أوراق في االقتصاد السياسي العراقي

لمحات في االقتصاد السياسي للعراق :صراع طبقات ام صراع د.مظهر محمد صالح *:للعراق :صراع طبقات ام صراع مكونات؟
لقد غلف النظام السياسي العراقي نفسه وانغلق في مخارجه االنتاجية واالجتماعية وارسى بنية مادية
تاريخية مختلفة سواء في النظرة الى قاعدة االنتاج )قوى االنتاج وعالقات االنتاج( او في مكونات بنيته
الفوقية من مؤسسات الدولة وغيرها . كما توارث النظام السياسي -االقتصادي للعراق منذ سقوط النظام
الفردي بؤر مكوناتية شديدة النفعية ترى في منهجيتها بان تحقيق مصلحتها الذاتية والزبائنية من ثروة
للمكون
ً
الشعب هي مصلحة عاطفية مستدامة المذهبي او ا
لعرقي الذي يتطلع اليه الشعب عاطفياً
ومصيريا.ً
في حين امست اكثرية الجموع المذهبية او المكوناتية التي مازلت تنمو خارج مؤسسات التاثير السياسي
واالقتصادي لتكون بعيدة عن تحصيل الثروة العادل وتقاسم مصالح الدولة الريعية اوصنع االرادة
السياسية فيها اال في وقت االنتخابات ، بل غدت مجرد بهائم بشرية هامشية ملحقة في مرتكز المكون
المحتكر للثراء،.وبهذا تعاظم نمو الهوامش الفقيرة والعاطلة عن العمل التي يغلب على عيشها وحياتها
اليومية فراغ الحياة )واالغتراب الداخلي( وقذفت بها الهرمية االقتصادية السياسية لتكون خارج مفهوم
المواطنة والعيش الكريم ، بل انسلخت تلك القوى البشرية الملتصقة بالمكونات واالثنيات بمرور الوقت
أوراق في االقتصاد السياسي العراقي
د.مظهر محمد صالح لمحات في االقتصاد السياسي للعراق :صراع طبقات ام صراع مكونات؟ صفحة 2 من 5
وتحولت الى خربة انسانية راكدة تسكن وتستقر خارج المجال النفعي المركزي المغلق للجماعات
المكوناتية الريعية )بعد تحصيل مقاعدها الديمقراطية بارادة المكونات المغلوبة ( لتتحول كقوى تتكالب
على انتزاع الريع النفطي بنزعة الثراء. انها قوى مهيمنة متناثرة بين مكوناتها الفقيرة وتستمد القوة منهم
في ادارة اشكالية تحصيل الثروة النفطية من الدولة -وهي المالك االكبر- بعد ان كونت عالقات سوق
زبائنية همها االستحواذ الفائق على فرص الدولة االقتصادية . وهي تشكيل مهم في هرمية النظام تمسك
بالوقت نفسه بادوات تشغيل منظومة سياسية تمتلك القدرة على استدامة امتصاص الفائض االقتصادي
للدولة الثرية لقاء خلو البالد من التنمية.
وهكذا شقت الراسمالية الجديدة وليدة مكوناتها االجتماعية العرقية والمذهبية طريقها نحو معاقل
االغتراب رافقتها هجرة بشرية منتجة نادرة في الغالب لتصبح السياسة واالقتصاد تدار بمحراكات خارج
اوطانها. لقد وفرت الحياة السياسية المكوناتية الهيمنة على آليات عمل وحركة البناء الفوقي للدولة-االمة
لتجديد بقائها بشكل مستمر مؤشرة فراغ جدول اعمال التنمية وغياب التنويع االقتصادي دون ان تعلم ان
وجهاً جديداً من اوجه الصراع الذي تعيش البالد اليوم هو االخر آخذ بالضد كقوة عمالية عاطلة عن
وجها متفجراً محتمالً من اوجه صراع الطبقات التي يواجهها النظام السياسي الراهن. ً العمل وتمثل
وهكذا ولد الصراع الطبقي عقل وطني جمعي عفوي المسار جسد في الوقت نفسه حالة ديناميكبة فريد
لقوى مجتمعية مهمشة راكدة عابرة للمكونات ومتصدية في الوقت نفسه لقوى االنتقاع الريعي المركزي
لتشكل منعطف التحول في النظام االقتصادي والسياسي .انها تيارات تاريخية تمتلك القدرة على خلق
تحالفات وطنية منسجمة طبقيا بصورة تلقائية عابرة للطوائف والقوميات تعمل بالند )ومن خالل اغترابها ً
الذاتي كقوى عاطلة خارج ( في التصدي لتشظي التقسيمات المكوناتية السياسية البالية )التي اورثت
البالد ماكنة انتاج ظلت عاطلة عن العمل.
