ثلث العمال الفلسطينيين يضطرون للدفع ، للوسطاء للحصول على تصريح عمل

هآرتس – بقلم عميره هاس
نحو 20 ألف عامل فلسطيني دفعوا في السنة الماضية 480 مليون شيكل لوسطاء ومشغلين من أجل الحصول على تصاريح عمل في اسرائيل – هذا ما يتبين من بحث لبنك اسرائيل نشر في نهاية الشهر الماضي. الحديث يدور عن نحو ثلث اجمالي الفلسطينيين من الضفة الغربية الذين عملوا في اسرائيل في تلك السنة. وحسب البحث فان الربح الصافي للوسطاء والمشغلين الذين قاموا ببيع التصاريح خلافا للقانون بلغ 122 مليون شيكل. والباحثون يؤكدون بأن الامر يتعلق بتقدير معتدل. البحث لم يفحص كيف يتم توزيع الارباح فيما بينهم، رغم أن السلطات تعلم منذ سنوات عن التجارة غير القانونية للتصاريح، وفي العام 2016 قررت الحكومة اجراء تعديل على تشغيل الفلسطينيين، فان تطبيق الخطة بطيء وظاهرة التجارة غير القانونية للتصاريح لم توقف.

كاتبو التقرير، حاغي ايتكس من بنك اسرائيل ووفاق عدنان من فرع جامعة نيويورك في أبو ظبي، دمجا معطيات استطلاع قوة العمل الفلسطينية من العام 2018 الذي اجراه المكتب الفلسطيني للاحصاء مع معطيات الاستطلاع لبنك اسرائيل في المعابر الاربعة للفلسطينيين فقط بين الضفة الغربية واسرائيل (الذي اجري مع 1271 عامل في شهر حزيران 2018). في تلك السنة عمل في اسرائيل 67690 فلسطيني ممن لديهم تصاريح. وهذا لا يشمل من يعملون في المستوطنات. البحث قدر أن معظم التصاريح التي اشتريت – 15054 من بين 20166 كانت في فرع البناء، حيث فيه الأجر هو الاعلى وسعر التصاريح هو الاعلى: 2102 شيكل شهريا (بالمتوسط) مقابل 1987 شيكل في الفروع الاخرى.

كاتبو البحث اشاروا الى أنه بصورة عامة فان سعر التصريح يتراوح بين 1500 – 2500 شيكل شهريا. وعدد الحصص الاعلى يعطى لفرع البناء وبعده فرع الزراعة. في الوقت الذي فيه مشغلون لديهم حصص قليلة لتشغيل فلسطينيين أو لا يسمح لهم بتشغيلهم على الاطلاق، فان مشغلين آخرين لا يستكملون حصصهم ويمكنهم أن يكسبوا بصورة جانبية من بيع التصاريح. واسمهم يكون مسجلا في التصريح، لكن من يحوزون التصاريح لا يعملون لديهم. اضافة الى ذلك، مشغلون كثيرون يبلغون عن أجر اقل من الاجر المدفوع فعليا من اجل التملص بشكل جزئي من دفع الضرائب.

موازنة البيانات في الاستطلاعين اظهرت أن الربح الصافي من بيع كل تصريح هو 508 شيكل بالمتوسط، بعد خصم الضرائب ومخصصات الضمان الاجتماعي والحقوق الاجتماعية مثل رسوم العلاج وتعويض نهاية الخدمة التي يكون رب العمل ملزم بدفعها لوزارة الداخلية؟. في فرع البناء

الربح المتوسط يبلغ 588 شيكل. وحسب مكتب منسق اعمال الحكومة في المناطق في هذه السنة عمل في اسرائيل 81 ألف عامل فلسطيني حتى الاعياد في تشرين – واذا طبقنا عليهم معطيات البحث فان نحو ثلثهم (27 ألف شخص) اضطروا الى شراء تصاريح العمل. جميع الحاصلين على التصاريح يمرون بعملية غربلة ويحصلون على المصادقة الامنية.

في اوساط العمال الذين اضطروا الى شراء الوصول الى مكان العمل، المحظوظون يجدون عمل ثابت لدى رب عمل اسمه غير مسجل في التصريح، وآخرون ينتظرون في الصباح على جانب الحاجز الى اسرائيل كي يشغلونه في اعمال عارضة. هذا ما فعله ماهر (اسم مستعار) مثل جميع العمال في المفترقات، الذي يبلغ 34 سنة من جنين والذي انتظر كل يوم في شهري آب وايلول خلف حاجز بوابة افرايم التي تقع بين طولكرم والطيبة. في كل شهر دفع 2500 شيكل ثمن التصريح. وحسب اقواله فقد عمل في هذه الفترة 20 يوم فقط. وبعد خصم رسوم السفر لم يبق لديه اكثر من بضع مئات من الشواقل. ماهر قال للصحيفة إنه دفع المال لوسيط في جنين يعرف نفسه كـ “مكتب محاماة”. وبعد شهر قالوا له إن التصريح جاهز. عمال آخرون قالوا إنه يمكن أن يمر شهرين أو ثلاثة اشهر دون أن يجدوا عمل. واحيانا مدة سريان التصريح تنتهي دون الحصول على عمل. المحامي خالد دوحي، من منظمة “خط للعامل”، قال إن هذه الظاهرة تزداد في كل يوم. “هذا مربح أكثر من تشغيل حقيقي للعامل. المقلق حقا هو أن الجميع يعرفون كيفية سير هذه الطريقة ومن المشاركون فيها، يهود وعرب، اسرائيليون وفلسطينيون”.

