام بين الشباب والاجيال الاكبر.

“ابائنا، معلمينا، زعماء عشائرنا ورجال ديننا، كيف تجرأتهم على خذلاننا عندما رأيتهم دمائنا تسيل في الشوارع، خرجنا من اجلكم ايضا لتحسين الاوضاع القائمة، في المقابل لم نرى غير السكوت منكم”، يقول علاء الساعدي (23 عام) احد المتظاهرين في بغداد معلقا على ما الت اليه الاحتجاجات الاخيرة في البلاد.

التظاهرات الاخيرة التي باتت تعرف بـ “احتجاجات اكتوبر” كانت مختلفة بامتياز عن سابقاتها، مختلفة على مستوى قادتها، حجم الضحايا، طريقة رد الفعل الحكومي، كما انها عمّقت الانقسام القائم بين جيل الشباب بعد 2003 والاجيال الاكبر، وتأثير هذا الانقسام سيحدد الكثير من المسارات السياسية والاجتماعية والثقافية خلال الاعوام القليلة المقبلة.

اكثر من مئة قتيل، وستة الاف جريح و900 معتقل هي حصيلة الاحتجاجات، جميعهم من الشباب الذي اختبروا للمرة الاولى في حياتهم ولوحدهم تجربة صعبة وقاسية، رقم الضحايا يعتبر الاعلى مقارنة مع ضحايا الاحتجاجات السابقة التي شهدتها البلاد بعد العام 2003.

دعم رئيس الجمهورية برهم صالح في خطاب الى الشعب مطالب المحتجين، وقال ان على السياسيين الاعتراف بان هذه الاحتجاجات جاءت بسبب الظلم وسوء الاوضاع، ودعاهم الى التكاتف واطلاق حوار وطني مع الشباب المحتجين، ومحاسبة المتورطين في اعمال العنف.

وفي خطاب مغاير لما ظهر به اثناء الاحتجاجات، بعيدا عن الارتباك واللهجة الصارمة، خاطب رئيس الوزراء عادل عبد المهدي الاربعاء الماضي الشعب بنبرة عاطفية تحمل الاسى على ما حدث، اعلن الحداد العام الوطني لثلاث ايام في عموم البلاد، وقرر تعويض عائلات الضحايا، ومعالجة الجرحى على نفقة الحكومة، واطلاق سراح جميع المعتقلين، وتقديم نصف مليون وظيفة.

بعدها بساعات سارع الاف الشباب الى مباني الوزارات حاملين معهم هذه المرة ليست ذات الشعارات التي رفعوها ضد الحكومة الاسبوع الماضي، ولكن ملفاتهم الشخصية من اجل الحصول على وظيفة.

على خلاف باقي التظاهرات السابقة التي شهدتها البلاد، فأن اللاعبين الاساسيين في الاحتجاجات السابقة لم يشاركوا فيها، مثل الاحزاب اليسارية والقوى المدنية والليبرالية، حتى ان رجل الدين مقتدى الصدر الذي يعتبر احد رموز مناهضة السلطة لسنوات، امتنع عن المشاركة فيها، وجد الاف الشباب في مدن بغداد وذي قار والديوانية وميسان والبصرة انفسهم في الميدان لوحدهم، بلا تخطيط، بلا خبرة، فقط تدفعهم حماستهم للتغيير.

يقول صادق الربيعي (19 سنة) احد المتظاهرين من مدينة ذي قار “انها صدمة كبيرة، سمعنا ازيز الرصاص الحي وهو يطلق نحونا، بعض الرصاصات استقرت في اجساد اصدقائنا، قبل ذلك كنا نسمع الرصاص ونخسر الاصدقاء فقط في لعبة البوبجي، ولكن ليس في الواقع”.

ويضيف “لقد تخلى عنا الجيل الاكبر منا، تركونا وحدنا في الميدان، وكان هذا هو سبب استهدافنا بهذا العنف المفرط، قوات الامن اعتبرونا مراهقين واطفال، لو وقف معنا ابائنا واقاربنا وقادة عشائرنا، لما كان سيحصل ما حصل”.

كانت مشاهد التظاهرات فريدة، شباب يافعون بعضهم حتى لم يكمل السادسة عشر من عمره، يتسللون من منازلهم واحيائهم لمراوغة حظر التجوال الذي فرضته قوات الامن، من اجل التجمع في اقرب نقطة ممكنة من مقر الحكومة، مطالبين بتغيير الاوضاع وتحسين الخدمات والحصول على الوظائف.

عاد الشباب الى منازلهم مع خيبة امل، واصرار اكبر على التغيير، يردد العشرات منهم في مقاطع فيديو عديدة تم تسريبها رغم حظر الانترنيت من قبل الحكومة، عبارات من قبيل “سنواصل الاحتجاج” اذا لم يكن الان، سيكون في المستقبل، لن نقبل ان نمضي بقية حياتنا بهذه الطريقة.

بجانب تداعيات الاحتجاجات في الجانب السياسي، لكن تداعياتها الاكبر ستكون اجتماعية، فالانقسام وانقطاع التواصل بين جيل شباب ما بعد 2003، والاجيال الاكبر اصبح اكثر عمقا.

والاهم، ان الاحتجاجات الاخيرة وضعت السردية المتداولة عن حملات الانتقاد المكثفة التي يتعرض لها الجيل اليافع الحالي من قبل الاجيال الاكبر في موضع الشك.

انه الجيل اليافع الذي يتعرض لانتقادات حول تسريحة الشعر، وملابسهم، وسهرهم حتى الفجر في استخدام الانترنيت والالعاب، وتراجع مستواهم الدراسي، لكنه ايضا الجيل الذي قاد الاحتجاج الاكبر ضد السلطة بعد العام 2003 التي تورطت في سوء ادارة البلاد وتفشي الفساد، وانعدام الخدمات.

ويقول عبد الله الربيعي (استاذ جامعي 53 عام) “انهم حقا ابطال، اثبتوا انهم قادة التغيير القادم في البلاد، نحن الاجيال الكبيرة يحاصرنا اليأس بعدما اختبرنا عشرات التجارب المماثلة، نحن اليوم نبحث عن قضاء ما تبقى من اعمارنا بسلام رغم سوء الاوضاع، لقد تم انهاكنا بسبب الازمات المتواصلة منذ عقود، اليوم استطيع ان اقول ان شبابنا سيقررون مستقبل افضل لهم، انه جيل سيبقى غريبا بالنسبة لنا، لكنه بكل تاكيد، جيل شجاع”.

ويقول سياسي ايضا، طلب عدم الاشارة الى اسمه “انه الجيل العراقي الذي لم يتلوث بالطائفية التي ضربت البلاد قبل سنوات، جيل ذكي، محب للحياة، هو الذي سيصنع الفارق”.

تنويه: جميع المقالات المنشورة تمثل رأي كتابها فقط
Read our Privacy Policy by clicking here