في دراسة اكاديمية نشرتها قبل سنوات بعنوان :الرثاثة واالستبداد الشرقي . تصديت فيها الى رثاثة
المراكز النفعية المكوناتية التي تمارس االستحواذ على الفائض االقتصادي خارج مسار توظيفه لمصلحة
السريعة التكاثر في بالدنا.اذ يضاف سنويا بة نصف مليون ً قوى العمل الوطنية الى سوق العمل قرا
عامل شاب تتقاذفهم ارصفة العمل وغدر قوى االرهاب على مدى االعوام العشرة ونيف الماضية.
تترك ليبرالية السوق التي اعتمدها النظام االقتصادي المنفتح عالميا بانفالت عالي من اية ً لم ويتمتع
ضوابط تجارية ذات اهمية ، والملتصق بشدة باسواق المنطقة اقليميا ضمن ظاهرة االحيائية االقليمية
(bioreginalism (اي والدة ظاهرة تجزيئية خارجية جعلت االسواق المحلية تتشظى وطنياً وتبحث
اوثنياً
عن من يحاكيها اديولوجيا او مذهبيا القامة مصالح اقتصادية وسياسية شديدة الخطر على االمن ً
الوطني للعراق .اذ لم تترك تلك الليبرالية المتحيزة المنغمسة في االحيائية االقليمية اية فسحة للكيان
أوراق في االقتصاد السياسي العراقي
د.مظهر محمد صالح لمحات في االقتصاد السياسي للعراق :صراع طبقات ام صراع مكونات؟ صفحة 3 من 5
الريعي المركزي العراقي لبناء انموذج تنمية وطني شديد االستقاللية تتوافق فيه الروئيتين السياسية
او تنسجم فيه البنية التحتية لقوى االنتاج وعالقات االنتاج الوطنيتين مع البناء ال
واالقتصادية معا سياسي ً
الفوقي الديمقراطي الجديد لتولد عدالة في توزيع الدخل وقدرة على االستخدام االمثل لقوة العمل النامية،
.بل على العكس جرت حالة من التالزم المباشر والخطير لالحيائية االقليمية الى تكريس هيكلية لبناء
عمل الدولة االقتصادي، وقادت الى تاسيس آليات ارهقت البناء الفوقي للدولة –االمة- وادت في الوقت
نفسه الى استنساخ وجود للدولة واالقتصاد في آفاق سياسية موازية ومغتربة خارج البالد اي والدة
الدولة االمة الموازية او المغتربة (state-nation expat (ذلك بعد ان غادر البناء االقتصادي التحتي
هو االول بفعل )عوامل ريعية ( استهدفت السوق الداخلية وليبراليتها الشديدة كي تتحول بسرعة للعمل
نحو الخارج مقوضة دالة االنتاج الوطنية )العمل وراس المال( وسعت نحو تفكيك تلك الدالة االنتاجبة
الوطنية لتلتحم في الشتات االقليمي الخارجي .اي االلتصاق بعولمة اقليمية موازية شديدة الخطورة على
صيروة النظام السياسي الموحد نفسه .
