تجاوزات على الحصص المائية تسببت في خسائر كبيرة: ملف المياه في ذي قار خلافات عشائرية .. وانتعاش في الخطط الزراعية

علي الناصري

يمسك الحاج كامل محمد (65) عاما آلته اليدوية “المسحاة” بقبضة حديدية وهمة عالية وهو يشق جدولا إروائيا من احد الانهار لبستانه المزروع بالنخيل والخضروات مستذكرا ازمة العام الماضي التي تسببت في موت مزروعاته.

يقول الحاج محمد انه اضطر الى شراء المياه بسيارات حوضية من اجل توفير الحياة لمزروعاته وضمان عدم موتها بعدما يبست وذبلت اغصانها ليسجل خسارة الجهد والمال نتيجة ذلك، لكنه اليوم يعمل بجد ونشاط لتعويض خسائر الموسم السابق بعد وفرة المياه وتوسيع مساحاته الزراعية بجميع انواع الخضروات”.

قبل عام من الان وتحديدا في ايلول من عام 2018 كانت النزاعات العشائرية والتجاوزات حول الحصص المائية والهجرة من الريف والاهوار الى المدينة بسبب تداعيات الجفاف هي الابرز على الساحة المحلية في محافظة ذي قار.

وكانت هناك اتهامات متبادلة مع الحكومة المركزية حول سوء الادارة لملف المياه ومعاناة المحافظة منها على صعيد توفير مياه الشرب والزراعة أما اليوم فالتحدي الابرز يتمحور حول حجم المساحات المزروعة ونوع المحاصيل الزراعية على الرغم من وفرة المياه وغياب المشاكل السابقة.

المهندس الزراعي علي حسين رداد والذي كان يشغل منصب قائم مقام قضاء الاصلاح جنوب شرق المحافظة يقول ان “القضاء في محافظة ذي قار سجل (22) مشكلة عشائرية العام الماضي على خلفية ازمة المياه استخدم السلاح في البعض منها بسبب التجاوزات على الانهار وكادت تنذر بتداعيات اوسع”.

محافظ ذي قار عادل الدخيلي يتحدث عن حفر اكثر من (400) بئر ارتوازي اثناء الازمة من اجل توفير مياه السقي على اقل تقدير بالتعاون مع ادارة هيئة حفر الابار العراقية وتعاون الوزارات الساندة والذي يشير الى انها اسهمت في تجاوز تلك الازمة باقل الخسائر زراعيا واروائيا.

مدير دائرة الموارد المائية حسين علي يقول ان “زراعة الشلب كانت من ابرز تحديات الخطة الزراعية الصيفية حينها كون المساحات الزراعية تضاعفت بسبب التجاوزات على الحصة المائية في مناطق مثل الدواية على نهر الغراف واخرى في سوق الشيوخ على نهر الفرات بعدما تراجعت نسب الاطلاقات المائية الى (40) متر مكعب في الثانية في حين كانت (100) متر مكعب في الثانية.

ويشير الى ان “دائرة الموارد المائية استعانت بقيادة عمليات الرافدين وشرطة المحافظة لرفع العديد من حالات التجاوز في المدة الماضية ما اسهم في التخفيف من ازمة شحة المياه وتامين الحصص المائية لجميع الاستعمالات وكذلك حصة محافظة البصرة التي يغذيها مشروع نهر البدعة المبطن”.

مدير مركز انعاش الاهوار في المحافظة عدنان عبد الله يقول ان الامطار المبكرة على المنطقة والعراق في شتاء 2018 انعكست ايجابيا على عودة الحياة لمناطق مثل قضاء الجبايش وسيد دخيل والاصلاح والدواية والغراف وسوق الشيوخ والبطحاء خلال موسم الصيف عام 2019.

و تصاعدت نسب الاطلاقات المائية في نهري الفرات والغراف حتى وصلت مناسيب المياه في مناطق الاهوار الى (150) سنتمتر بعدما كانت فترة الجفاف تصل (40) سنتمتر بحسب عبد الله.

هذه التحولات في كميات ومناسيب المياه اوجدت تحديا جديدا على الساحة وهو الخطط الزراعية الصيفية والشتوية وكيفية ادارة ملف المياه وتامين الحصص المائية المقررة لها، بعدما توسعت الخطة الشتوية لزراعة المحاصيل الاستراتيجية من الحنطة والشعير في نهاية عام 2018 الى (350) الف دونم على حساب محاصيل الخضروات الاخرى والتي يعتمد عليها السوق المحلي بشكل يومي من استيراد الدول المجاورة.

مدير دائرة الزراعة فرج ناهي يقول ان الخطة الزراعية الصيفية لعام 2019 توسعت لتصل الى (187) الف دونم منها (20) الف دونم من محصول الشلب (الرز) و(90) الف دونم من الذرة البيضاء وما تبقى لمحاصيل الرقي والبطيخ والباذنجان والخيار وغيرها من المحاصيل الأخرى.

وسجلت المحافظة زيادة في تصاريف المياه لهذا العام والتي بلغت في نهر الغراف (210) متر مكعب في الثانية والذي يتفرع من نهر دجلة في حدود محافظة واسط كانت حصة المحافظة منها (155) متر مكعب في الثانية، في زيادة واضحة عن العام الماضي فيما بلغت في نهر الفرات (172) متر مكعب في الثانية بعدما سجلت العام الماضي (45) متر مكعب في الثانية.

ويضيف ناهي ان “هذا التوسع للمحاصيل الاستراتيجية يأتي نتيجة للدعم الحكومي واستيعاب جميع الكميات المسوّقة في موسم التسويق وصرف مبلغها بشكل فوري على العكس من المحاصيل الاخرى والتي تدخل ضمن معادلات السوق في العرض والطلب ومنع او فتح الاستيراد وحاجتها لاماكن الخزن المبردة والتي يعزف عنها الفلاحون”.

الخبير الاقتصادي احمد الزهيري يقول ان “اعتماد السوق المحلي على المحاصيل المستوردة يثير التساؤلات عن نجاح خطط المعنيين في تامين الاكتفاء الذاتي من محاصيل الخضروات، في حين تعمد الحكومة العراقية على حجب استيراد البعض منها في اطار مساعيها لدعم المنتج المحلي والذي تضاعفت اسعاره امام المنتج المستورد ما يشكل تحديا امام قدرة السكان المحليين في شراء هذه السلع”.

ويضيف الزهيري “انه على الحكومة العراقية ان تضع مستقبلا استراتيجية واضحة للتكافؤ في زراعة المحاصيل المختلفة من اجل الوصول الى مرحلة الاكتفاء الذاتي من خلال استغلال الموارد المائية بشكل امثل” .

يشار الى ان محافظة ذي قار تعتمد خططها الاروائية لزراعة مختلف المحاصيل بنسبة 80% على نهر الغراف المتفرع من نهر دجلة لعذوبة المياه و20% على نهر الفرات لارتفاع نسب الاملاح في هذا النهر.

تنويه: جميع المقالات المنشورة تمثل رأي كتابها فقط
Read our Privacy Policy by clicking here