لا قرارَ معَ آلعمى

عزيز الخزرجي.. ألمُثقف حين يُمسخ ضميره و يموت قلبه و وجدانه ليبقى كتلة من اللحم و العظم و الشعر و الدم والعروق؛ لا يُمكنه رؤية الحق, بل يرى العكس, يرى الباطل حقا و الحق باطلا, و هذا ما وقع و يقع في العراق على كل صعيد, بإستثناء الشهداء الذين أختارهم الله تعالى لينعموا بآلخير والخلود بقربه, حيث أقبلوا عليه تعالى بقلوب سليمة, بعيداً عن ا للؤماء و المنافقين الذين لا قرار لهم مع ذلك العمى.
ألعراقيون تربوا منذ قرون و ليس فقط 40 عاماً كما يقولون؛ على أخلاق البعثيين الذين علّموهم كتابة التقارير والحسد و الكذب والنفاق والخدعة والأجرم ليتميّزوا عن كلّ آلخلق في الوجود؛ نعم معظم العراقيين, خصوصاً الذين حكموا و تحزبوا قبل و بعد 2003م؛ قد تربوا على النفاق والنهج البعثي ومعاداة الحقّ وأهل الحقّ الذين تمّ تغيّبهم و تشريدهم بعد ما إستهلكوا نظرياته و حاله و حقوقه, لأنهم – أيّ الشهداء – لم يستطيعوا التأقلم ليس فقط مع الشعب الذي إنمسخ ؛ بل حتى مع عوائلهم و ذويهم لجهلهم بأبسط مبادئ الحياة والأدب وآلمعاشرة, فلا الآباء ولا الأمّهات ولا المدارس و لا الأعلام ولا المساجد و لا الحوزات إستطاعت أنْ تربّي ولو ثلة من الناس يمتازون بأخلاق كونيّة وطيبة وإصالة و صدق لهداية الناس وحفظ المجتمع, و الشهيد الصدر الأول(قدس) أدرك هذه الحقيقة في أيامه الأخيرة بعد ما تأسف على صرف عمره بتعليم طلبته في زوايا وغرف الحوزة منهمكين على قواعد أصولية و فقهية بالية لم تنفعهم كثيراً؛ مُفضّلاً بدلها إقامة علاقات مودّة و صداقات أخوية مع الناس والعيش معهم و مشاركتهم آلامهم لهدايتهم, مؤكداً: لو أنّ كلّ طالب منكم كان يقيم علاقة صداقة حميمة مع خمسة من ألناس كآلبقال الذي يتسوق منه و سائق السيارة التي توصله و جاره وهكذا .. فأنّ عملية التغيير كانت ستأخذ مجراها و لا يمكن لأمثال صدام أو حزب سياسي أن يحكم و يفسد العراق, لكن تلك (الحوزة التقليدية) ما زالت لا تمتلك وعياً كاملا و شاملاً من ناحية المعارف الأنسانية والعلوم الأجتماعية و النفسية و التربوية والسياسية والفلسفية التي تؤهلهم ألقيام بعملية التغيير, و لهذا فشل العمل الأجتماعيّ التغييري وسادت الفوضى و الدمار و النهب و القتل بدل الصلاح والمدنية والحضارة, وعلى يد طبقات و أحزاب سياسيّة فاسدة ليس فقط تحب الفساد و النهب وإستهلاك الفرص لأجل راتب و منصب و تقاعد؛ بل باتت تعادي(العدالة) وأهل الحقّ و الفلسفة, و تنتهز الفرصة تلو الأخرى لأعدامهم وتشريدهم بأيّة وسيلة و بأسرع وقت ممكن ليخلو الجو لهم, و إنتفاضة الجماهير المليونية اليوم في بغداد والعراق؛ إنما حدثت لفساد الطبقات والأحزاب والشخصيات السياسية, لهذا رفضهم آلشعب, وإن أخطأ في الحل!

ففي العراق اليوم و كما يعلم الجميع مئات الأحزاب السياسية والحركات الأجتماعية والمنظمات “الفكرية والثقافية” والمجتهدين والمراجع و الجامعات, بغض النظر عن مدى معرفتهم بمعنى الفكر و الثقافة وتطبيقاتها, ومن العجائب أنّ شخصا كتب مقالاً قبل أيام في موقع (بصائر الحق) المحدودة وكان يدير سابقاً (شبكة الأعلام العراقي), وتبين جهله في الفرق بين المدنية و الحضارة وهكذا جميع تلك الأحزاب و الحركات لا تريد الحقّ ولا فهم الحقيقة, بل تريد (الكاش) بالحصول على منصب عبر السياسة و الحزب و المنظمة و حتى المرجعية لضرب (ضربة العمر) كآلسابقين ثم الانسحاب التكتيكي والتبري من العراق, ليعيش مع مَنْ يُعجبه في قصره و بيته المجلل و سيارته الخاصّة وآلتمتع بأموال الفقراء التي جمعها بآلحرام مفتخراً بكبريائه ليختم حياته بموت أصفر ذليل لا تُذرف دمعه لموته حتى من زوجته وأبنائه! هذا ناهيك عن جهل العراقي بمعنى الأسفار و العشق و المحبة و سببب فسح المجال أمام الشيطان لغواية العباد وبآلمقابل إمتناع أبو الفضل العباس من شرب الماء في عز الظهر مع حرارة الجو و تلاحم المقاتلين.