وهنا تشكلت حالة اغتراب اخرى تمثلت بوالدة دالة انتاج موازية او مغتربة production expat(
(functionملتحمة مع الدولة – االمة الموازية في خارج البالد . لقد تحقق فضاء سياسي اقتصادي
مغترب او موازي يعمل بمصالحه وادواته الخارجية بالضد من تماسك الفضاء السياسي االقتصادي
ارادات بعيدة عن فكرة القرار الوطني .في وقت بلورت
الوطني الداخلي و تسيره خارجيا الطبقة العاملة ً
اديولوجياً حراً شديدة
عاطلة ، التي لم تستطع ان تعيش حتى على هامش الريع النفطي وفتاته ، وعياً
التماسك الداخلي وهو يضرب بقوة عمق النسيج الوطني و للمرة االولى منذ التغيير الشامل في العام
٢٠٠٣
انها الطبقة العاملة الجديدة المعطلة العابرة للمذهبية الدينية او التعصب القومي او المناطقية .اذ ولدت هذه
الطبقة العمالية الشابة التي تركت مساطر العمل في سنوات الحرب على االرهاب الداعشي للتطوع و
القتال لحماية العراق من االرهاب الخارجي على خالف بعض شرائح الطبقة الوسطى التي فقدت ربما
جانب من هويتها الوطنية الموحدة وانغمست بمعطيات الدولة الريعية ،وامست اي الطبقة الوسطى
منقسمة في مشروعها الوطني الموحد كما عهدناها في النصف االول من القرن العشرين وتلهو
ًء
بالمحاصصات والمنهج الطائفي واالثني .فمثلما اصبح المحيط االقليمي القريب للعراق اوالبعيد منه وعا
لدالة االنتاج العراقية المغتربة expat function production يقتصر دورها على ادامة دورة
استهالك خطيرة المعالم داخل االقتصاد الوطني،وقوامها قوة عمل مغتربة ورؤوس اموال شديدة
االغتراب هي االخرى ،نجد ان مثل هذا النمط االغترابي الخطير في القاعدة االقتصادية العراقية )اي
عالقات االنتاج وقوى االنتاج الخارجية ( يتالحم في االرتباط ببناء فوقي مغترب آخر قوامه انماط من
الدولة االمة الموازية او المغتربة . state-nation expat وان هذا التشكيل المشوه من المادية
أوراق في االقتصاد السياسي العراقي
د.مظهر محمد صالح لمحات في االقتصاد السياسي للعراق :صراع طبقات ام صراع مكونات؟ صفحة 4 من 5
التاريخية المغتربة historical expat materialism( كما يعتنقوها الماركسيون في هذا
التحليل( اصبح من العوامل السالبة التي استمرت في تكريس نظام سوق مشتت في اثنيته ومذهبيته ونظام
للمحاصصات السياسية لقوى نفعية محسوبة على الطبقة المتوسطة لتوجه بعوامل مغتربة من خارج
داخليا الريع النفطي وتبحث عن استدامة تحصيله ً البالد واقتصاده وهي تمسك بآليات مهمة في تقاسم
والشراكة به. فاالمساك المحاصصاتي على سبيل المثال بالوظائف العامة غير المنتجة او احالل عالقات
السوق الهشة التي تدور في فلك الدولة الزبائنية جميعها عوامل ممسكة للعالقات الريعية واالمساك بها
.في وقت تناست فيه الطبقة الوسطى الريعية دور او موارد االمة االساسية البشرية او االنسانية
جديا في مستقبل تنميتها ورفاهيتها. ً المتكاثرة كقوة عمل منتجة معطلة او )مهملة( او حتى التفكير
وهكذا اخذ االغترابان االقتصادي والسياسي الخارجي يبثان عواملهما السالبة داخل المجتمع العراقي
الذي يتكاثر سكانيا ٦،٢ ٪وكذلك يمتلك هبة سكانية ً وبنسبة هي االعلى في العالم وتبلغ اكثر من
سنوياً
عالميا والسيما من جيل االلفية الثالثة millennials الذي ً او ديمغرافية هي االخرى االعلى من الشباب
ًء من مواليد الثمانينيات
ولد في العصر التكنولوجي الثالث وهو العصر الرقمي الفائق العولمة ،ابتدا
والحرب مع ايران والتسعينيات وحرب الكويت والحصار وبعد العام ٢٠٠٠ وسقوط النظام الدكتاتوري
الفردي .