ذياب (30 سنة) الأب لولدين من منطقة نابلس قال إنه منذ بداية عمله في اسرائيل قبل ثلاث سنوات تقريبا اضطر الى أن يدفع مقابل الحصول على تصريح العمل. لا يهم بائعي التصاريح اذا كان هناك اغلاق أو مرض تسببت بعمله ايام أقل. “الآن هي فترة اعياد في اسرائيل، ونحن لا يمكننا الذهاب بسبب الاغلاق، لكن رب العمل يطلب كل المبلغ، وأنا يجب علي الدفع في بداية كل شهر، حتى لو أنه كان يعرف بأنني سأعمل فقط 15 يوم أو أنني اصبت بالمرض وبقيت في البيت. اذا تأخرنا بالدفع المشغل يقوم بالغاء التصريح. هذا ما حدث معي”. ذياب انتظر اسبوعين الى أن وجد مشغل آخر معني ببيع التصريح، وعملية البحث وصفها كالتالي: “لنفترض أنه يوجد للمشغل مكانين شاغرين في حصته، وهو لا يريد المزيد من العمال. هو يقول للعامل أو لأحد معارفه بأنه يمكنه بيع التصاريح ويريد منهم أن يبحثوا له عن مرشحين لذلك. هناك مشغلون بدأوا بطلب مبلغ 3 آلاف شيكل للتصريح”.

القوة في أيدي صاحب العمل

المتاجرة غير القانونية بالتصاريح ممكنة لأن الحكومة تحدد لفروع الاقتصاد المختلفة حصص من العمال الفلسطينيين الذين يسمح لهم بالعمل في كل فرع من هذه الفروع. وفي نفس الوقت تقيد من البداية العمال بمشغل معين. الشخص لا يحصل على تصريح للذهاب الى العمل في

اسرائيل اذا كانت شركة البناء أو المصنع أو المزارع أو المخيطة أو المطعم لم يقدموا مسبقا طلبا لتشغيله. الطلب يتم تقديمه لقسم المدفوعات في سلطة الهجرة والسكان، الذي بدوره يفحص أنه لا يوجد أي اسرائيلي معني بهذا العمل. بعد ذلك يطلب مصادقة ادارة التنسيق والارتباط الخاضعة لمنسق اعمال الحكومة في المناطق بأن العامل غير ممنوع من دخول اسرائيل. بعد جميع المصادقات، تصريح الخروج الى العمل يصل الى مكتب العمل الفلسطيني. هذا اجراء طويل يحتاج الى تنسيقات كثيرة التي تستمر بضعة اسابيع. وليس كل مشغل معني بأن يمر بها.

في “خط للعامل” قالوا بأن الكثير من العمال يتم تقييدهم بالمشغلين، ضمن امور أخرى، لأن المشغلين يشكلون ايضا ذراع رقابة من قبل الجهات الامنية. بناء على ذلك، المشغل يمكنه أن يسيء استغلال مكانته وأن يقوم بالغاء تصريح عمل العامل اذا طلب مثلا الحصول على كامل الحقوق، أو اذا أراد المشغل التملص من دفع دينه للعامل. “في هذه الظروف من الواضح أن العامل سيزن جيدا كل طلب يعرضه على المشغل، حتى لو كان الامر يتعلق بشروط عمل استغلالية وخرق لحقوقه”، اضافوا في “خط للعامل”.

إن تقييد العامل بالمشغل يفتح الباب أمام التحايل: البحث الحالي ذكر كيف أنه أدين في العام 2013 اسرائيلي أدار شركة غير قانونية للمتاجرة بالتصاريح. بمساعدة موظفين اسرائيليين واربعة وسطاء فلسطينيين قام ببيع 1341 تصريح عمل مقابل 4 ملايين شيكل بين الاعوام 2007 – 2010. الباحثون يؤكدون على تقدير “خط للعامل” الذي جرى منذ خمس سنوات استنادا الى استبيان قدمه 100 عامل فلسطيني والذي بحسبه بين ربع وثلث العمال العاملين في اسرائيل الذين اضطروا الى شراء تصاريح العمل.

ايتكيس وعدنان شملوا في البحث 68 منشورات في الفيس بوك من 2016 حتى 2019 التي تعرض علنا تصاريح للبيع. من هذه المنشورات يمكن أن نعرف بأن سعر التصريح يكون اعلى اذا كان يشمل النوم في اسرائيل، ويصبح أقل في شهر رمضان الذي فيه ساعات العمل أقل من المعتاد. البحث وجد ايضا بأن الدخل الشهري (الاجمالي) لمن يشترون التصاريح أعلى من دخل العمال الذين لم يقوموا بشراء التصاريح. ولكن عند خصم سعر التصريح يتبين أن الفرق في الأجر اليومي للمجموعتين قليل جدا (3 شواقل). وحسب البحث فان أكثر من 90 في المئة ممن لا يشترون تصاريح العمل من المشغل المسجل في التصريح. من هنا يمكن الاستنتاج بأن نحو 30 في المئة فقط من العمال الذين اشتروا تصاريح العمل يعملون لدى المشغل المسجل في تصريح العمل.

