ماذا بعد اتفاقيتي “المنطقة الآمنة”؟ .. وقائع ومتغيرات بمناطق الادارة الذاتية شمال سوريا

سامان نوح
في قراءة اولية للمشهد الكردي بسوريا بعد المتغيرات الكبيرة في شمال شرقي البلاد، اثر الهجوم التركي واحتلاله لمساحات من المنطقة بهدف تدمير الادارة الذاتية الكردية واحداث نوع من التغيير الديمغرافي، والذي اعقبه توقيع اتفاقيتين بين “انقرة وواشنطن” و”انقرة وموسكو” لاعادة ترتيب الأوضاع “الأمنية – العسكرية” في جزء من مناطق الادارة الكردية، والتي وفقها يمكن تحديد بعض الملامح الأساسية:
– التفاصيل المعلنة للاتفاق “الروسي – التركي” وفق الرؤية الكردية أفضل من التفاصيل المعلنة للاتفاق “الأمريكي – التركي”، فالثاني اعطى لتركيا تقريبا كل ما أرادته (منطقة بطول يبلغ نحو 100 كلم وعمق 30 كلم تحت ادارة تركية كاملة)، والأول اعطاها جزءا محدودا مما طلبته (ادارة عسكرية روسية سورية تركية مشتركة بعمق 10 كلم لمسافة تمتد اكثر من 300 كلم).
– كما ان تصريحات الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، بشأن الحاجة إلى إطلاق حوار شامل بين الكرد والحكومة السورية “لتسوية الأزمة السورية بما يراعي جميع حقوق ومصالح الشعب الكردي” تعد مشجعة لكنها تنتظر تحويلها الى أرض الواقع.
– مع تجربة الكرد في كركوك وسنجار والمناطق المتنازع عليها في العراق عقب استفتاء الاستقلال بنتائجه المعروفة، فان خطوة الأمريكيين بالتخلي عن حلفائهم المفترضين (الكرد) في سوريا لم تكن غريبة، حتى وان بدت مسألة الانسحاب الأمريكي السريع وشبه الكلي غير واردة ومستبعدة لأبعادها الاستراتيجية على الدور الأمريكي في المنطقة، لكن قرار ترامب بعنجهيته واستعراضيته ومصلحته الشخصية كان اقوى من آراء الكثير من الباحثين والمسؤولين الامريكيين الذي عارضوا الخطوة. في ظل غياب الاوربيين عن المشهد بسبب ضعفهم رغم المحاولات الفرنسية المتأخرة للعب دور ما.
– هل الادارة الذاتية الكردية انتهت؟ يبدو ان الامريكيين مازالوا يريدونها ان تستمر لكن دون ان يقدموا لها شيئا ودون اي يقوموا بتحرك جدي او يمارسوا ضغوطا لاستمرارها، ويبدو ان الروس غير متعجلين في انهائها ايضا، ويريدون اطلاق مفاوضات بين الكرد والحكومة السورية، علها تنتهي بتلبية بعض مطالب الكرد في ظل نظام يحكم في سوريا بذات ابجديات البعث التقليدية التي دمرت العراق وسوريا.
– هل حسم ملف كيفية ادارة المنطقة الكردية بشكل نهائي؟ الجواب الى الآن هو لا. فما سيحدث في المنطقة امر غير محسوم بشكل نهائي!. فالامريكيون يريدون الاحتفاظ بوجود ما هناك، ويوجد ضغط على ترامب بهذا الشأن، والروس يريدون لعب دور كبير وحاسم فيها، والاوربيون يتمنون لعب دور ايضا وان فاتهم القطار على ما يبدو.
– بالنسبة لبقايا المعارضة السورية والتي تحولت في معظمها الى مليشيات تركية، وبعد ان حصلت تركيا على جزء مهم من ما ارادته، فانها تدخل بدورها مرحلة حرجة مع تصاعد الاحتمالات ببدء معركة ادلب وطرد المعارضة السورية من آخر معقل لهم، والتي يرى باحثون ان تركيا ربما ضحت بها بل وبالمعارضة السورية نفسها مقابل مطلبها الأساس الذي تمثل بتدمير الادارة الكردية الذاتية، ولاحقا احداث تغيير ديمغرافي في المنطقة الكردية ان نجحت فيه وذلك مرهون باشياء تفصيلية.