ألدّين ألذي هو الأساس في تغذية أخلاق الناس و تحديد سلوكهم؛ دين مشوّه وقشري لمنفعة العمائم الكبار والمتشبثين من المحيطين بهم أو من قبل الحاكمين الذين لا يستطيعون الإستمرار إلا بغطاء منهم؛ فكيف يمكن لهذا الوضع الذي يُراد فيه من ألدّين أكل الدنيا أن يتحقق التغيير و العدالة؟ بينما آلمُدّعين للثقافة و الفكر والأدب أنفسهم لا يُريدون ذلك عملياً؟

تصور إلى أيّ حدّ وصل الأمر بمثقفي العراق ناهيك عن العوام إن صح التعبير!؟ حين أشرت في آخر مقال(1):
بإستحالة حلّ الأزمة العراقية و مظاهرات الناس؛ بحلّ الحكومة فقط و كما ينادي البعض, لأن الحكومة الجديدة هي من نفس (الطينة) التي خرّجت الحكومة السابقة(ألحمأ المسنون), بل سيحدث العكس حيث تتشابك الأمور و تنتشر الفوضى و حتى حرب الشوارع؛ بل الحلّ الأمثل لدرء ألخراب الذي أوجده السياسيون؛ يتحقق بتطبيق (العدالة) لا أكثر ولا أقلّ, و (العدالة) تحتاج لمسألتين فقط لا ثالث لهما:
ألأوّل: إرجاع جميع الأموال(الرّواتب) و (التقاعد) ألحرام التي سرقها المسؤولون للآن من ألرئيس وحتى آلمدير ألعام أو مسؤول مؤسسة وألمستشارين.
ألثاني: سنّ دستور جديد يُلغي القرارات الرئيسية والفرعية بشأن الرواتب و الحقوق آلتي أوجدها الأجانب مستهدفين حقوق الناس بعيداً عن معايير الحقوق الأجتماعية والعدالة العلوية التي تأمرنا بآلأنصاف و المساواة بين الناس خصوصاً ألمنتسبين للعمل الحكومي بكل أصنافهم ومستوياتهم من الرئيس و الوزير و النائب حتى العامل و الجندي, ولا يهم كيف سيستمر البناء و الأعمار في ظرف كظرف العراق خلال سنة أو سنتان, و لتتعطل جميعها و هي معطلة .. فهناك المطلوب ألأهم الذي بدونه يستمر الظلم, وهو التركيز على حلّ جذور الفساد الذي وصل المخ و سرى في الدم كآلسّرطان, بسبب الفوارق الطبقية و الحقوقية و الرواتب و المخصصات و النثريات و الإيفادات و التعينات بآلتحاصص والديون المئات مليارية, ألمُهم قبل كلّ شيئ ؛ قطع دابر الفساد من الأساس, و الخير يأتي تباعاً, خصوصا الثقة التي فُقدت بين الحكومة (المسؤول) و الشعب (ألمهضوم), وعندئذٍ يكون بناء الحضارة وآلمدنيّة سهلاً فبقربنا تجارب حية. فعندها يحس أبناء المجتمع بضمان حقوقه وتحكم العدالة والمحبة في الله بين الناس يشعرون بوطنهم و يتسابقون لبنائه والتضحية لأجله, بعكس الآن حيث تهيّئت كل منظمة وجماعة و كروب و حزب و جمعية و منظمة كآلذئاب و آلأفاعي و العفاريت و الحيتان ينتظرون إسقاط الحكومة للحصول على الفريسة والفوز بآلمال و المناصب لنفسها وأحزابها و منظماتها ليبدء آلنهب والفساد بلون آخر مختلفة وتكرار ما فعله السابقون بشكل أسوء(2) ثأراً لمظلوميتهم و هكذا, والعراق لكونه أغنى دولة لشعب فاسد, أصبح أبو الفساد حيث يتفنن العراقي و يتحايل بطرق يعجز الشيطان الأتيان بها للأنتصار لذاته و لجيبه و عشيرته مختلقاً ألف عذر شرعي وقانوني, بل على إستعداد لبيع ألف إله و إله و قتل ألف حسين و حسين ليفوز (بضربة العمر) و يُردّد بعدها؛ عساهم نارهم تاكل حطبهم, ليبدأ بآلعبادات المختلفة: لا الدّعاء والصلاة و آلعزاء للحسين فقط .. بل حتى إقامة صلاة الليل و كما فعل بني العباس و غيرهم حتى صدام أخيراً وآلمشتكى لله, و معتقداً بقدرته على المكر و إستغفال الله حاشاه, و لجهله بآلفكر, لم يقرأ حديث الحقوق المتواتر الذي يؤكد بأن الحقوق أربعة؛ [حقٌّ لك؛ و عليك؛ و بينك و بين الله؛ و بينك و بين الناس, فأما الثلاثة الأولى فلا يعتد بها الله كثيراً سوى الثالثة لأنها تتعلق بحقوق الناس], حيث إن الله تعالى نفسه لا يستطيع غفرانها لأنها تناقض عدالته حتى لو إستشهد مرتكبها.
ولا يستوى الأعمى و البصير!؟
ولا الظلمات ولا النور!؟
ولا الظل ولا الحرور!
ولا الأحياء كالأموات!
ولا المجاهد كسقاية الحاج!؟
ولا المؤمن النظيف الثياب مع أهل الأربطة والكروش و العروش الحرام!؟
و الله تعالى يُسمع من يشاء وما أنتَ بمسمع مَنْ في القبور!؟
وهكذا يبقى آلفرق يبقى كبيراً بعرض السموات و الأرض بين أصحاب الجنة و أصحاب النار أعاذنا الله و إياكم.
ألفيلسوف الكونيّ
ــــــــــــــــــــــــــ

تنويه: جميع المقالات المنشورة تمثل رأي كتابها فقط
Read our Privacy Policy by clicking here