في الوقت الذي يدفع فيه المشغل الذي يقوم ببيع التصاريح لقسم المدفوعات من اجل الحقوق الاجتماعية للعامل، فان من يشتري التصريح لا يمكنه الاستفادة منه لأنه غير مسجل لدى المشغل فعليا. هذا ما حدث لنهاد (35 سنة) من جنوب الضفة، أب لولدين ويعيل ايضا والدته

وعائلة شقيقته. في السنوات الستة الاخيرة تدحرج بين شركات ومقاولين ودائما اضطر الى أن يدفع مقابل الحصول على التصريح. منذ اربعة اشهر هو موجود في البيت بعد اصابته في حادثة عمل في موقع للبناء في اسرائيل. المشغل والوسيط ينكرون أنه قد عمل في الموقع، وهو يقول بأن المشغل قد هدد العمال الآخرين الذين كانوا شهود بأنه سيقيلهم من العمل اذا شهدوا في المحكمة.

سلفيا باترمان، من “محسوم ووتش”، التي تعمل امام السلطات الاسرائيلية من اجل الحصول على تصاريح دخول للفلسطينيين قالت بأنها واجهت حالات فيها تم الطلب من العمال أن يدفعوا مسبقا عن ستة اشهر. وحسب قولها “اذا منع شخص من الدخول في منتصف فترة التصريح أو في بدايته حتى، لاسباب لا تتعلق به، مثلا كعقاب جماعي أو لأنه رفض التعاون مع الشباك، فان المال لا يعاد اليه”.

حل غير واعد

جميع هذه الاخفاقات، كما ذكرنا، لم تكن غائبة عن اعين السلطات. في العام 2014 وجه مراقب الدولة الانتقاد على طريقة تخصيص الحصص، وحتى أنه وبخ قسم المدفوعات ووحدة تطبيق القانون على المشغلين. في اعقاب توصيات مراقب الدولة قررت الحكومة في نهاية كانون الاول 2016 اجراء تعديل على تشغيل الفلسطينيين الذي يمكنه أن يلغي بالتدريج تقييد العمال بالمشغلين. هذا التعديل بدأ كتجربة في اوساط عمال المنطقة الصناعية في عطروت التي تقع بين القدس ورام الله، وتطبيقه كان بديء أكثر مما وعد. في السنوات الاخيرة الفلسطينيون يمكنهم الحصول على تصاريح دخول لمدة اسبوع مرة كل ثلاثة اشهر، لكنه بالضرورة لا يعفيهم من الاضطرار الى شراء التصاريح.

ولكن حسب بحث بنك اسرائيل، ايضا التعديل المقترح سيقيد حركة العمال. عمال بناء مخضرمين سيضطرون الى أن يطلبوا رسميا الانتقال الى الطريقة الجديدة. ومن سيترك مشغله ولا يجد مشغل آخر خلال 60 يوم سيفقد التصريح. كاتبو البحث حذروا من أنه حتى هذا الشرط يمكن أن يؤدي الى المتاجرة بالتصاريح وان يجعل العمال الذين يقتربون من نهاية فترة الانتقال يدفعون لمشغلين وهميين. مع ذلك البحث يتوقع أنه رغم نواقص هذا التعديل، إلا أن قوة المساومة على حصص التصاريح ستتضاءل ومكانة تجار التصاريح ستضعف. مع ذلك، باترمان من “محسوم ووتش” التي حتى تقاعدها كانت شخصية رفيعة في بنك اسرائيل، غير متفائلة فيما يتعلق باحتمال القضاء على هذه الظاهرة. “إن بيع التصاريح فاسد وأمر غير قانوني، لكن طالما انه لا يتم طرح حل آخر فهي ستستمر لأن الحياة أقوى من القوانين”.

في السنوات الاخيرة حاولت “خط للعامل” حث السلطات الفلسطينية على العمل على وقف المتاجرة بالتصاريح. والعملية الاخيرة جرت بعد تشكيل حكومة محمد اشتية. في جلسة الحكومة

الفلسطينية التي عقدت في 15 تشرين الاول الحالي قيل إنه يجب وضع حد لظاهرة المتاجرة غير القانونية بالتصاريح، لكن الوزراء لم يفسروا طريقة فعل ذلك. الموقع الفلسطيني “اخبار البنوك” اقتبس اقوال عمال شككوا بقدرة الحكومة على وقف الظاهرة، لأنهم سمعوا خلال سنين “وعود كثيرة لم يتم تنفيذها حتى الآن”.

تنويه: جميع المقالات المنشورة تمثل رأي كتابها فقط
Read our Privacy Policy by clicking here