استغلال ذاتي في سوق العمل

بقلم عميره هاس – 27/10/2019

السلطة الفلسطينية تحسن التحري عن كتاب المنشورات الانتقادية في الفيس بوك، واعتقالهم. اجهزة أمنها تبعد حماس ونشطائها عن الفضاء العام في مناطق الضفة الغربية. الشرطة الفلسطينية تعتقل من يأكل علنا في شهر رمضان، لكن جميع اجهزة الامن هذه لا تمس بالسماسرة الفلسطينيين الذين مع مشغلين اسرائيليين يديرون سوق سوداء لتصاريح العمل. السماسرة يفعلون ذلك وهم يساعدون في وضح النهار في استغلال عشرات آلاف العمال الفلسطينيين في كل سنة.

ليس من الغريب حقيقة أن السلطات الاسرائيلية تعرف عن المتاجرة غير القانونية، ورغم الوعود للاصلاح، تسمح لها بالبقاء. الاسرائيليون الذين يكسبون من هذا الامر بصورة مباشرة هم مصوتون أو مؤيدون محتملون لسياسيين. وهم ايضا يعرفون أي موظف يمكن اقناعه بأن يغض الطرف، وأي رشوة يجدر اعطاءها له. الشركات الاسرائيلية مسجلة ومراقبة ومعروفة. ليست مشكلة كبيرة اكتشاف من يشغل فلسطينيين حسب حصته، ومن يعطي تقارير كاذبة. ولكن سرقة الفلسطينيين هي خبزنا اليومي، نحن الاسرائيليون اليهود. الارض والمياه والفضاء والينابيع والبيوت والطبيعة والجمارك والضرائب التي لا نقوم باعادتها لخزينة السلطة. ايضا نأخذ عليها عمولات كبيرة. الغرامات العالية التي تفرضها المحاكم العسكرية، وغيرها الكثير، القائمة لا تنتهي، والآن ليست هي الموضوع. يجب علينا القول باختصار: السطو هو جزء من السيطرة.

نحن في العهد ما بعد الرومانسي. يجب عدم الاستغراب من وجود فلسطينيين يساعدون على استغلال اخوتهم، الذين يكرسون 18 ساعة يوميا للعمل في اسرائيل (بما في ذلك الذهاب اليها والعودة منها) من اجل اعالة عائلاتهم باحترام. الامر الغريب هو الوقوف جانبا للسلطة الفلسطينية. لأن هناك امور – المجتمع الفلسطيني بشكل عام – يمكن فعلها، ومنع سماسرة التصاريح هو احدها.

الحكومة الفلسطينية اعلنت قبل اسبوعين بأنها قررت العمل ضد هذه الظاهرة بدون تفصيل الطرق. من المحرج الاستنتاج أن ما جعلها تتخذ هذا القرار هو تقرير بنك اسرائيل الذي حاول قياس حجم الارباح التي يحصل عليها المشغلون الاسرائيليون والسماسرة الفلسطينيون والاسرائيليون من سوق التصاريح (120 مليون شيكل في العام 2018 حسب تقدير محافظ). منظمة “خط للعامل” حاولت خلال السنين اقناع السلطات في رام الله بالعمل. ويبدو أنه فقط الآن عندما استنتاجاته وتحذيراته دُعمت ايضا بتقرير جهة رسمية في الدولة المحتلة، فان هناك شخص ما في الحكومة الفلسطينية انتبه لحجم الخجل وعظمة الاهمال.

ربما أكون مجرد شريرة، ويمكن أن أعزو التغيير لحكومة محمد اشتية، التي تسعى ايضا الى فصل الاقتصاد الفلسطيني عن التبعية الاسرائيلية. السكرتير الدائم (30 سنة تقريبا في منصبه بدون انتخابات) في اتحاد نقابات العمال الفلسطينيين، شاهر سعد، خرج بتصريح داعم لخطوات حكومته لوسائل الاعلام. ولكن مجرد تصريحات لا تساوي أي شيء. تقرير بنك اسرائيل يقدر بأن ثلث عدد العمال الفلسطينيين في اسرائيل يضطرون لشراء تصاريح العمل. هكذا ايضا قدر تقرير لـ “خط للعامل” في العام 2014. ولكن في تقرير آخر شامل في هذه السنة عن تشغيل فلسطينيين في سوق العمل الاسرائيلية (الذي اسمه المناسب “احتلال العمل”) فان التقدير قفز: نصف العمال الفلسطينيين تقريبا يضطرون لشراء التصاريح. كتب في التقرير.

هناك من يوجد لديهم انطباع بأن نسبة من يشترون التصاريح أعلى بكثير. هذا ما كتبه لي أ.ت، أحد معارفي القدامى. “حسب ما أعرف، لا يوجد أي عامل فلسطيني لا يدفع مقابل الحق في العمل في اسرائيل ( فرع البناء وفرع الزراعة)، هذا ببساطة غير قائم”. وقد تحدثت عن ذلك مع عشرات الاشخاص، جميعهم اضطروا لشراء التصاريح من مقاولي التصاريح الاسرائيليين الذين يكسبون عشرات ومئات آلاف الشواقل شهريا من السمسرة بهذه التصاريح. هذا ايضا هو انطباع صديق آخر (60 سنة)، وهو فلسطيني عمل تقريبا 30 سنة في اسرائيل بدون تصريح. “كل من حولي، غير الممنوعين من الدخول الى اسرائيل، قام بشراء تصريح عمل”.

في العام 1995، صديق آخر اشترى أول تصريح عمل من عميل عرفه من المدرسة. وقد طلب 700 شيكل وقال بأن معظم هذا المبلغ يذهب للمشغل. في حينه كانت الظاهرة جديدة نسبيا. لقد بدأت بعد العام 1991 عندما وضعت اسرائيل نظام تقييد حركة الفلسطينيين (الذي يسمى اغلاق). في ذلك الوقت تحولت الى ظاهرة طبيعية، الى أن قامت احدى سكان بيت لحم التي تعمل في القدس (هي لم تضطر الى شراء تصريح، ومن يشغلونها يهتمون بحقوقها)، اخبرتني عن حدود توقعاتها: “في كل شهر إبني يجب عليه دفع 2500 شيكل ثمنا للتصريح. وبعد ذلك البحث عن عمل. واذا كان محظوظا يحصل على أجر بمبلغ 5 – 6 آلاف شيكل. الـ 2500 شيكل مبلغ كبير، وعلى الأقل ليقوموا ببيعه بـ 700 شيكل، هكذا يمكننا تدبر أمرنا”.

قبل 20 – 25 سنة تقريبا همس الناس بهذه الظاهرة، وحتى طلبوا أن لا يكتب عنها أي شيء من اجل عدم الاضرار بفرص عملهم. الآن عندما ارتفع ثمن التصاريح وعدد البائعين والمشترين يزداد باستمرار، فان القدرة على تحمل هذا الاستغلال انخفضت. هل حكومة اشتية ستفي بوعدها وتعمل ضد السماسرة الفلسطينيين؟.

تنويه: جميع المقالات المنشورة تمثل رأي كتابها فقط
Read our Privacy Policy by clicking here