الوطن وابنائه الخمسة

أ.د.علاءالدين صبحي السلامي

من القصص الجميلة التي لا تمسح من ذكريات الطفولة هي تلك الحكايات التي تمزج بين الخيال والحكمة في سرد الاحداث والعبارات وشدة تأثيرها في سلوكيات الأطفال آنذاك ..

” أوصت أم ابناءها الخمسة الحفاظ على بيتهم الوحيد الذي ورثوه من ابيهم .. وقالت لهم: ارغب ان اخذ راحة واستجمام واتغيب عن البيت واترك ادارته والحفاظ عليه وممتلكاته اليكم .. وقد جعلت الاخوين الكبيرين منكم احدهما الوصي والثاني الناظر لتنفيذ الوصية .. لطالما تعبت في تربيتكما وسهرت الليالي واثرتكما على نفسي في مواقف كثيرة .. أما انت مخاطبة الابن الثالث وهو اوسط اخوته فقد جعل الله لك من الهيبة والسمعة الطيبة بين الناس لأنك طالما اخذت من ابيك ومني كل الصفات النبيلة حتى بات اهل مدينتنا ينادوني بك ام فلان .. فلا تقصر يوما في الحفاظ على نسيج اخوتك وسمعة هذا البيت الراقية .. وانت يا رابعهم فعمرك صحيح اصغر من اخوتك الثلاث لكنك قريب من عمرهم , فخذ منهم كل جميل من الافعال الحميدة واعكسه على شخصيتك اولا وذكًر نفسك واخوتك الرجوع للصواب في حالة اغوائكم من قبل اعدائكم واولهم الشيطان والنفس الامارة بالسوء .. أما انت يا صغير اخوتك .. !؟ لا اعرف ماذا اقول لك وقلبي وخوفي كله عليك .. فقاطعها قائلا : لا عليك يا اماه لا تخافي ولا تقلقي عليً , اني بين اخوتي الكبار الاربعة وهم خير حافظ ورشيد .

كانت الايام الاولى بعد ذهاب الام جميلة على الاخوة الخمسة , وتمتعهم بجميع محتويات البيت وخيراته ومضت السنين الاولى حتى طال تأخر الام بالرجوع الى البيت , لانها مطمئنة عليهم بوجودهم بالبيت جميعا من ناحية وللعلاج والراحة من جنبة اخرى .. ولكن شاءت الصدف اثناء العلاج ان تفقد الام ذاكرتها ولم تذكر من ابنائها سوى الصغير الاخير منهم , وتلهج باسمه ليلا ونهارا .. واضحى الناس لا يعرفونها ولا يعرفون من هو ابنها هذا الذي تنادي باسمه .. حتى مضت اكثر من ستة عشر عاما ..

خلال هذه السنوات الاخوين الكبيرين ( الوصي والناظر) قد خالفوا الوصية وضيعوا واتلفوا جميع محتويات وممتلكات البيت , لم يكتفوا بذالك قاموا بتأجير البيت تارة الى تاجر ثري غربي قد اغراهم بوعوده بالمال الكبير الذي سوف يستثمره لهم والعيش الرغيد .. ومرة اخرى الى جارهم الشرقي الذي ايضا اغراهم بوعوده وحمايته على اصالة البيت وقوته واكتشفوا طمعه بعد حين من الوقت .. اما الاخ الاوسط بات مغلوب عليه لا يؤخذ له رأي لأنه لا يريد ان يفرط بأخويه الكبيرين بما افسدوا امر الوصية ولا بأخويه الصغيرين اللذان ضيعوا واهملوا .. اما اخيهم الرابع كثير ما يوافق اخوته الكبار الثلاث وقلما يهتم الى اخيه الصغير ..!

عاش الصغير بينهم وكبر كله همً وحسرة ومرارة على ضنك عيشه , الذي تفاجئ به بعد ذهاب امه الحنون وتركه بين اخوته الذين اهملوه شدُ اهمالا ولم يحصل على ورثته التي بين اخوته اي شيء .. حتى مضت هذه السنون واصبح رجلا رشيدا , فوقف بوجه اخوته الاربع وانتفض واصبح هو صاحب الكلمة عليهم التي ارجع بها بيتهم الذي ضيعوه بتصرفاتهم “.

طوال ستة عشرة عاما لم تفلح السلطتين التنفيذية والتشريعية في توفير الحياة الكريمة الى ابناء الشعب العراقي والحفاظ على تربة العراق الغالية بما يحتوي من ثروات وخيرات ..!؟ بل العكس انتشت بكاس المكتسبات الخاصة الفئوية والحزبية والرواتب الباهظة والصفقات ( والمالات) …؟؟؟

خلال ستة عشر عاما لم نسمع من السلطة القضائية انها قد نفذت حكم على حيتان الفساد الكبيرة وعطلت عمل المدعي العام , وغضت النظر بمواقف كبيرة عن فاسدين في السلطتين التشريعية والتنفيذية ..!؟ والبشرية تعلم ان العراق هو الاصل في سن القوانين وحضارة البشرية.

اما السلطة الرابعة (الاعلامية ) لطالما كانت غير معبرة لرأي الشارع وألام واهات الجماهير ألا ما ندر منها ( بالتزامها بمبادي الاعلام الصادق ونشرها صوت الحقيقة) .

اصل السلطات ومصدرها ( صوت الشعب) الذي غيب طوال ستة عشرة عاما ..!؟ قد انتفض اليوم ليقول كلمته في الحفاظ على الوطن ( نازل اخذ حقي ) .. بات اليوم معتمدا على اصالة القضاء العراقي في محاسبة الفاسدين وطردهم من تربة هذا البلد الذي لا يليق الا بالخيرين من ابناءه من جهة , ومن جهة اخرى وعلى سلطة الاعلام الصادق الوفي صاحب الرسالة في نشر ثقافة ال تسامح والمحبة وليس ثقافة العنف والتكفير .. ثقافة تغيير فقرات الدستور او العمل على ابطاله والتصويت على دستور جديد للعراقيين ( ليس به مكتسبات طرف على اخر) .. بعدها انتخابات رئاسية مباشرة من الشعب ( السلطة التنفيذية ومسؤول عن الحكومة وادارتها ) وانتخابات برلمان بأعداد افراده القليلون ( نائب من كل محافظة عراقية واثنين فقط الى بغداد لأنها العاصمة) حتى لا تستطيع الاحزاب التحالف والسيطرة على كراسي البرلمان .

توتة .. توتة لم تخلص الحدوثة ..

اذا لم تغير الطبقة السياسية الحالية من نهجها ومنهاجيتها في ادارة الدولة لن يهدا الشباب الثائر.

تنويه: جميع المقالات المنشورة تمثل رأي كتابها فقط
Read our Privacy Policy by clicking here