اعملوها مرة واحدة لأجل الوطن .. (رسالة الى الاحزاب والكتل السياسية المتنفذة في العراق)،

د. هاتف الركابي

قبل ١٦ عاما كنا نتطلع الى مستقبل جميل بعد ان تمزقت ٣٥ سنة من اعمارنا عايشناها مع البعث الظالم الذي ملأ بنا السجون والآهات والقهر والجوع والمنافي والاغتراب..
جئتمونا قبل ستة عشر عاماً بشعاراتكم التي صدعت رؤوسنا فاستئثرتم بالبلاد لكم ولعوائلكم وابناءكم واحزابكم وحماياتكم، ومزقتم الوطن مرة اخرى وجعلتم العائلة العراقية الواحدة احزاب شتى ..

ستة عشر عاماً والعراق مليء بالشواهد والمشاهد والصحائف والصفائح من المشردين والمتسولين والايامى واليتامى والارامل والمطلقات والعاطلين وجيوش الفقراء بلا عمل ولا رواتب تضمن لهم الحياة الكريمة وتعمدتم بعدم تشريع قانون الضمان الاجتماعي وأبناءكم يدرسون في ارقى الجامعات العالمية ، وتعينوا في افضل الهيئات والوزارات ..

ستة عشر عاما انتهت والملايين من العراقيين انهكتهم الامراض والسرطان ولايجدون مستشفيات او مختبرات او ادوية ، وتركتم الناس تواجه مصيرها المحتوم أمام جشع الكثير من الاطباء وماڤيات الادوية وتعمدتم بعدم تشريع قانون الضمان الصحي ..

ستة عشر عاما مرت وقبضتم على التعيينات بايديكم وجعلتموها لابناءكم وبناتكم واحزابكم وتركتم الملايين من الخريجين يقبعون بالشوارع والمقاهي والمنافي ، فمنهم من هاجر ومنهم مات ومنهم من اصبح متسولاً.. وتعمدتم بعدم نفاذ مجلس الخدمة الاتحادي..

ستة عشر عاما ، وظلت أزمة المياه تطارد العراقيين وتنذرهم ببيئة كارثية في المستقبل وظلت تركيا تهدد في السر والعلن ، واختلفتم لاجل مصالحكم الضيقة ولم تشرعوا قانون المجلس الوطني للمياه..

ستة عشر عاما تصرمت وقد استوليتم على عقارات الدولة من المباني في الخضراء والجادرية والكرادة ومطار المثنى وشارع الاميرات وجامعة البكر وغيرها وجعلتموها مقرات لاحزابكم وصادرتم قطع الاراضي وتقاسمتموها بينكم ، وتركتم بعض العقارات مهجورة والناس بلا سكن او مأوى..

ستة عشر عاماً مرت والاقليم متمرد على الحكومة المركزية فيصدر النفط والثروات الطبيعية ناهيك عن السرقات ولايقبل بخضوعه للرقابة لامن البرلمان ولا من ديوان الرقابة المالية، وتعمدتم بعدم تشريع قانون النفط والغاز .

ستة عشر عاماً انتهت واليورانيوم المنضب في كل بقعة من بقاع العراق والتي ستحرق الاخضر واليابس ولم تتمكنوا من مطالبة امريكا وحلفاؤها امام المجتمع الدولي .. ووزارة الخارجية فشلت فشلا ذريعا في رسم السياسة الخارجية والحفاظ على مكتسبات العراق..

ستة عشر عاما والمحكمة الاتحادية بلا قانون ، وقانون الانتخابات فصلتموه على هواكم فوضعتم الناس في حيرة ومفوضية تختارونها على مزاجكم واحزابكم.. والدولة تدار بالوكالة ، والبرلمان ناقص بعدم تشريع الغرفة التشريعية الثانية ..

ستة عشر عاماً والفساد المالي والاداري قد وصل اعنان السماء وافاق الارضين من الكومشنات والماڤيات والعصابات.. فتبددت ثروة العراق ..

ستة عشر عاماً وهناك ستة ملايين من العراقيين المغتربين في المنافي ، أخذت منهم السنون والايام مأخذاً ، فمنهم من قضى نحبه ومنهم من ينتظر شاخصةً عيونهم لوطن أسمه الرافدين ، هرمت الآباء وكبر الأبناء وتخرجوا من ارقى الجامعات العالمية ، ولكنكم وبعصابات منظمة جئتم بمليونين من العمالة الوافدة من البنگال وغيرهم وتركتم ابناء البلد في الاصقاع.

ماذا تريدون من هذا الوطن .. الذي يتعرض اليوم الى امواج تتلاطم ..
لقد غفلتم عن الجيل الجديد ولم تلتفتوا اليه وقد اصبح فكركم قاصراً عن فهمه ..
هذا الجيل ليس لديه فوبيا الخوف ورمى خلف ظهره ذكريات البعث و الطائفية والقومية والاحتلال والفوضى،،
هذا الجيل انتبه الان الى دستور وضعتموه انتم واخترقتموه تارة واحتقرتموه تارة اخرى انتم واحزابكم..

هذا الجيل وعى انكم زورتم الانتخابات ثم احرقتم الصناديق ورفعتم نسبة المشاركة غير آبهين بما يحدث ونصبتم انفسكم اسياد على الوطن ..

هذا الجيل يثور حين يجد مؤهلات الثورة متوفرة وينكص حين لايجد من يثور معه ، فهم يصبرون ولكنهم لايستسلمون.. واطمئنوا فلا دخلاء بينهم ولا مندسون لان قلوبهم فاض بها الغضب ..

هذا الجيل اردتموه جيل تيهٍ وضياع ولكنه أبى ذلك ، لانه لايؤمن بالسلاطين واستهتار المتحكمين والاساطير الضعيفة والمنقرضة .. فلاتروجوا ( محمداً ) على مزاجكم و ( حسيناً ) على مقاسكم و ( عُمراً ) على هواكم و ( كوردستاناً ) على صفقاتكم ، لأن النزاهة والشرف الذي تتشدق به احزابكم قد اصبح مشوهاً ومعروفا لدى القاصي والداني..

هذا الجيل لايعرف الخوف ابدا لانكم سرقتم حاضره ومستقبله وجعلتموه مشوهاً بلون الفساد والدماء السائلات ..
لم يعد هناك متسع من الصبر والصمت ازاء كل الانتهاكات لذلك ثار عليكم ولن يتراجع ..
لذلك اقول لكم اعملوها ولو مرة واحدة واتركوا الوطن لتبنيه تلك الطاقات الشابة الواعدة بمساعدة الخبرات من الاكاديميين والمختصين .. واذهبوا باحزابكم بعيداً بعيداً ..

د. هاتف الركابي
باحث في الشؤون الدستورية

تنويه: جميع المقالات المنشورة تمثل رأي كتابها فقط
Read our Privacy Policy by clicking here