ويشكل هذا الجيل الشبابي الحالي )جيل مطلع االلفية الثالثة( قرابة ٤٠- ٪٤٥ ٪من سكان البالد وانه
يشكل في الوقت نفسه غالبية القوى العاملة في البالد .انه جيل عاش في نشأته و بالتدرج اوج اشكال
ومراحل الصراعات السياسية والحروب الخارجية والحروب المذهبية واالثنية الداخلية .اال انه جيل
عامل لم تستوعبه عجالت االنتاج المعطلة وظل يعيش خارج معادلة الريع النفطي وتراكيبها الفوقية
والتحتية المغتربة . انه الجيل العامل الذي تتخطى ميوله االشكالية االقتصادية السياسية الراهنة ويشق
في االقتصاد السياسي لبلوغ عصر آخر من
تجديدياً
لنفسه منهجا عصور االقتصاد السياسي الحديث ً
او مذهبياً للعراق . انه اكثر وطنية في عراقيته رغم تاثيرات العولمة الرقمية في ميوله
واقل اثنياً
ويغلب مصلحة العراق على المصالح الضيقة التي خلفها المجتمع المحصصاتي المجزء .
فالعراق المتحول يعيش مرحلة انتقالية في نظامية االقتصادي والسياسي .انها مرحلة التجديد والحداثة
الوطنية في تاريخ االقتصاد السياسي للعراق تتشكل فيه طبقة عاملة جديدة كبديل عن انتهازية الطبقة
الوسطى التي انغمست في جداول اعمال توزيع الريع النفطي وبنيت ادوارها االجتماعية والسياسية على
محاصصات االمة وانقساماتها واستندت على مادية تاريخية مغتربة سالبة تنسجم اديولوجياً مع مناطق
اغترابها المذهبي او المعتقدي )في معاقل اغترابها الخارجية (معطلة للحريات وقامعة للتنمية، ريعية
فضالً نظام لتوزيع الثروات هو االشد الميول في تكديس الثروة واساليب نهبها المتسارع، عن اشاعة
ضرراً على مستقبل العدالة االجتماعية للبالد.
أوراق في االقتصاد السياسي العراقي
د.مظهر محمد صالح لمحات في االقتصاد السياسي للعراق :صراع طبقات ام صراع مكونات؟ صفحة 5 من 5
في سجل تطورها االجتماعي واالقتصادي ،وانها غادرت بجيلها الجديد ً،
ختاما تشهد البالد اليوم منعطفاً
مفترق تاريخها االقتصادي الذي تعطلت فيه آليات سالبة لبناء العملية االجتماعية المزدهرة، التي ظل
قوامها هياكل من النظام المحاصصاتي االقتصادي والسياسي ،ذلك النظام الشديد العقم في تحريك
دواليب االنتاج واستيعاب دورات العمل االقتصادي والسعي الستعادة مجهودات االمة وثرواتها وتوطينها
النسيج االجتماعي للعراق. وختاما الثالثة ً في ، تشهد الدولة االمة المغتربة بوالدة الجيل الجديد لاللفية
نهايتها )الشديدة الخطر ( وهي مازالت ترقد في مستوطناتها االجنبية لتنتهي لمصلحة نظام مرتكزه
الدولة -االمة العراقية الناهضة الديمقراطية الالمحصاصاتية ولتنتهي مع اغتراب النظام السياسي او
الموازي ظواهر دوال االنتاج المغتربة في اقاليمها الخارجية التي تحاكي نظام المحصاصات السياسية
ومصالحها الداخلية المدمرة وابجاد بديلها الديمقراطي الوطني في بناء آخر من النظام االقتصاد
السياسي الحر للحضارة العراقية .انه منهج اقتصادي آخر ونظام قوي في عدله االجتماعي يقوم على
السوق االجتماعي و االستخدام الشامل للعمل وعدالة توزيع الثروات تؤطره الدولة -االمة الديمقراطية.
)*( باحث وكاتب اكاديمي أقتصادي
ح

تنويه: جميع المقالات المنشورة تمثل رأي كتابها فقط
Read our Privacy Policy by clicking here