– كرديا هل كان يمكن تجنب كل ذلك؟ وبعد كل التضحيات المقدمة في الحرب ضد داعش بفقدان نحو 12 الف مقاتل لحياتهم، وبعد ان تخلى الداعم الاساسي للكرد (الأمريكيون) عنهم، ربما الجواب الأدق هو لا: فالحكومة السورية لم تبدي ان انفتاح امام المطالب الكردية وفشلت جولات التفاوض السابقة معها، ولم تقم موسكو بتحركات جدية لتحقيق ذلك بل انها تخلت عن مبادرة سابقة لرعاية التفاوض بين الكرد والحكومة السورية، ولم تقم بدعم الكرد (كما لم يقم الامريكيون) ليكون لهم حضور حقيقي في اللجنة الدستورية التي تظل شكلية ولن تثمر عن نتائج تغير طبيعة النظام الحاكم في سوريا على الأقل في الفترة القريبة.
– هناك حقيقة لا يمكن تغافلها، الرئيس السوري بشار الأسد استعاد ثلث سوريا من قبضة المعارضة وبدعم من الروس، وكان عازما بعد حسم معركة ادلب وتدمير بقايا المعارضات فيها، التوجه لحسم المعركة مع الكرد وبدعم من الروس ايضا، طالما تخلى الامريكيون عنهم، وقد هددت بذلك لمرات عديدة وبوضوح. لذا كان الحسم آتيا بالحرب او بمفاوضات لا يملك الكرد فيها داعمين امرا حتميا.
– ربما ستكون هناك انعكاسات لما حدث في شمال شرق سوريا على واقع اقليم كردستان، امنيا وسياسيا، رغم انفصال التجربتين وغياب التواصل بينهما واختلافهما الكبير، فاقليم كردستان منطقة معترف بها دستوريا ولها واقع دولي خاص. لكن تركيا لن تتردد في اضعاف وتهديد الاقليم (اقتصاديا وأمنيا) وفي التوغل فيه وفرض شروطها عليه تحت يافطة ذات الخطاب الكاذب المتعلق بمحاربة الارهاب الذي يهدد أمنها القومي.
– ستستمر انقرة في تسويق خطابها الكاذب بشأن محاربة الأرهاب وأمنها المهدد، والذي لا يصدقه لا الامريكون ولا الاوربيون لكنه يأتي أُكله. فلم تقم الادارة الكردية الذاتية في سوريا طوال سنوات باي اعتداء او هجوم على تركيا والعكس كان يحدث. ولم تكن تلك الادارة انفصالية فقد كانت تؤكد دائما على مطالبها في اطار وحدة وسيادة الدولة السورية، مع التذكير ان حزب العمال الكردستاني وهو الشماعة التركية لاعلان الارهاب الكردي، تخلى عن مطلب الانفصال منذ اكثر من 20 عاما وهو منذ سنوات يتجنب تنفيذ اي عمليات قد تصنف ضمن لائحة الارهاب المطاطية ولم يعد الى تلك العمليات حتى وهو يواجه منذ عامين حملات شرسة لانهاء وجوده، في وقت تنهال عليه الانتقادات الداخلية لعدم عودته الى تلك العمليات ردا على ارهاب الدولة التركية التي تعتقل عشرات الآلاف من كوادره ونشطائه كما تعتقل كل تركي ينتقد النظام القائم ولو بكلمة.
– تبقى المحاولات التركية لاحداث تغيير ديمغرافي قائمة ومهددة للوجود الكردي خاصة في المناطق التي سيطرت عليها تركيا في سرى كانى (رأس العين) وعفرين حيث نزح نحو نصف مليون انسان. سيحاول جزء من النازحين العودة الى مناطقهم مضطرين والتكيف مع الواقع المرير فيها بما فيها التهديدات الأمنية، واستعادة ما يمكن من بيوتهم واراضيهم المسلوبة وهذه ليست عملية سهلة خاصة ان النازحين سيعودون الى بيوت خاوية بعد ان نهبت المليشيات التابعة لتركيا كل ما فيها.
– حصل الكرد السوريون على دعم اعلامي وتعاطف كبير لقضيتهم لكنه لم يترجم على ارض الواقع نتيجة ضعف الاوربيين في المنطقة ووجود ترامب على رأس الادارة الامريكية بجهله او تعمده نشر الأكاذيب وبرؤيته وعقليته المختلفة التي تجاهر بانها لا تضع وزنا للقيم الاخلاقية والانسانية. ذلك الدعم المعنوي للكرد هو بداية طريق طويل للعمل من اجل تحقيق جزء من المطالب والحقوق والاهداف الكردية، ولكشف الأكاذيب واعلان الحقائق ولبناء مسار عمل مشترك ضد تركيا القومية العنجهية المتعصبة التي تؤكد دائما انها العدو الأول للكرد اينما وجدوا.

تنويه: جميع المقالات المنشورة تمثل رأي كتابها فقط
Read our Privacy Policy by clicking here